لبنان سلاح المقاومة.. واقع جديد يفرض شروطه وانسحاب تكتيكي للحكومة!
بيروت | وكالة الصحافة اليمنية
تجد الحكومة اللبنانية نفسها أمام منعطف حاسم، إذ تظهر مؤشرات متزايدة على تراجع تكتيكي في مواجهة الحقائق الميدانية والسياسية. هذا التراجع ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج مباشر لتداخل الخيوط الداخلية مع الضغوط الخارجية، حيث رمت الحكومة كرة النار إلى ملعب الجيش اللبناني، بعد فشل تقديراتها المحلية والدولية حول طريقة تعاطي حزب الله مع قرار الحكومة القاضي بحصرية السلاح بيد الدولة.
وفي المقابل، يمثل الموقف السعودي حلقة متواصلة من الرهانات الخاطئة والتدخلات التي لا تزال تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد اللبناني بما يخدم أجندتها، رغم كل ما أثبته التاريخ من عدم جدوى هذه المساعي؛ فالسعودية، من جهتها، لم تفهم عقلية حزب الله، ولم تدرك كيفية عمله وتفكيره، فراهنت على أنه لن ينزل إلى الشارع بحجة الحفاظ على السلم الأهلي.
تراجع تكتيكي للحكومة اللبنانية
على الساحة اللبنانية، يُكشف الستار عن تحول عميق في المواقف السياسية، حيث باتت بعض الأطراف الرسمية تدرك أن معادلات القوة التقليدية قد اهتزت. هذا الإدراك لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج مباشر لتعاظم قوة الأطراف المقاومة، التي فرضت نفسها كلاعب أساسي لا يمكن تجاوزه. ومع رفع حزب الله سقف الخطاب عبر كلمة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، ظهرت الصورة واضحة: هذا السلاح باقٍ ومصون، والقرار كأن لم يكن، حتى لو أدى الأمر إلى المواجهة، وهو جاهز لقتال كربلائي.
من هنا، بدأت الحكومة اللبنانية بنقل هذا الوزر والمهمة المستحيلة إلى عاتق الجيش اللبناني، والانسحاب بشكل تكتيكي كي لا تكون في الواجهة مباشرة. هذا التحرك، الذي أشار إليه تصريح وزير الخارجية يوسف رجي بأن “الجيش اللبناني قد يطلب مهلة أسبوعين إضافيين لتسليم خطة نزع السلاح”، يكشف أن الأطراف اللبنانية والسعودية اكتشفت سوء تقديرها لموقف حزب الله، فاختارت مراجعة أي خطة وُضعت مسبقًا لتجنب صدام غير محسوب.
هذه اللعبة التي تمارسها السلطة السياسية تكشف قلة المسؤولية والوطنية والحنكة لديها، إذ إنها تضع الجيش الذي يضم جنوداً من مختلف أطياف المجتمع اللبناني في مواجهة مباشرة مع حزب الله، الذي يشكل مكوناً أساسياً من مكونات لبنان ويحظى بشعبية وازنة عابرة للطوائف والأحزاب، مما يُعرّض السلم الأهلي للخطر.
رهانات سعودية خاطئة
وفي موازاة ذلك، تستمر السعودية في نهجها الذي يرتكز على سياسات عفا عليها الزمن، حيث تبدو غير قادرة على استيعاب التغيرات الجذرية في المنطقة. فكل محاولة منها للتدخل في الشؤون اللبنانية، سواء عبر دعم أطراف معينة أو عبر ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي، تُقابل بفشل ذريع. هذه التدخلات المتواصلة لا تُظهر إلا إصراراً على رهانات خاطئة لم تعد تناسب المشهد الحالي.
إن الممارسات السعودية التي تتبدى في استخدام المال لشراء قنوات تلفزيونية وصحف وإعلاميين، بالإضافة إلى تجييش كل إعلامها للهجوم على المقاومة، كما نشرته صحيفة عكاظ السعودية، تكشف عن سعيها الحثيث لإحكام قبضتها على لبنان. ورغم كل ذلك، يواصل بعض المسؤولين اللبنانيين، مثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والبطريرك بشارة الراعي، ورئيس الجمهورية جوزاف عون، تبرئة الرياض من كل مساوئها وتدخلاتها في الشأن اللبناني، في تناقض صارخ مع الواقع.
والسؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه: متى كانت نية السعودية صافية تجاه لبنان؟ هل ساعدته فعلاً في مواجهة المخاطر؟ أم أنها على العكس، موّلت جماعات تكفيرية، وراهنت على استمرار حرب عام 2006 للقضاء على حزب الله، بل ووصل الأمر إلى احتجاز رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وإجباره على تقديم استقالته؟ هذه الممارسات فضحت حقيقة السعودية في لبنان والمنطقة، وكشفت أن الرياض لا تبالي بجر لبنان إلى حرب أهلية، وهو ما عبّر عنه مبعوثها يزيد بن فرحان حين رد على سؤال حول احتمال نشوب حرب أهلية قائلاً: “فليكن”.
هذا التناقض بين التراجع التكتيكي للحكومة اللبنانية، الذي يشي باستيعابها للحقائق الجديدة، والرهانات الخاطئة للسعودية، التي تصر على نهجها القديم، يُبرز ديناميكية معقدة في المشهد الإقليمي، حيث تتجه الأطراف نحو التكيُّف مع المتغيرات أو الإصرار على مواجهتها، مع كل ما يحمله ذلك من تبعات.