“نوبل للسلام”: امرأة تقطع الطريق على ترامب.. والغاضب يهاجم أوسلو: “الجائزة تُمنح لمرتكبي المجازر”
أوسلو | وكالة الصحافة اليمنية
في أول رد فعل مباشر وحاد على فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى توجيه انتقادات لاذعة للجنة المانحة، مؤكداً أنه “لم يحصل على الجائزة لأنها تُمنح لمرتكبي المجازر”.
ويأتي هذا التصريح المباشر ليعكس استياء ترامب الواضح بعد تجاهل اللجنة لادعاءاته المتكررة حول أحقيته بالجائزة لإنجازاته في إنهاء الصراعات، والتي تضمنت إعلانه في فبراير الماضي أنه يستحق الجائزة فعلاً، مشدداً على أن هدفه “إنقاذ الأرواح لا نيل الجوائز”.
ويُظهر هذا الرد تحولاً في أسلوب تعامل ترامب مع الجائزة، حيث انتقل من الترويج الحثيث لأحقيته إلى التشكيك في مصداقية ومعايير لجنة نوبل نفسها. كما يُسلّط هذا الهجوم الضوء على المخاوف التي سبقت إعلان الجائزة، والتي كشفت عنها تقارير، مثل ما ذكرته صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، عن دراسته فرض رسوم جمركية إضافية على النرويج في حال حُجبت عنه الجائزة، مما يعزز فكرة ميله إلى “معاقبة” من لا يلبي رغباته.
وقالت صحيفة “إل باييس” الإسبانية إن ربط ترامب خسارته للجائزة بـ “مرتكبي المجازر” يمثل محاولة لإعادة صياغة السرد، وتبرير الفشل في نيل ما وصفه بـ “حلمه الأهم”، في وقت كانت فيه الأنظار تتجه نحو أوسلو لإعلان الفائز من بين 338 مرشحاً، كان ترامب ضمن قائمتهم لعام 2025.
الفنزويلية ماتشادو تفوز بالجائز
وكانت لجنة نوبل النرويجية قد أعلنت، صباح اليوم الجمعة، عن فوز زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لعام 2025. ويأتي هذا التكريم تقديراً لـ “جهودها في تعزيز الحقوق الديمقراطية في بلادها ونضالها من أجل التحول الديمقراطي”، وفق ما ورد في بيان اللجنة.
كما شددت اللجنة على أن “يجب تكريم المدافعين الشجعان عن الحرية الذين ينهضون ويقاومون” في سياق تعليلها للاختيار.
ويُعد هذا الإعلان بمثابة طي لصفحة الجدل الذي تصدر المشهد الإعلامي قبيل الإعلان عن الفائز، والذي تمحور حول تكرار ادعاءات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأحقيته في الجائزة المرموقة.
سياق الإعلان وتجاهل الطموح الأمريكي
جاء قرار اللجنة متخذاً بصفة نهائية قبل يوم الأربعاء، الذي شهد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل للأسرى والمعتقلين ضمن المرحلة الأولى من مبادرة ترامب التي تهدف لإنهاء الحرب في القطاع الفلسطيني.
وعلى الرغم من محاولات ترامب الحثيثة لربط اسمه بهذه الجائزة، وتأكيده على إنجازات يراها تاريخية في إنهاء الصراعات، إلا أن فوزه بها كان مستبعداً بنظر خبراء متخصصين في شؤون الجائزة، وقد أشار هؤلاء إلى أن سياسات ترامب يُنظر إليها على أنها تسعى لـ تفكيك النظام العالمي الذي تحرص لجنة نوبل على تقديره، وهو ما وضع طموحه في مواجهة مباشرة مع المعايير والقيم التي تحكم منح الجائزة.
ويُسلط اختيار ماتشادو الضوء على التحديات التي تواجهها القوى الديمقراطية في فنزويلا، وتعيش المهندسة الصناعية (58 عاماً)، متوارية عن الأنظار بعد أن منعتها المحاكم الفنزويلية من الترشح للرئاسة عام 2024 لمنافسة الرئيس نيكولاس مادورو، الذي يتولى السلطة منذ عام 2013.
طموح ترامب بلا أفق
لقد وضع الرئيس الأمريكي، الذي يُنظر إلى طموحه لنيل نوبل كـ “حلمه الأهم”، نفسه في مقارنة مباشرة مع الحاصلين عليها، مشيراً إلى أنه الوحيد في التاريخ الذي تمكن من إنهاء ما وصفه بـ ثماني حروب، حسب تصريحاته في البيت الأبيض.
ويرتكز دفاع ترامب عن استحقاقه للجائزة على إعلانه المتكرر لإنهاء ثماني حروب خلال فترة وجيزة، إذ قال للصحفيين: “لم يستطع أحد في التاريخ وقف ثماني حروب خلال تسعة أشهر، بينما أوقفت أنا ثماني حروب”، مؤكداً أن دافعه هو “إنقاذ الكثير من الأرواح، وليس الجائزة”.
حسب صحيفة “Chugan Chosun” الكورية الجنوبية، وعلى الرغم من أن هذه “الحروب” مثلت ايقافات جزئية أو تجميداً لصراعات، لا ترتقي إلى مستوى إنهاء الصراع بشكل كافٍ وفقاً للمعايير السياسية التقليدية، فقد حظي ترامب بتأييد دولي شمل ترشيحاً رسمياً من نائب رئيس لجنة الاستخبارات في البرلمان الكوري الجنوبي، باك سونغ وون كما أعلن رئيس تيمور الشرقية جوزيه راموس-أورطا ورئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو عن استعدادهما لدعمه، بشرط تحقيق تسوية سلمية للأزمة الأوكرانية والنزاع في قطاع غزة. وشمل التأييد أيضاً اقتراحاً بترشيحه من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ودعم وزير الخارجية الرواندي أوليفييه ندوهونغيريهي.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب قد أدار جدلاً حول فرص استحقاقه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، وفي ظل سعي محموم منه لربط اسمه بهذه الجائزة المرموقة، أكد مراراً على إنجازات يراها تاريخية في إنهاء الصراعات. وقد وضع ترامب، الذي يُنظر إلى طموحه لنيل نوبل كـ “حلمه الأهم”، نفسه في مقارنة مباشرة مع الحاصلين عليها (إشارة إلى الرئيس الأمريكي السابق، أوباما”
وفي المقابل، أظهرت المعطيات الأمريكية انقساماً كبيراً حول أحقية ترامب بالجائزة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” بالتعاون مع شركة “أبسوس” أن 76% من الأمريكيين يرون أن ترامب لا يستحق الفوز بالجائزة، مقابل 22% فقط يعتقدون أنه يستحقها. ويُظهر هذا الاستطلاع أن الانقسام يمتد حتى بين مؤيدي الحزب الجمهوري. وكانت الصحيفة، حينها، ونقلاً عن مصادر مطلعة، قد أشارت إلى أن عادة ترامب في الإشارة المتكررة إلى الجائزة قد تؤثر سلباً على فرصه في نيلها.
وعلى الرغم من ذلك، واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغطه، غير المباشر، على اللجنة المانحة لجائزة نوبل السلام من أجل أن تمنحها له، واعتبر أن عدم حصوله عليها يمثل “إهانة كبيرة للولايات المتحدة”، خصوصا بعد إعلانه على خطة إنها الحرب في قطاع غزة.
ترامب قد تساءل في خطاب ألقاه أمام كبار القادة العسكريين الأميركيين: “هل ستحصلون على جائزة نوبل؟ قطعا لا. سيمنحونها لشخص لم يفعل شياً على الإطلاق”. بل واعتبر الرئيس الأميركي أن ذلك يمثل إهانة كبرى للولايات المتحدة، والمثير أن ترامب أكد رغبته في منح الجائزة للبلاد لا لنفسه، مشددا على أن ما حدث لم يحدث سابقا.
فقد قال ترامب: “سيكون ذلك (عدم الفوز بجائزة نوبل للسلام) إهانة كبيرة لبلدنا. لا أريدها، أريد أن تنالها البلاد”، مضيفا: “يجب أن تنالها، لأن شيئا كهذا لم يحدث من قبل”.
الجدير بالذكر أن استياء ترامب من منح الرئيس الأسبق باراك أوباما جائزة نوبل عام 2009 ظل حاضرا في تصريحاته، خاصة وأن أوباما حصل عليها بعد أشهر قليلة من توليه الرئاسة.
ورغم الضغوط غير المباشرة التي مارسها ترامب بخصول أحقيته في الفوز بجائزة نوبل للسلام، فقد أكدت اللجنة النرويجية لجائزة نوبل أن “حملات ترامب الإعلامية لن تؤثر في قرارها”.
في المقابل، كان أمين السر في لجنة جائزة نوبل كريستيان بيرغ هارفيكن قد أشار في تصريح لفرانس برس: “بالطبع نلاحظ أن هناك اهتماماً إعلامياً كبيراً مسلّطاً على مرشحين معيّنين”. مؤكداً: “لكن هذا الأمر ليس له أي تأثير على المناقشات الجارية في اللجنة”.
وفي تعليق لها على وجوده ضمن قائمة المرشحين لعام 2025 التي شملت 338 ترشيحاً، علقت مديرة معهد أوسلو لأبحاث السلام بضعف احتمالات فوزه، مستندة إلى نهجه “التجاري” في مفاوضات السلام وانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات عالمية وحربها التجارية. ومع وجود منافسين بارزين من أمثال وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الصحة العالمية، بقيت الأنظار متجهة نحو أوسلو للإعلان عن الفائز بجائزة نوبل للسلام حتى أعلنتها اليوم بفوز الفنزويلية ماريا.
وعن المخاوف الدولية بشأن ردود فعل الرئيس ترامب في حال عدم فوزه، أشارت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، في حينه، إلى أن الرئيس الأمريكي قد يتجه إلى فرض رسوم جمركية إضافية على النرويج في حال حجب الجائزة عنه من قبل اللجنة في أوسلو، وذلك كجزء من أسلوبه المعروف في “معاقبة من يثيرون استياءه أو يخيبون آماله”، ناقلة عن سلطات النرويج قلقها من رد فعل واشنطن في حال خسارته.
موعد الجائزة
ومن المقرر تسليم جائزة نوبل للسلام، التي تبلغ قيمتها 11 مليون كرونة سويدية (ما يعادل حوالي 1.2 مليون دولار)، اليوم الجمعة، في مدينة أوسلو بتاريخ العاشر من ديسمبر، والذي يوافق ذكرى وفاة رجل الصناعة السويدي ألفريد نوبل، مؤسس الجوائز بموجب وصيته عام 1895.