في الذكرى الحادية عشرة لثورة الـ 21 من سبتمبر ، وبعد عقد كامل من الحرب والحصار، برز اليمن لاعباً عسكرياً إقليمياً مثيراً للانتباه، بعدما كشف عن قدرات نوعية في المواجهة البحرية والصاروخية ، هذه القدرات ظهرت بوضوح خلال العمليات التي استهدفت سفنًا “إسرائيلية” وأمريكية وبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن، وصولًا إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، الأمر الذي جعل اليمن محط أنظار العالم بعد أن تمكن من تنفيذ ضربات مباشرة على عمق الكيان “الإسرائيلي” والانخراط في مواجهة مفتوحة مع “تل ابيب” ومعها واشنطن دعمًا لغزة وللشعب الفلسطيني .
التحول الاستراتيجي بعد ثورة 21 سبتمبر
بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر والتي أنهت عقوداً من الإرتهان والتبعية للخارج ، وجد اليمن نفسه أمام تحالف دولي وحرب عدوانية غاشمة تقودها الولايات المتحدة الامريكية للقضاء على هذه الثورة ، هذه الحرب انعكست مباشرة على بناء المؤسسة العسكرية التي وجدت نفسها أمام مسؤولية التصدي للعدوان الذي يمتلك أعتى الاسلحة المتطورة ، وخلال سنوات الحرب، دفعت الظروف قوات صنعاء إلى تطوير صناعاتها العسكرية، بدءًا من الصواريخ الباليستية وصولًا إلى الطائرات المسيّرة، ففي عام 2016 أُعلن عن صاروخ “بركان 1” محلي الصنع بمدى 900 كم، أعقبه “بركان 2″ و”بركان 3” بمديات أطول وصلت إلى 1400 كم، استُخدمت في ضرب العمق السعودي، كما ظهر صاروخ الكروز “قدس 1” ولاحقًا “قدس 2″، إلى جانب أجيال متعاقبة من صواريخ المدفعية “بدر” بأسمائها المتعددة مثل “نكال” و”قاصم” .
في موازاة ذلك، تطور سلاح الجو المسيَّر بسرعة لافتة، ففي 2017 كشف اليمن عن أولى طائراته المسيَّرة الهجومية “قاصف 1″، وبعدها سلسلة “صماد” التي مكنت القوات من تنفيذ ضربات نوعية ضد منشآت حيوية سعودية، بما فيها مرافق لشركة أرامكو ، وبحلول 2019 تضاعفت القوة الهجومية لهذا السلاح أربعة أضعاف مقارنة بالعام السابق .
من توسيع العمليات إلى الهدنة
أمام هذه القدرات، وجد تحالف الحرب نفسه مضطرًا إلى القبول بهدنة في 2022 ،غير أن برنامج التطوير العسكري استمر بوتيرة مرتفعة، ليشمل الصواريخ المجنحة والبحرية ومنظومات الدفاع الجوي ، وفي استعراضات عسكرية بصنعاء أواخر 2023، تم الكشف عن أسلحة جديدة بينها صاروخ “سجيل” البحري وصواريخ “بدر 4″، “قدس 4″، إضافة إلى طائرات مسيَّرة بعيدة المدى مثل “وعيد” التي يصل مداها إلى 2500 كم .
إعلان الحرب على “إسرائيل”
مع اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في غزة، أعلن اليمن رسميًا الحرب على “إسرائيل” أواخر أكتوبر 2023، إسناداً لغزة تبع ذلك تنفيذ سلسلة من الهجمات الصاروخية والجوية على أهداف “إسرائيلية” إلى جانب توسيع نطاق العمليات البحرية ضد السفن “الإسرائيلية” والأمريكية والبريطانية، والحظر التام للملاحة “الإسرائيلية ” في البحر الاحمر ، في ظل عجز تام من واشنطن ، و”تل أبيب” عن وقف عمليات اليمن رغم التحالفات الدولية ، والعدوان المتكرر على الأراضي اليمنية والمستمرة إلى اليوم .
وخلال هذه المواجهة المستمرة الى اليوم برز التطور الكبير في ترسانة صنعاء من خلال استخدامها للصواريخ الباليستية لقصف السفن المرتبطة بـ “إسرائيل” والقطع البحرية العسكرية الامريكية ، والتطوير الكبير لهذه الصواريخ وصولاً الى دخول اليمن نادي الدول المصنعة للصواريخ الفرط صوتية ومنها ” فلسطين 1 ، وفلسطين 2 ” والانشطارية متعددة الرؤوس التي تستخدمها صنعاء اليوم في استهداف عمق الاحتلال “الاسرائيلي” الى جانب أجيال متطورة من الطائرات المسيرة ومنها يافا وصماد 4 .
واليوم ومع هذا التطور اللافت يعترف العالم بأجمعه بأن اليمن تحول إلى قوة عسكرية ولاعب إقليمي كبير وحاضر في معادلات الردع الإقليمي وبقوة بدليل إجباره لواشنطن في مطلع مايو الماضي للقبول بوقف إطلاق النار وفق شروطه بعد إستئناف واشنطن لعدوانها على اليمن على خلفية عودة العمليات اليمنية العسكرية المساندة لغزة ، نتيجة إنقلاب الإحتلال الإسرائيلي على إتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإستئنافه لعدوانه على غزة في الـ 18 من مارس ،وقدرته في تثبيت معادلة الحصار البحري للكيان الإسرائيلي ، ومنع الملاحة “الاسرائيلية” نهائياً في البحر الاحمر ، والإستمرار في تنفيذ الهجمات العسكرية واستهداف عمق كيان الإحتلال بالصواريخ والطائرات المسيرة ،والتصدي للعدوان الإسرائيلي الحالي على اليمن.
والحقيقة فأن ما يشهده اليمن اليوم من تحول عسكري واستراتيجي ليس حدثًا طارئًا، بل هو ثمرة مسار بدأ مع ثورة 21 سبتمبر، واستند إلى إرادة سياسية وشعبية صلبة ورغبة في التحرر من الهيمنة الخارجية ،ومن الواضح أن هذه المسيرة مرشحة لمزيد من التوسع، بما يجعل اليمن رقمًا صعبًا في معادلة الأمن الإقليمي والدولي خلال المرحلة المقبلة .