المصدر الأول لاخبار اليمن

الطفح الجلدي.. سلاح الاحتلال الجديد ضد أطفال غزة

غزة | وكالة الصحافة اليمنية

في غزة، حيث تتلاشى الحدود بين الحياة والموت، تتشابك خيوط الكارثة الإنسانية لتنسج فصلًا جديدًا من فصول العذاب، فالأمر لم يعد يقتصر على القصف الذي يمزق الأجساد، بل تجاوز ذلك إلى حربٍ صامتة لا تقل فتكًا عنها، حرباً تُشن عبر التجويع والمرض. ففي ظل الحصار المطبق الذي يحكم قبضته على كل شيء، باتت الأمراض الجلدية المستفحلة شبحًا جديدًا يهدد حياة آلاف النازحين، ليُضاف إلى قائمة المآسي التي يحملها قطاعٌ أُنهك من شدة القسوة. إنها قصص دامية تُروى على أجساد الأطفال المنهكة، حيث بات كل تقرح شاهدًا على وحشية لا تميز بين مقاوم ومدني، ولا ترحم براءة طفل أو ضعف امرأة.

 

من الجوع إلى المرض

أفرز الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال، وما رافقه من إغلاقٍ للمعابر وحرمانٍ من أساسيات الحياة، حالة من الكارثة الصحية التي تتجاوز قدرة الخيال. ففي خضم الدمار والقصف، تتفاقم الأوضاع المعيشية لتتحول المخيمات إلى بؤرٍ موبوءة. هناك، حيث تندر المياه النظيفة وتنتشر الأوساخ، ينفجر وباء الأمراض الجلدية ليُضاف إلى قائمة المآسي التي يعيشها النازحون.

تتجسد هذه الكارثة في صورة الطفلة أميرة سالم، ذات الأعوام الخمسة، التي تروي معاناتها بصمتٍ ودموع. جسدها الصغير، الذي يجب أن يكون ملعبًا للحياة، تحوّل إلى لوحةٍ من البثور والتقرحات المؤلمة. تتحدث والدتها بصوتٍ متقطعٍ عن عجزها أمام معاناة ابنتها، عن غياب الدواء الذي أصبح حلماً بعيد المنال. هذه القصة ليست فريدة، بل هي صورة مصغرة عن آلاف القصص المشابهة التي تملأ القطاع، حيث لم يعد الشباب يمسكون بالأمل، بل باتت أيديهم مشوهة بالصديد والالتهابات، والأمهات يراقبن أطفالهن وهم يذوبون من الحكة والألم.

 

فضح أكذوبة “غزة الإنسانية”

ادعاءات الاحتلال بوجود ما يسميه “مؤسسة غزة الإنسانية” تُفضحها المعابر المغلقة التي تمنع وصول الأدوية والمستلزمات الطبية. فبينما يعاني الأطفال من الحكة التي تنهش أجسادهم، وتتفاقم حالاتهم لتصل إلى فشلٍ في وظائف الجسم وتسممٍ في الدم، تبقى المعابر مغلقة، وتتحول الصيدليات إلى رفوفٍ خاوية. هذا المنع هو سياسة ممنهجة تُحكم قبضتها على حياة المدنيين، وتستهدف إضعافهم وكسر عزيمتهم.

شهادات الأطباء تؤكد أن انتشار التهابات الطفح الجلدي البكتيرية بات ظاهرة وبائية، حيث تصل مئات الحالات يومياً إلى المراكز الصحية المنهكة أصلاً. هذه المراكز، التي تعجز عن استيعاب العدد الهائل من المرضى، باتت ساحاتٍ للمعاناة، والمرضى يضطرون للنوم في الممرات أو الساحات، في غيابٍ تام لأبسط مقومات الرعاية.

الدكتور محمد زقوت، مدير عام مستشفيات وزارة الصحة في غزة، يرسم صورة أكثر تفصيلًا عن حجم الكارثة، موضحاً أن الإصابات أصبحت منتشرة بشكل كبير جدًا بين النازحين. من أصل 400 إلى 500 حالة يوميًا تصل إلى كل مركز، نحو 200 حالة منها تعاني من الطفح الجلدي والتهاباته، وهو رقم صادم يعكس حجم الكارثة، وهذه الأزمة تتفاقم بسبب الازدحام الشديد في المخيمات، وانعدام المياه النظيفة، والارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، وغياب أدوات النظافة، ثم يزداد الأمر سوءً بسبب سوء التغذية وضعف المناعة عند الأطفال والكبار، مما يقلل فرص الشفاء.

 

الأهداف الحقيقية للاحتلال

ما يحدث في غزة هو جزءٌ أصيل من استراتيجية الاحتلال التي تستهدف الحياة المدنية بشكل مباشر، فبينما يصرّ الاحتلال على أن أهدافه تقتصر على “نزع سلاح المقاومة”، نرى على أرض الواقع أن القصف العشوائي يستهدف المنازل الآمنة، وأن الحصار يقتل الأبرياء ببطء. إن التركيز على استهداف الأطفال والنساء والشيوخ ليس من قبيل الصدفة، وإنما استراتيجية واضحة تستهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإخضاعه. إن مشاهد الجثث والجرحى والأمراض التي تتفشى بين المدنيين، تُظهر بوضوح أن الاحتلال لا يقاتل “أشباحًا”، بل يشن حربًا وحشية على الحياة المدنية في غزة.

تحولت حياة الفلسطينيين في غزة إلى قصةٍ من الألم واليأس، حيث يتساقط الأبرياء صامتين، ويُهدد المرض حياة من تبقى منهم. وبينما يواصل العالم صمته، يطلق الأطباء في غزة نداءً أخيرًا، يطلبون فيه حقهم الأساسي في العلاج، ويحذرون من “مجزرة صامتة” تتشكل على مرأى ومسمع العالم.

الحياة في الخيام لا ترحم، والحرارة المرتفعة تزيد معاناة النازحين. فبينما تحاول الأم تبريد جسد ابنتها بقطعة قماش مبللة، تتضاعف البثور يوماً بعد آخر، لتتحول إلى تقرحات لا دواء لها. وفي الليل، لا يستطيع الأطفال النوم من شدة الحكة. تنهش الحرقة جلدهم حتى تسيل قروحهم دمًا، بينما أمهاتهم يحاولن أن يمنعنهم من الحكة عبثًا. إن غياب الأدوية هو ما يجعل الأطباء في مواجهة مستحيلة، حيث يضطرون أحيانًا إلى إعطاء مضادات حيوية عبر الفم أو حتى إدخال المرضى للمستشفى لإجراء عمليات فتح جراحية للبثور وتنظيفها.

ويؤكد الأطباء أن الالتهابات الجلدية خطر على المجوعين، وأنه تم رصد حالات دخلت العناية المركزة، وحتى حالات وفاة بسبب تسمم الدم وفشل وظائف الجسم، نتيجة تفاقم هذه الالتهابات لدى مرضى سوء التغذية وضعف المناعة. ويؤكدون أن المستشفيات نفسها لم تعد قادرة على الاستيعاب، والمرضى يضطرون للمبيت على فرش يحضرونها من خيامهم، بعضهم يتلقى العلاج في الممرات أو الساحات، بسبب امتلاء الأسرة.

هؤلاء الأطباء، الذين يواجهون هذه الكارثة يوميًا، يبعثون بنداء للعالم يقولون فيه: “نحن نواجه إبادة صحية. كل ما نطالب به هو حقّنا في العلاج، الحق البسيط الذي يكفله القانون الدولي والإنسانية. على العالم أن يتحرك فورًا قبل أن تتحول هذه الأزمة إلى مجزرة صامتة بحق شعبنا في غزة”.

 

قد يعجبك ايضا