المصدر الأول لاخبار اليمن

قيود تجارية أمريكية ضد أبو ظبي.. رسائل سياسية بعباءة اقتصادية

واشنطن | وكالة الصحافة اليمنية

 

في سياق التصعيد الأمريكي المستمر ضد أي دعم محتمل للآلة الحربية الروسية، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية فرض قيود تصديرية جديدة تستهدف 32 شركة من سبع دول، من بينها شركتان مقرهما في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويأتي هذا القرار في إطار توجه أمريكي متشدد نحو مراقبة وإغلاق الثغرات التي تمكّن روسيا من الوصول إلى التكنولوجيا والمعدات الغربية رغم العقوبات، لا سيما في ظل اتساع نطاق شبكات إعادة التصدير غير المباشرة، التي يرى صانعو القرار في واشنطن أنها باتت من أبرز أدوات التحايل على منظومة العقوبات.

وتشير الوثائق الأمريكية الرسمية إلى أن إحدى الشركتين الإماراتيتين المعنيتين، وهي شركة HAS General Trading LLC، قد تورطت في عمليات إعادة تصدير لمنتجات أمريكية إلى روسيا دون الحصول على التراخيص المطلوبة بموجب لوائح الرقابة على الصادرات (EAR).

هذا السلوك اعتبرته السلطات الأمريكية انتهاكًا مباشرًا للقوانين الفيدرالية وتهديدًا للأمن القومي، خاصة في ظل تزايد القلق من استخدام مكونات مدنية في تطبيقات عسكرية داخل روسيا.

ورغم أن العقوبات شملت كيانات من دول عدة، أبرزها الصين وتركيا والهند، فإن إدراج شركات إماراتية في هذه القائمة يعكس تغيرًا نوعيًا في نهج الولايات المتحدة تجاه الحلفاء التقليديين، حيث لم تعد علاقات الشراكة السياسية والاقتصادية كافية لحماية الكيانات التجارية من تبعات أي ارتباط غير مباشر بأنشطة تعتبرها واشنطن مساسًا بمصالحها الاستراتيجية.

ويرى مراقبين يتضح من القرار أن الإدارة الأمريكية تعتمد مقاربة صارمة عابرة للحدود، مفادها أن الشركات العاملة في أسواق حرة، حتى داخل دول حليفة، لن تُعفى من المساءلة إذا ثبت تورطها في دعم الصناعات الدفاعية الروسية أو تسهيل وصول موسكو إلى تقنيات خاضعة للرقابة.

ويأتي هذا التحرك أيضًا في ظل تنامي المخاوف من استخدام مراكز إعادة التصدير – مثل دبي – كقنوات خلفية لتوريد مكونات غربية إلى روسيا، بعيدًا عن أعين الرقابة الغربية الرسمية.

حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من السلطات الإماراتية بشأن القرار الأمريكي، لكن من المتوقع أن تدفع هذه الخطوة إلى مراجعة داخلية لبعض أنشطة الشركات التجارية الدولية، إلى جانب احتمال تعزيز التعاون الرقابي بين أبوظبي وواشنطن، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات نقل التكنولوجيا والسلع ذات الاستخدام المزدوج، المدني والعسكري.

تُظهر هذه الخطوة أن واشنطن بصدد إعادة رسم خطوطها الحمراء في التعامل مع روسيا، حتى داخل حدود الشركاء التقليديين، وهي تعكس تصميمًا أمريكيًا على إغلاق كافة الثغرات المحتملة في شبكة العقوبات، بغض النظر عن الجهة أو الدولة التي ينتمي إليها الكيان المتورط.

وفي هذا السياق، تجد الشركات الإماراتية – كما نظيراتها في الشرق الأوسط وآسيا – نفسها أمام واقع رقابي جديد، يتطلب شفافية أكبر والتزامًا صارمًا بالقوانين الدولية، خصوصًا في التعامل مع الأطراف الخاضعة للعقوبات أو التي تتعامل مع أنظمة خاضعة للقيود الغربية.

ويحمل هذا التطور أبعادًا سياسية واقتصادية حساسة، إذ تُعد الإمارات شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتلعب دورًا محوريًا في التجارة الإقليمية والدولية.

لكنها، في الوقت ذاته، أصبحت مركزًا عالميًا لإعادة التصدير، وهو ما يمنح الشركات العاملة فيها هامشًا واسعًا من الحركة التجارية، قد يُستغل – عن قصد أو دون قصد – لتيسير الالتفاف على العقوبات المفروضة على دول مثل روسيا أو إيران.

ولهذا، تبدو واشنطن عازمة على فرض نموذج رقابي أكثر صرامة حتى على شركائها المقربين، في محاولة لفرض ضوابط عالمية تحاصر حركة السلع والتقنيات الحساسة وتمنع تسربها إلى جهات غير مرخص لها.

إن إدراج شركات إماراتية في قائمة الكيانات الخاضعة للقيود يوجه رسالة صريحة بأن زمن التغاضي عن “الحياد التجاري” قد انتهى، وأن البيئة التجارية العالمية أصبحت تخضع لمعايير رقابية متغيرة تُمليها الاعتبارات الجيوسياسية بقدر ما تحكمها قواعد السوق.

في المحصلة، تمثل العقوبات الأمريكية ضد الشركات الإماراتية جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تجفيف قنوات الدعم التقني واللوجستي للاقتصاد الروسي.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد ركزت في السابق على استهداف الكيانات الروسية والإيرانية، فإن المرحلة الحالية تُظهر تحولًا لافتًا نحو الضغط على الأطراف الوسيطة التي تعمل كحلقة وصل في سلاسل التوريد العالمية، وهو تحول مرشح لتغيير قواعد التجارة الدولية، وإعادة تشكيل العلاقة بين الاقتصاد والسياسة الخارجية في مرحلة تتسارع فيها وتيرة استخدام العقوبات كأداة مركزية في إدارة النفوذ العالمي.

 

قد يعجبك ايضا