خاص/ وكالة الصحافة اليمنية//
في الوقت الذي تشهد فيه غزة جريمة إبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، تجاوزت حصيلة ضحاياها 188 ألف شهيد وجريح، لم توقف الولايات المتحدة الأميركية دعمها لـ “إسرائيل” ولم تتدخل لكبح جماح الاحتلال وفرض وقف إطلاق النار في غزة، كما فعل الرئيس الأميركي عندما فرض وقف إطلاق النار على “إسرائيل” في حربها مع إيران، رغم أن حصيلة قتلى هذه الحرب في “إسرائيل” بلغت 1038 قتيلًا وجريحًا، فيما بلغ عدد الضحايا في إيران 5.356 شهيدًا ومصابًا فقط، وهي أرقام بسيطة لو تم مقارنتها بحجم الضحايا المهول في غزة، مع عدم التهوين منها.
والسؤال الذي يُطرح هو: لماذا لم تتدخل واشنطن وتكبح جماح “إسرائيل” وتجبر قادتها المجرمون على وقف إطلاق النار في غزة على غرار ما حصل في حربها مع إيران؟
الحقيقة هي أن قدرة واشنطن على كبح جماح “إسرائيل” في غزة لم تعد محل شك بعد فرض دونالد ترمب على الاحتلال الإسرائيلي وقف إطلاق النار مع إيران، لكن ما يمنع ذلك هو عدم توفر الرغبة الأميركية في إيقاف العدوان على غزة لأسباب عدة، أهمها غياب الإرادة؛ فواشنطن لا ترى أن دعم العدوان المستمر على غزة يكلفها ثمنًا استراتيجيًا باهظًا، في ظل عدم وجود أي قوة عربية رادعة ترفع كلفة هذا الدعم إلى مستويات غير محتملة، وطالما استمر هذا الواقع، وطالما ظل الصراع محصورًا في دماء الفلسطينيين وأطلال غزة دون تهديد حقيقي للمصالح الأمريكية، فمن المرجح أن يستمر الدعم الأمريكي غير المشروط.
أما بيانات التمني والدعوات، الصادرة عن بعض الدول العربية والإسلامية واجتماعات منظمة التعاون الإسلامي والقمم العربية، على كثرتها، فتظل مجرد كلام يحتويه الجانب الأميركي بدعوات للتهدئة يسوقها للإعلام، فيما يقف بكل قوته إلى جانب حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ويشاركها في تنفيذ الجريمة بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.
أما السبب الثاني فهو غياب التهديد الحقيقي، فواشنطن لا تشعر أن استمرار العدوان في غزة يشكل تهديدًا وجوديًا لمصالحها الحيوية في المنطقة، كإمدادات الطاقة أو الوجود العسكري، على المدى القريب؛ لأن رد الفعل العربي ظل محصورًا في الشجب والاستنكار على استحياء والتحركات الدبلوماسية محدودة الأثر، وواشنطن تعرف أن الموقف العربي لن يتجاوز هذا.
أضف لذلك السببين، الانقسام والضعف، حيث يعيش العالم العربي حالة انقسام وتشرذم وضعف استراتيجي غير مسبوقة في التاريخ، ولا توجد قوة عربية موحدة أو إرادة جماعية قادرة على فرض ثمن سياسي أو اقتصادي أو عسكري باهظ على المصالح الأميركية.
المقارنة مع إيران
على عكس حسابات واشنطن بخصوص العدوان على غزة، لها حسابات أخرى مع إيران، فالبيت الأبيض تدرك جيدًا أن استمرار الحرب مع إيران سيكلفها ثمنًا استراتيجيًا باهضًا، باعتبار ما تملكه إيران من قوة وقدرات ردع تمكنها من إلحاق خسائر كبيرة بمصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، ولهذا سارع ترامب لفرض الوقف على “إسرائيل” عندما أصبحت الحرب تهدد مصالحها، خصوصًا بعد استهداف طهران لقاعدة العديد في قطر ردًا على استهداف واشنطن لمنشآتها النووية.
لقد أثبتت الوقائع أن واشنطن تستجيب فقط عندما تدفع الثمن، كما هو الحال مع إيران، أما في غزة، فالضعف والتشرذم العربي وغياب قوة الردع حوّل الدم الفلسطيني إلى “تكلفة مقبولة” في حساباتها.
ولقلب هذه المعادلة، يجب على الدول العربية الخروج من الحالة المهينة التي تعيشها، والعمل على تحقيق عوامل القوة، من خلال العمل المشترك على توحيد مواقفها وإنشاء قوة موحدة، والسعي لامتلاك قوة ردع حقيقية تعيد تمكينها من الوقوف في وجه أعدائها، والتصدي للمشاريع التدميرية التي تستهدفها.