حذّر مركز غزة لحقوق الإنسان من اتساع رقعة المجاعة وتدهور الأوضاع الإنسانية على نحو كارثي في محافظة غزة، التي تؤوي أكثر من 300 ألف نازح فلسطيني، عقب نفاد المواد الغذائية من الأسواق والمخزون المنزلي للأسر، في ظل الإغلاق الإسرائيلي الكامل لمعبر “زيكيم” ومنع حركة المدنيين والبضائع بين وسط القطاع ومدينة غزة.
وقال المركز، في بيان اليوم الأربعاء، إن فريقه الميداني تلقّى عشرات الشكاوى من المواطنين الذين أكدوا أنهم يواجهون صعوبات حادة في توفير مصادر للغذاء، مع استمرار الهجمات العسكرية “الإسرائيلية” وتصاعد سياسة التهجير القسري باتجاه وسط القطاع وجنوبه.
وأضاف البيان أن هذا الانهيار الإنساني الخطير يأتي بينما تتواصل المفاوضات في مدينة شرم الشيخ المصرية لبحث اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن ربط إدخال المساعدات الإنسانية بالشروط السياسية أو بنتائج المفاوضات يُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، إذ إن الغذاء والماء والدواء حقوق أساسية غير قابلة للمساومة أو التفاوض.
وأوضح المركز أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أغلقت منذ 12 سبتمبر 2025 معبر “زيكيم” المستخدم لإدخال المساعدات الغذائية إلى شمال القطاع، ما تسبب في توقف شبه تام للإمدادات الغذائية الموجهة إلى مئات آلاف السكان في مدينة غزة ومحيطها.
كما أشار إلى أن إغلاق شارع الرشيد الساحلي في الأول من أكتوبر أمام حركة الأفراد والبضائع القادمة من الجنوب، أدى إلى شلّ حركة الإمدادات التجارية والإنسانية بالكامل، وسط انقطاع واسع للاتصالات وقيود ميدانية تعيق الوصول إلى شمال القطاع.
ولفت البيان إلى أن هذه التطورات تأتي قبل أن تتعافى المدينة من آثار المجاعة المتفشية، حيث كانت الأمم المتحدة قد أعلنت رسميًا في 22 أغسطس الماضي عن تفشي مجاعة من صنع الإنسان في المحافظة، وفق تصنيف الأمن الغذائي العالمي، الذي أكد أن أكثر من نصف مليون شخص يعيشون ظروفًا كارثية تعادل المرحلة الخامسة – أعلى مستويات الجوع الحاد.
وبيّن المركز أن نسبة رفض سلطات الاحتلال لبعثات الأمم المتحدة الإنسانية تضاعفت ثلاث مرات خلال سبتمبر، إذ رفض الاحتلال الإسرائيلي 26% من أصل 478 بعثة، مقارنة بـ 8% في أغسطس، فيما بلغ معدل الرفض للبعثات المتجهة إلى شمال غزة 52% بعد إغلاق معبر “زيكيم”.
وأشار إلى أن منظمة أطباء بلا حدود علّقت أنشطتها في مدينة غزة في 26 سبتمبر بسبب تصاعد القصف، بينما نقلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر موظفيها من المدينة نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية، ما أدى إلى شلل شبه تام في جهود الاستجابة الإنسانية.
وأكد المركز أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد عرقلة قوافل المساعدات القادمة من الجنوب إلى الشمال، عبر إجبارها على الانتظار لساعات في طرق محفوفة بالمخاطر، ومنع بعضها رغم حصولها على موافقات مسبقة، في انتهاك واضح لالتزامات الاحتلال الإسرائيلي بموجب القانون الدولي الإنساني باعتبارها قوة احتلال.
واعتبر المركز أن استمرار المجاعة في غزة رغم الإدراك الدولي لحجم الكارثة يمثل فشلًا أخلاقيًا وقانونيًا فادحًا للمجتمع الدولي، ويعكس نهجًا متعمّدًا في استخدام الجوع كسلاح حرب لإخضاع السكان المدنيين ضمن ما وصفه بجريمة الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين.
وطالب مركز غزة لحقوق الإنسان بفتح جميع المعابر فورًا والسماح بدخول المساعدات دون قيود أو شروط إلى مختلف مناطق القطاع، بما فيها محافظة غزة، وإزالة العراقيل البيروقراطية والعسكرية أمام القوافل الإنسانية.
كما دعا إلى إخراج العمل الإنساني من دائرة التسييس، وإنشاء آلية مراقبة دولية عاجلة لضمان تدفق الغذاء والدواء والمياه إلى المناطق المحاصرة.
واختتم المركز بيانه بالتأكيد أن “السكوت على المجاعة المعلنة في غزة هو تواطؤ بالصمت”، مشددًا على أن إنقاذ مئات آلاف الأرواح يتطلب تحركًا عاجلًا وشجاعًا قبل أن تبلغ الكارثة مستويات لا يمكن احتواؤها.