المصدر الأول لاخبار اليمن

عقوبات أمريكية ضد ألبانيزي انتقاماً من فضح جرائم إسرائيل

واشنطن تُعلن الحرب على حقوق الإنسان

تقرير/وكالة الصحافة اليمنية//

في خطوة اعتُبرت سابقة خطيرة تهدد استقلالية المؤسسات الدولية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي، بعد اتهامها بـ”معاداة السامية” و”التحريض ضد إسرائيل والولايات المتحدة”.

جاء هذا القرار في سياق تصاعدي للضغوط الأمريكية على الأصوات الدولية التي تنتقد الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين، مما أثار إدانات واسعة من الأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية، وفصائل فلسطينية، بينما حظي بترحيب إسرائيلي.

الأمم المتحدة: العقوبات “غير مقبولة” وتهدد النظام الدولي

حيث أعلنت الأمم المتحدة رفضها القاطع للعقوبات الأمريكية، ووصف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الإجراء بأنه “سابقة خطيرة” تتعارض مع مبادئ المنظمة الدولية.

وأكد أن المقررين الخاصين، مثل ألبانيزي، يعملون بشكل مستقل بموجب تفويض من مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ولا يخضعون لسلطة الدول الأعضاء.

وأشار إلى أن الخلافات السياسية يجب أن تُحل داخل أطر الأمم المتحدة، وليس عبر عقوبات أحادية الجانب تهدف إلى إسكات الأصوات الناقدة.

كما دعت الأمم المتحدة إلى التمييز بين انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية، الذي يُعد حقاً مشروعاً، وبين معاداة السامية، في إشارة إلى اتهامات واشنطن غير المبررة لألبانيزي.

وأكد دوجاريك أن مثل هذه العقوبات تهدد عمل الخبراء المستقلين وتقوض مصداقية النظام الدولي لحقوق الإنسان.

حماس: العقوبات “تواطؤ مع جرائم الحرب الإسرائيلية”

حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بدورها أنضمت إلى سيل الإدانات، ووصفت القرار الأمريكي بأنه “تعبير صارخ عن الانحياز لجرائم الحرب الإسرائيلية”، محذرة من أنه يُشجع القيادات الإسرائيلية على مواصلة انتهاكاتها.

وأكدت الحركة في بيان أن العقوبات تمثل “استهتاراً بالمؤسسات الدولية” وتقويضاً للقانون الدولي، خاصة في ظل استمرار الحرب على غزة التي خلفت أكثر من 195 ألف ضحية بين شهيد وجريح.

كما أشارت حماس إلى أن العقوبات ضد ألبانيزي تأتي بسبب تقاريرها التي توثق “الإبادة الجماعية” في غزة، مما يكشف، وفقاً للبيان، “مدى التواطؤ الأمريكي مع العدوان الإسرائيلي”.

ودعت الإدارة الأمريكية إلى مراجعة سياستها العدوانية، ورفع الغطاء السياسي والقانوني عن الجرائم الإسرائيلية.

رد فعل ألبانيزي: “ترهيب عصابات” واستمرار في العمل الحقوقي

رفضت فرانشيسكا ألبانيزي، الأكاديمية الإيطالية المتخصصة في القانون الدولي، العقوبات الأمريكية ووصفتها بـ”ترهيب العصابات”، مؤكدة في منشور على منصات التواصل أنها ستواصل عملها في توثيق انتهاكات حقوق الفلسطينيين.

وقالت: “أنا منشغلة الآن بتذكير الدول بالتزاماتها بوقف ومعاقبة الإبادة الجماعية”، في إشارة إلى تقاريرها الأخيرة التي اتهمت فيها أكثر من 60 شركة عالمية بالتواطؤ مع الجرائم الإسرائيلية.

كما طالبت ألبانيزي حكومات أوروبية، بينها فرنسا وإيطاليا، بتوضيح سبب السماح لطائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمرور في أجوائها رغم ملاحقته دولياً بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

اتهامات أمريكية غير مسبوقة وتجاوز للسيادة الدولية

وكانت الخارجية الأمريكية اتهمت ألبانيزي بالتحيز و”التواصل مع المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين”، وهو ما نفته المقررة الأممية، مؤكدة أن عملها يندرج ضمن ولايتها القانونية.

ووصف وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تقاريرها بأنها “حملة سياسية واقتصادية” ضد واشنطن وحليفتها إسرائيل، مُهدداً بمزيد من الإجراءات لمواجهة ما أسماه “الحرب القانونية” على الولايات المتحدة.

لكن التحليل القانوني يُظهر أن اتهامات واشنطن تفتقر إلى أساس متين، إذ أن عمل المقررين الخاصين يتمثل في توثيق الانتهاكات وإصدار تقارير مستقلة، وهو ما تقوم به ألبانيزي منذ تعيينها في 2022.

كما أن اتهامها بـ”معاداة السامية” يُعتبر أسلوباً متكرراً تستخدمه إسرائيل وحلفاؤها لاستهداف النقاد، وفقاً لمنظمات حقوقية.

الترحيب الإسرائيلي: محاولة لإسكات الأصوات الناقدة

من جانبها، رحبت إسرائيل بالعقوبات الأمريكية، ووصف وزير خارجيتها، جدعون ساعر، القرار بأنه “رسالة واضحة للأمم المتحدة”، داعياً إلى تقييد تحركات المقررين الدوليين الذين ينتقدون إسرائيل.

وهذا الموقف يعكس سياسة تل أبيب المستمرة في استهداف المؤسسات الحقوقية، مثلما حدث مع منظمات “بتسيلم” و”هيومن رايتس ووتش” سابقاً.

وأجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز حول تورط الشركات العالمية في “اقتصاد الإبادة” بفلسطين يمثل نقطة تحول مفصلية في كشف حجم الدعم المؤسسي للعدوان الإسرائيلي.

وقالت ألبانيز في كلمة لها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن هناك دولا تساند إسرائيل في مشروعها للهيمنة وتهجير الفلسطينيين، وطالبت بتعليق الاتفاقات التجارية كلها مع إسرائيل التي تسهم في “حرب الإبادة” بقطاع غزة.

وأضافت أن شركات أسلحة عالمية وفرت لإسرائيل 35 ألف طن من المتفجرات ألقتها على القطاع، وهي تعادل 6 أضعاف القوة التدميرية للقنبلة النووية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية.

وأوضح التقرير الموثق الذي اعتمد على أكثر من 200 تقرير وبلاغ من دول وأكاديميين ومنظمات حقوقية، أن أكثر من 60 شركة عالمية كبرى تتورط في دعم ما وصفته ألبانيز بـ”اقتصاد الإبادة الجماعية” ضد الشعب الفلسطيني.

مقررة أممية تؤكد ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة

وتكمن أهمية التقرير -وفقا للأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي– في كونه يفضح تورط شركات عالمية كبرى في حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة بدون تردد في تسمية هذه الشركات بأسمائها.

وتشمل القائمة عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل ومايكروسوفت التي تشارك في عمليات التجسس وتزود إسرائيل بالبرمجيات اللازمة للمراقبة، إضافة إلى شركات الأسلحة مثل لوكهيد التي تقدم القنابل والقاذفات، وشركات الآليات الثقيلة مثل كاتربيلر وهيونداي التي توفر الجرافات المستخدمة في تدمير البيوت الفلسطينية.
وفي السياق نفسه، لفت الناشط عبده محمد من حملة “لا أزور” للفصل العنصري إلى عمق التورط التكنولوجي، موضحا أن مايكروسوفت تمثل العمود الفقري التكنولوجي للفصل العنصري وحرب الإبادة الجماعية.

وبحسب التقرير، فإن شراكة مايكروسوفت مع إسرائيل تمتد منذ تسعينيات القرن الماضي عبر مراكز تطوير متخصصة وعقود مع جيش الاحتلال وهيئات الشرطة والكهرباء والمياه، إذ تقدم الشركة أنظمة الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي أصبحت جزءا من ترسانة جيش الاحتلال.
وكانت مايكروسوفت وشركات أميركية وغربية أخرى قد واجهت اتهامات بدعم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وتحدثت تقارير عن تقديم هذه الشركات خدمات رقمية لإسرائيل استخدمتها في تعقب “أهدافها” في غزة وفقا لما أوردته وكالة أسوشيتد بريس في تحقيق نشرته في 18 فبراير/شباط 2025.
وقد ارتفع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي المُقدمة من مايكروسوفت و”أوبن إيه آي” (تعد مايكروسوفت أكبر المستثمرين فيها) إلى قرابة 200 ضعف بعد شن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهذا مكّنه من تحديد الأهداف بسرعة غير مسبوقة.

وتمتد دائرة التورط -وفقا لخبراء- لتشمل القطاع المصرفي والتأميني، إذ تورطت بنوك مثل باركليز البريطاني وبي إن بي الفرنسي في تمويل العمليات الإسرائيلية، بينما تسهم شركات التأمين مثل أليانز في دعم المنظومة الاقتصادية للاحتلال.

خصخصة مصادر السلاح

ووفقا لتحليل الخبير العسكري والإستراتيجي الدكتور أحمد الشريفي، فإن ردود الأفعال الأميركية الغاضبة تعكس ضيقا واضحا من انتقاد النظام الرأسمالي الذي خصخص مصادر السلاح وجعلها بعيدة عن الضوابط القانونية والأخلاقية.
وحسب تفسيره، تقوم هذه الشركات متعددة الجنسيات على نظرية رأس المال والعرض والطلب وتحقيق المنفعة بصرف النظر عن البعد القيمي لهذا المنتج، وهذا يجعلها تعمل بمنأى عن المساءلة الأخلاقية والقانونية.
وفيما يتعلق بردود الفعل الإسرائيلية، أكد الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور مهند مصطفى أن اتهام “معاداة السامية” فقد قيمته في التداول السياسي والإعلامي، وأن إسرائيل بدأت تدرك أن استعمالها لمعاداة السامية أمام أي نقد أفقد هذه التهمة من جوهرها ومعناها، خاصة مع صعود حركات الاحتجاج العالمية التي تنتقد السياسات الإسرائيلية من دون أن تكون معادية لليهود.

وحول آفاق التأثير المستقبلي، اتفق الخبراء على أن التقرير سيكون له “تأثير هائل” على عدة مستويات.
واعتبر البرغوثي أن هذا التقرير يمثل “استفزازا للضمير الإنساني” وكشفا لحجم انهيار المنظومة الأخلاقية العالمية، وهذا قد يؤدي إلى تصاعد الحركات الشعبية العالمية للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاطعة الشركات المتورطة في “اقتصاد الإبادة”، على غرار ما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقا.

ورفضت إسرائيل هذا التقرير، ووصفته بأنه تلويث للحقائق وإساءة لاختصاص المقررة الأممية، وزعمت أنه لا يستند إلى أسس قانونية.

أما البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة فقد وصفت اتهامات ألبانيز بالمزاعم الكاذبة والمسيئة، ونقلت طلب واشنطن بأن يدين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنشطة السيدة ألبانيز بشكل مباشر، وأن يدعو كذلك إلى إقالتها من منصب المقررة الخاصة.

يذكر أن أبانيز دعت في مايو/أيار الماضي إلى توجيه اتهامات لكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بالتواطؤ في جرائم حرب بسبب دعمهم لإسرائيل خلال عدوانها على قطاع غزة.

تداعيات العقوبات: تهديد لاستقلالية المؤسسة الدولية

يرى مراقبون أن قرار واشنطن يعتبر جزءاً من سياسة أوسع لفرض الهيمنة على المؤسسات الدولية، حيث سبق أن انسحبت من مجلس حقوق الإنسان عام 2018 بسبب انتقاده لإسرائيل، وقطعت تمويلاً عن وكالة “أونروا” لدورها في دعم اللاجئين الفلسطينيين.

والآن، تُستخدم العقوبات كأداة لمعاقبة الخبراء المستقلين، مما يخلق سابقة خطيرة تهدد عمل الأمم المتحدة.

وأكد المراقبون الدوليون أن العقوبات على ألبانيزي تكشف ازدواجية المعايير الأمريكية في الدفاع عن انتهاكات إسرائيل، بينما تُدين انتهاكات دول أخرى.

كما تؤكد الحاجة إلى إصلاح النظام الدولي لضمان حماية استقلالية الخبراء، والتصدي لمحاولات الدول الكبرى إسكات الحقائق عبر العقوبات.

قد يعجبك ايضا