تتوالى فصول المأساة الإنسانية في قطاع غزة، حيث تتكشف يومياً قصصٌ عميقة تحمل ثقل التشريد والنزوح القسري الذي يفرضه عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على أهالي القطاع. وفي مشهدٍ يتجاوز حدود السرد الإخباري إلى صميم الوجع الإنساني، يظهر أطفال غزة وهم يقطعون طريق النزوح الطويل من شمال القطاع نحو جنوبه، تاركين وراءهم المنازل والذكريات، حاملين معهم ألعابهم كشواهد بريئة على قسوة جرائم العدوان الصهيوني.
ففي ظل مسارات التطورات الميدانية التي أدت إلى تهجير مئات الآلاف، لم تعد حقائب السفر هي الأولوية، بل أصبحت اللعبة المكسورة أو الدمية البالية هي كل ما تبقى من عالم الطفولة المنهار. وكما تظهر الوقائع، فإن هذه الألعاب لم تعد وسيلة لمجرد تسلية، بقدر ما تحولت إلى ما يشبه “تذكرة وحيدة” يحملها الأطفال الهاربون من الموت، وكأنها تمثل صلة لن تكون الأخيرة بـ “أمان اختفى بين القصف والدمار”، وإنما بداية أمل نحو الانتصار القادم واستعادة الحق الأصيل لشعب يعصب على العدو كسر إرادته في التحرر وإن طال الزمن.
إن مشهد طفل يشد على دميته بدلاً من حقيبة ملابسه يختزل حجم الأزمة والمأساة، ويسلط الضوء على ما وراء الحدث العسكري؛ حيث يتم تدمير البنية التحتية لحياة كاملة. هذا التركيز على الألعاب يظهر أن الأطفال، في محاولتهم الفطرية للنجاة، يتمسكون بأكثر الأشياء حميمية ورمزية لديهم، في دلالة واضحة على أن العنف المسلط يطال روح الطفولة نفسها فضلاً عن المباني. وكما تؤكد تقارير المنظمات الإنسانية العاملة على الأرض، فإن النزوح لم يعد مسألة نقل أجساد، بل هو اقتلاع للوجود الآمن (مؤسسة إنقاذ الطفولة، تقرير النزوح 2024).
ويستمر هذا النزوح القسري في تكريس فصل جديد من فصول معاناة الأهالي، فيما تحرص الجهود على كشف الخيوط وتأكيد المسؤوليات عن استمرار حالة انعدام الأمان في منطقة تحولت إلى بؤرة لأزمة إنسانية غير مسبوقة يصنعها الكيان الإسرائيلي بجحافل جيشه الاجرامي الذي يرتكب أفظع جرائم حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير القسري بضوء أخضر أمريكي ودعم عالمي واقليمي لم ينقطع رغم كل ما وصلت إليه سلطات الاحتلال من عزلة دولية تفرضها صحوة الضمير العالمي عبر الحراك الجماهير المناهض للإبادة، الصحوة التي تجتاح عواصم الدول الأوروبية وامريكا، وحتى الداخل الإسرائيلي ذاته بات هو الآخر ينتفض رافضاً لجرائم حكومة المجرم نتنياهو وكتلته اليمينية المتطرفة بقيادة المجرمين سموتريتش وبن عفير.