المصدر الأول لاخبار اليمن

200 يوم من العدوان: مخيمات الضفة.. من معاقل مقاومة إلى مدن أشباح

القدس | وكالة الصحافة اليمنية

منذ أسابيع، تعيش قرية المغير شمال شرق رام الله على وقع هجمات متكررة ينفذها المستوطنون بحماية مباشرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث ما تزال آثار الحريق واضحة. مركبات متفحمة، وغرف زراعية تحولت إلى رماد، وأشجار زيتون مقطوعة بعنف.

 المشهد ليس غريبًا على سكان القرية، لكنه هذه المرة كان أكثر قسوة، فقد نفذ عشرات المستوطنين هجومًا منظمًا اليوم السبت، عندما اقتحموا منطقة مرج سيع غرب القرية، وأضرموا النار في غرف زراعية ومركبات، وقطعوا أشجار زيتون، فيما أغلق جيش الاحتلال المدخل الوحيد للقرية، تاركًا السكان يواجهون مصيرهم.

يأتي ذلك تزامنًا مع قرار عسكري جديد بالاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضي القرية ومحيطها.

 

هجوم متكرر.. ورسالة واضحة

 

يصف رئيس مجلس قروي المغير أمين أبو عليا، الاعتداء الأخير بأنه جزء من “مخطط ممنهج”، موضحًا لـ “وكالة الصحافة اليمنية” أن: “المستوطنون كثفوا هجماتهم في الفترة الأخيرة، ومنعوا المزارعين من دخول أراضيهم.. الأمر لا يتعلق باعتداءات فردية، بل بمحاولة منظمة للاستيلاء على الأرض بالقوة.”

ويضيف: “المستوطنون اقتحموا منطقة مرج سيع، أحرقوا ممتلكات المزارعين، وقطعوا أشجار الزيتون.. لم يكن الهجوم عشوائيًا، بل جرى وسط وجود الجيش الذي لم يتدخل لمنعهم، بل أغلق المدخل الغربي الوحيد للقرية.”

وأوضح أبو عليا أن أهالي المغير يعيشون منذ أسابيع حالة من الحصار غير المعلن، حيث تُمنع العائلات من الوصول إلى أراضيها الزراعية، في وقت يتزايد فيه الضغط عليهم لمغادرتها.

لم يأت الاعتداء بمعزل عن السياق الرسمي، ففي اليوم ذاته أصدرت سلطات الاحتلال أمرًا عسكريًا بالاستيلاء على 9418 دونمًا من أراضي المغير ومرج الرام شرق رام الله، لصالح توسيع مستوطنة “كوخاف هشاحر” والبؤرة الاستيطانية “ملاخي هشلوم”، وهو ما يكشف الارتباط المباشر بين العنف الاستيطاني والمخططات الرسمية الإسرائيلية.

تزامن القرار مع سلسلة هجمات استيطانية في الضفة الغربية، وهو ما يرى فيه خبراء وحقوقيون فلسطينيون ترابطًا واضحًا بين العنف الميداني للمستوطنين والسياسات الرسمية الإسرائيلية، في إطار إستراتيجية “الأرض المحروقة” التي تستهدف تهجير الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات.

 

العنف الاستيطاني بالأرقام

 

بحسب تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومية)، نفذ المستوطنون خلال يوليو الماضي 466 اعتداءً ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، أسفرت عن استشهاد 4 مواطنين وترحيل قسري لتجمعين بدويين يتكونان من 50 عائلة.

ووفقًا لتحقيق استقصائي نشرته وكالة الصحافة اليمنية، بلغ عدد الاعتداءات التي نفذها المستوطنون منذ بداية العام 2025 وحتى 11 يوليو الجاري، 1428 اعتداءً، وهو رقم غير مسبوق يُظهر التحول الكبير من “اعتداءات فردية” إلى “عنف منظم وممنهج.

أما منذ بداية العدوان على غزة في 23 أكتوبر 2023م:

في الضفة والقدس: 1014 شهيداً و7000 جريح و18,500 معتقل.

في غزة: 61,776 شهيدًا و154,906 جريح، وأكثر من 9000 مفقود، إضافة إلى مجاعة أودت بحياة 239 شخصًا، بينهم 106 أطفال.

ضحايا المجاعة في غزة: 239 شهيدًا، بينهم 106 أطفال.

هذه الأرقام الصادمة تؤكد أن المستوطنون باتوا ذراعًا موازية لجيش الاحتلال، يمارسون الإرهاب اليومي ضد القرى والبلدات الفلسطينية، في ظل حماية رسمية.

 

مخطط أوسع.. مدن أشباح

 

على بعد نحو 60 كيلومترًا شمال المغير، يعيش سكان مخيم جنين ومخيمي طولكرم ونور شمس كابوسًا مستمرًا منذ أكثر من 200 يوم.

عمليات عسكرية إسرائيلية متواصلة يُستهدف المزارعون في الضفة الوسطى، حوّلت المخيمات إلى ما يشبه مدنًا أشباحاً.. منازل مدمرة، شوارع محطمة، وبنية تحتية منهارة.. خلّفت:

تدمير آلاف الوحدات السكنية: 2000 وحدة في طولكرم ونور شمس وحدهما.

نزوح عشرات الآلاف: 25 ألفًا من طولكرم ونور شمس، و22 ألفًا من جنين.

شوارع جديدة ومربعات هندسية شُقّت وسط الأحياء المكتظة، ما يراه الأهالي خطوة لإعادة هيكلة المخيمات وتحويلها إلى فضاءات أمنية تحت السيطرة الدائمة.

وفي مخيم طولكرم، يصف فيصل سلامة رئيس اللجنة الشعبية للمخيم ما يجري بأنه “إعدام شامل”:  “الاحتلال دمّر كل مقومات الحياة، حيث يريد الاحتلال تفريغ المكان من سكانه، الهدف ليس أمنياً كما يزعمون، بل سياسياً.. إنهاء قضية اللاجئين من خلال تهجير الناس، ومحو المخيم من الخريطة، لكن المخيم سيبقى رمزًا لحق العودة.”

أما في مخيم نور شمس في طولكرم، فيستخدم رئيس لجنته الشعبية، نهاد الشاويش، تعبيرًا أكثر قسوة: “الاحتلال أعدم المخيم من جميع النواحي، لم يتركوا شيئًا صالحًا للحياة، الهدف سياسي بحت.. إنهاء قضية اللاجئين عبر جعل المخيم بيئة طاردة.”

في مخيم جنين، تكشف المعطيات أن أكثر من 620 منزلاً دُمّرت كليًا منذ بداية العملية العسكرية، فيما نزح قسرًا نحو 22 ألف فلسطيني، ما زالوا ممنوعين من العودة حتى اللحظة.

 

هندسة جغرافية جديدة

 

تكشف الشهادات والمعطيات أن ما يحدث في الضفة الغربية ليس “اعتداءات فردية” أو “عمليات أمنية محدودة”، بل مخطط متكامل يربط بين:

العنف الاستيطاني المنظم (كما في المغير).

الأوامر العسكرية الرسمية بالاستيلاء على الأراضي.

العمليات العسكرية الواسعة لتحويل المخيمات إلى بيئات طاردة.

الربط بين اعتداءات المستوطنين في المغير والعمليات العسكرية في المخيمات يكشف عن خيط استراتيجي واحد:

في القرى الزراعية: يُستخدم عنف المستوطنين والاستيلاء الرسمي على الأراضي لتوسيع الاستيطان.

في المخيمات: تُستخدم العمليات العسكرية الشاملة لإفراغها من السكان وإعادة هيكلتها، في محاولة لضرب رمزية حق العودة.

النتيجة واحدة: إعادة هندسة الضفة الغربية ديموغرافيًا وجغرافيًا، بما يضمن السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأرض.

 

الأبعاد السياسية والعسكرية

 

يلاحظ الأهالي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يكتف بالهدم، بل عمد إلى إعادة تشكيل جغرافية المخيمات عبر شق طرق عريضة وتقسيم المباني إلى مربعات سكنية.

هذه الخطوة يصفها الخبراء بأنها محاولة لتحويل المخيمات إلى مناطق يسهل السيطرة عليها أمنيًا، وإلغاء خصوصيتها التاريخية كرمز لقضية اللاجئين.

يقول أحد سكان نور شمس: “نعود أحيانًا خفيةً لجلب بعض الأغراض من بيوتنا، ما نراه مؤلم: المنازل مقسمة، الطرق مفتوحة كأنهم يعيدون رسم المخيم على مزاجهم.”

تعطي تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، بعدًا أوضح للمخطط. فقد أعلن الأسبوع الماضي أن قوات الاحتلال ستبقى داخل مخيمات شمال الضفة حتى نهاية العام “على الأقل”، بعد أن نفذت عملية “مكثفة” على مدى ثمانية أشهر، شملت “إخلاء السكان وقتل المسلحين وتدمير البنية التحتية”.

هذه التصريحات تعكس أن الاحتلال لا يتعامل مع المخيمات كمساحات مؤقتة لعمليات عسكرية، بل كجزء من إستراتيجية طويلة الأمد لتفكيكها وإعادة تشكيلها بما يخدم أهدافه السياسية والأمنية.

تؤكد الوقائع الميدانية والمعطيات الرقمية أن ما يجري في الضفة الغربية ليس مجرد “تجاوزات مستوطنين” أو “عمليات أمنية محدودة”، بل مشروع متكامل بأبعاد سياسية وعسكرية وديموغرافية.

في المغير، يظهر المشروع عبر عنف المستوطنين المسنود بأوامر عسكرية، وفي المخيمات، يتجلى عبر هدم المنازل وشق الطرق وخلق بيئة طاردة للسكان.

والهدف النهائي: هندسة ديموغرافية جديدة يسعى الاحتلال الإسرائيلي من خلالها إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وإعادة صياغة جغرافيا الضفة، وتصفية رمزية المخيمات كحامل رئيسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بما يخدم مشروع “إسرائيل الكبرى”، على حد وصف حماس.

لكن رغم الدمار، يبقى صوت الأهالي معبّرًا عن إصرار لا ينكسر.. “قد يغير الاحتلال ملامح المخيم والقرية، لكنه لن يستطيع محو ذاكرة الناس ولا حلم العودة.”

قد يعجبك ايضا