تتآكل الهيمنة البحرية الأمريكية التي استمرت لعقود طويلة في مواجهة صعود الصين السريع، ما يضع القوة العسكرية الأقوى في العالم في موقف حرج..
وفي ظل استعدادات الولايات المتحدة لاحتمال اندلاع صراع في المحيطين الهندي والهادئ، تبرز العديد من الإخفاقات التي تعري هشاشة البحرية الأمريكية، من التحديات التكنولوجية إلى المشاكل البيروقراطية والثقافية التي تضع مستقبل القوة البحرية على المحك.
الرهان الخاسر على الأساطيل المسيّرة
في محاولة يائسة لمواجهة التقدم الصيني، تعول البحرية الأمريكية على بناء أسطول من الزوارق المسيّرة قادر على التحرك في أسراب ذاتية.
هذا الرهان، الذي يُنظر إليه كعنصر حاسم لمواجهة أي تفوق صيني محتمل، يواجه انتكاسات كارثية.
حسب ما ذكرته وكالة رويترز، فإن الأمور “لا تسير على ما يرام”، حيث أدى فشل البحرية في الزوارق المسيّرة إلى إثارة شكوك على أعلى المستويات.
ووفقًا لرويترز، فقد أبدى نائب وزير الدفاع الأمريكي شكوكه في اجتماع الشهر الماضي حول جدوى وقدرات هذا البرنامج.
وقد أدت هذه الإخفاقات إلى اهتزاز الثقة في الوحدة المسؤولة عن استحواذ هذه الزوارق، ما أدى إلى إقالة قائدها الأعلى رتبة.
وتؤكد رويترز أن كلًا من البحرية الأمريكية والشركات المتعاقدة ترفض التعليق على حوادث الفشل هذه، ما يزيد من الشكوك حول مدى الأزمة.
كما يشير الخبراء، فإن البحرية الأمريكية “تسير في مياه مجهولة وتحاول إعادة تشكيل تقاليد استمرت لعقود بسرعة كبيرة”، وهو ما يبرز التحديات التي تواجهها في تكييف تكتيكاتها مع قدرات الأنظمة الجديدة.
فجوة القدرات التشغيلية واللوجستية
لا تقتصر هشاشة البحرية على برامجها المسيّرة فحسب. فالأسطول الأمريكي، الذي تقلص حجمه بشكل حاد، لا يمتلك القدرة على تلبية المتطلبات الهائلة التي تفرضها الاستراتيجية العسكرية الحالية.
بينما تجاوزت الصين الولايات المتحدة لتصبح أكبر قوة بحرية في العالم من حيث عدد السفن، لا يزال هدف وزارة الدفاع الأمريكية بزيادة حجم الأسطول إلى 355 سفينة مجرد حلم بعيد المدى لعدم توفر التمويل اللازم.
هذه الفجوة بين الالتزامات البحرية وقدرات الأسطول أدت إلى استنزاف القوات، كما يتضح من العدد المتزايد من حوادث البحر.
وقد أظهرت تقارير قيادة السلامة البحرية الأمريكية أن معدلات الحوادث الخطيرة ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس نقص أعداد الطاقم، والإرهاق، ونقص التدريب. كما أن اعتماد الولايات المتحدة على سلاسل توريد عالمية متشابكة يجعلها عرضة للتعطيل، ما يبرز الحاجة الماسة إلى حلول لوجستية جديدة مثل الأنظمة غير المأهولة لتأمين الإمدادات في بيئة النزاع.
فساد ثقافي وبيروقراطي ينهش من الداخل
إلى جانب التحديات التشغيلية، تواجه البحرية الأمريكية أزمة ثقافية عميقة. فقد كشف تقرير للكونغرس عام 2022 عن ثقافة “تقدّر الأعمال الإدارية على التدريب على القتال” وتخلق بيئة تخشى فيها القيادات من تحمل المخاطر.
هذا التركيز على البيروقراطية على حساب الكفاءة القتالية يثير تساؤلات حول قدرة البحرية على الانتصار في حرب حقيقية.
إنها ثقافة تروج لـ”المنظمين” الذين يتبعون القواعد، على حساب “صائدي الفئران” الذين يخرقون القواعد ويكسبون الحروب، وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا للكفاءة القتالية للأسطول.
كما أن نقص التمويل، الذي يعكس أولويات إدارية وسياسية مختلفة، يفاقم هذه المشاكل.
وعلى الرغم من الزيادات الكبيرة في ميزانية الدفاع مؤخرًا، إلا أن هذه الزيادات لا تزال غير كافية لتعويض الفجوة المتراكمة على مدى عقدين من الزمن بين الوسائل العسكرية والاستراتيجية المعلنة.