المصدر الأول لاخبار اليمن

عداء مزدوج: السعودية والإمارات.. تحالف ضد اليمن أم مشروع لتصفيته؟

تقرير/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية

لم يكن التوافق الذي جمع السعودية والإمارات في لحظة إعلان السفارة السعودية في واشنطن بدء عملية عسكرية على اليمن تحت عنوان “عاصفة الحزم” سوى حالة استثنائية في تاريخ العلاقة بين البلدين.

فخلف واجهة “التحالف” ظلّت العلاقة بين الرياض وأبوظبي، محكومةً دوماً بمزيج من التنافس والغيرة والمصالح المتضاربة، فضلاً عن مشكلات حدودية قديمة وأطماع اقتصادية وجيوسياسية ممتدة حتى البحر العربي وباب المندب.

ورغم ما يبدو على السطح من خلافات سياسية بين الرياض وأبوظبي، إلا أن جوهر العلاقة بينهما تجاه اليمن يكشف عن عداء مشترك يتجاوز الحسابات الظرفية.

فمنذ بدء العدوان على اليمن في مارس 2015 قدّمت الدولتان نفسيهما كقائدتين لتحالف عسكري مدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الإسرائيلي تحت عنوان “عاصفة الحزم” هدفه الظاهر “إعادة الشرعية” غير أن السنوات اللاحقة أثبتت أن الهدف الخفي الحقيقي كان تفكيك اليمن وإضعافه وتحييده عن معادلة القوة الإقليمية.

 

تحالف العداء.. من الشعارات إلى الوقائع

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كشفت في 18‏ أكتوبر2023 أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصف الإمارات بأنها “طعنت المملكة في الظهر”، مهدداً بإجراءات عقابية ضدها.

لكن خلف هذا التوتر الظاهر، تتقاطع مصالح البلدين في ملف واحد: منع بروز اليمن كقوة مستقلة تمتلك قرارها وسيادتها على حدود بحرية وجغرافيا استراتيجية تمتد من باب المندب إلى المهرة.

يقول العميد محمد الشريف، مستشار وزارة الدفاع في صنعاء، لوكالة الصحافة اليمنية: السعودية والإمارات تختلفان على الغنائم، لكنهما تتفقان في العداء لليمن. الرياض تسعى لإبقاء اليمن تابعاً اقتصادياً وسياسياً، وأبوظبي تعمل على تمزيق ساحله وجغرافيته والسيطرة على جرزه الاستراتيجية وفي مقدمتها أرخبيل سقطري وجزيرة ميون لتأمين مصالحها التجارية والعسكرية”.

ويضيف: “كلا الطرفين يتحركان ضمن مظلة أمريكية إسرائيلية واضحة، هدفها ضمان السيطرة على البحر الأحمر والممرات الدولية، ومنع أي دور يمني يمكن أن يغيّر موازين القوة في المنطقة”.

 

عداء ممنهج ضد اليمن لا صراع نفوذ فيه

على مدى السنوات الماضية، لم تُترجم “عاصفة الحزم” إلى نصرٍ سياسي أو عسكري، بل إلى عداء متجذر ضد اليمن دولةً وشعباً.

كلا الطرفين عمل على تمزيق الجغرافيا اليمنية تحت عناوين مختلفة:

السعودية تفرض وصايتها على القرار السياسي وتتحكم في الموارد والنفط والمساعدات.

والإمارات تسيطر على الموانئ والجزر وتدير فصائل مسلحة خارج إطار الحكومة التابعة للتحالف.

يقول العميد محمد الشريف: “السعودية والإمارات ليستا في حربٍ على اليمن فحسب، بل في حرب على وجوده المستقل. ما تفعله الدولتان اليوم هو تنفيذ مباشر لمشروع أمريكي إسرائيلي يهدف إلى إضعاف اليمن وضمان السيطرة على البحر الأحمر والممرات البحرية”.

ويضيف الشريف: “التحالف العسكري تحوّل إلى تحالف عداء، فبينما تتظاهر الرياض بالوساطة، تموّل أبوظبي عمليات تقويض داخلية، وكلاهما يتحرك بإشارة من واشنطن وتل أبيب”.

 

الاقتصاد والحصار.. أذرع العداء الصامتة

اقتصادياً، يمارس البلدان سياسة خنق ممنهجة لإبقاء اليمن في حالة عجز دائم.

السعودية تُحكم قبضتها على موارد النفط والغاز في المحافظات الشرقية وتتحكم في تصديره للخارج، وتفرض قيوداً على الاستيراد وتتحكم في المساعدات المالية وتدفق الواردات، بينما تعمل الإمارات على تحويل الموانئ والجزر اليمنية الحيوية إلى “مناطق نفوذ” تابعة لها، من المهرة وحضرموت وسقطرى إلى أبين وعدن ولحج والمخا.

يقول المحلل الاقتصادي اليمني رشيد الحداد في حديث لوكالة الصحافة اليمنية: “الإمارات تتعامل مع اليمن كمزرعة موانئ، والسعودية تتعامل معه كحديقة خلفية. لا أحد منهما يريد لليمن أن يكون بلداً مستقلاً أو قادراً على بناء اقتصاد ذاتي. حتى اتفاقيات إعادة الإعمار صُممت لتبقي البلاد رهينة التمويل الخليجي”.

ويضيف الحداد: “لا يمكن فهم الحصار المفروض على اليمن إلا باعتباره جزءاً من استراتيجية التجويع والسيطرة. الإمارات والسعودية تتقاسمان الأدوار: الأولى تخنق التجارة البحرية، والثانية تمنع التنمية الداخلية. الهدف واحد إضعاف الدولة وتحويلها إلى كيان تابع”.

 

العداء الأمني والعسكري

على الصعيد العسكري، لم يتوقف العدوان السعودي الإماراتي رغم ما يُسمّى “الهدنة الإنسانية”.

القصف السعودي لم يتوقف في المناطق الحدودية في محافظة صعدة، والموانئ والجزر اليمنية ما تزال تحت السيطرة الإماراتية، فيما تستمر عمليات التجنيد والتسليح داخل الأراضي اليمنية الواقعة تحت سيطرة قوات التحالف بعيداً عن أي تفويض رسمي.

ويشير العميد محمد الشريف إلى أن ما يجري اليوم هو عدوان متعدد الأذرع: “السعودية تفرض الحصار وتمنع دخول المشتقات النفطية، بينما تنفذ الإمارات أجندة عسكرية في السواحل. العداء تجاه اليمن ليس عرضياً، بل جزء من هندسة إقليمية تستهدف تحجيم الدور اليمني المستقل، خصوصاً بعد أن بات فاعلاً في دعم المقاومة الفلسطينية”.

ويضيف الشريف: “التحالف العسكري تحوّل إلى تحالف عداء، فبينما تتظاهر الرياض بالوساطة، تموّل أبوظبي عمليات تقويض داخلية، وكلاهما يتحرك بإشارة من واشنطن وتل أبيب”.

 

التطبيع.. الوجه السياسي للعداء

يرى محللون أن التطبيع الإماراتي والتطبيع السعودي الخفي مع الكيان الإسرائيلي يشكّل البعد الأخطر في هذا العداء، حيث يتم التعامل مع اليمن من وجهة نظر “إسرائيلية” ترى في اليمن على مساعي السيطرة الصهيونية على البحر الأحمر.

فالتقارير العبرية الأخيرة تؤكد أن “التنسيق الأمني بين السعودية والكيان الإسرائيلي لم يتوقف رغم حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأن الرياض ساهمت في اعتراض طائرات إيرانية كانت في طريقها إلى الأراضي المحتلة”.

كما كشفت التقارير العبرية، وجود تنسيق أمني غير معلن بين الرياض وحكومة الاحتلال الإسرائيلي لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية، إضافة إلى تزايد التعاون في مجالات المراقبة البحرية والتجسس الإلكتروني على اليمن.

يقول رشيد الحداد: “التحالف الخليجي الإسرائيلي ضد اليمن لم يعد سراً. السعودية تبرر عداءها بحماية الملاحة، والإمارات تتذرع بمحاربة الإرهاب، لكن الهدف الحقيقي هو ضرب اليمن كجزء من محور المقاومة وإضعاف قدراته الدفاعية”.

ويضيف: “حتى مشاريع الممرات الاقتصادية الجديدة بين الهند والخليج وأوروبا صُممت لتجاوز اليمن وإبعاده عن خريطة التجارة الدولية، في إطار معاقبته على موقفه الداعم لفلسطين”.

 

من تحالف الضرورة إلى مشروع تصفية

لقد أثبتت سنوات العدوان والحصار العشر على اليمن أن التحالف الذي بدأ بشعار “إعادة الشرعية” كان في جوهره مشروع تصفية لليمن المستقل.

وحتى الخلافات بين الرياض وأبوظبي لم تغيّر شيئاً في هذا المسار، لأن كليهما يتحرك ضمن مظلة واحدة تقودها واشنطن وتخدم الكيان الإسرائيلي.

يقول العميد محمد الشريف: “السعودية والإمارات تنفذان أدواراً مختلفة في مسرح واحد. هذه ليست حرب مصالح عابرة، بل عداء استراتيجي ضد اليمن الحر، وضد أي مشروع عربي مستقل يخرج من تحت العباءة الأمريكية”.

 

عداء ممنهج لا خلاف عابر

رغم الخلافات التكتيكية بين “المحمدين”، إلا أن الوقائع تؤكد أن البلدين يسيران في مسار متوازٍ من العداء تجاه اليمن، يستند إلى منطق “الإخضاع والسيطرة لا الشراكة”.

وتبقى النتيجة واحدة: إفقار اليمن، تفكيك جغرافيته، ومصادرة إرادته السياسية.

في ختام حديثه، يقول العميد محمد الشريف: “العداء السعودي الإماراتي لليمن ليس وليد اليوم، بل هو مشروع طويل الأمد يرمي إلى محو استقلال اليمن وإخضاعه للوصاية الخليجية. لكن ما لم تفهمه الرياض وأبوظبي هو أن اليمن، الذي واجه الحصار والعدوان، صار اليوم أكثر وعياً بضرورة التحرر من هذا الطوق”.

 

بينما تؤكد الوقائع في المجمل أنه لا يمكن فصل العداء السعودي الإماراتي لليمن عن المشروع الأمريكي الإسرائيلي لإعادة هندسة الشرق الأوسط، وفق معادلة “الهيمنة مقابل البقاء”.

فالرياض وأبوظبي لا تتحركان من منطلق صراع مصالح فحسب، بل تعملان كأدوات وظيفية ضمن استراتيجية أوسع تخدم بقاء الكيان الإسرائيلي وهيمنة الغرب من خلال كسر إرادة الشعوب الحرة وإجهاض أي مشروع استقلالي عربي، وعلى رأسه اليمن.

بهذا المعنى، فإن عداءهما لليمن هو جزء من معركة أكبر لإجهاض الاستقلال العربي، وتحييد أي قوة ترفض التطبيع أو الانصياع.

فمن الحرب والحصار، إلى السيطرة على الجزر والموانئ، وصولاً إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، تتكامل الخطوات ضمن خطة واحدة: تجريد اليمن من قدرته على التأثير، وقطع صلته بمحور المقاومة، وتطويعه ليكون بوابة خلفية للأمن الإسرائيلي في البحر الأحمر.

بهذا يمكننا القول: إن العداء السعودي الإماراتي لليمن لم يعد خياراً سياسياً، بل أصبح التزاماً استراتيجياً مفروضاً على السعودية والإمارات، مقابل الحماية الأمريكية وصفقات السلاح والمصالح الاقتصادية.

ومهما تباينت لهجات الخطاب بين “المحمدين”، فإنهما يلتقيان عند نقطة واحدة: عداء مشترك لليمن المستقل، وخوف متجذّر من نهضته السياسية والعسكرية.

لكن المفارقة أن هذا العداء ذاته أعاد لليمنيين وعيهم بوحدة مصيرهم، وأيقظ فيهم روح المقاومة والسيادة، وحفّز فيهم روح الصمود، لتتحول الحرب إلى مدرسة وعي وكرامة تتجاوز حدود اليمن نحو المنطقة كلها.

فمن كان يُراد له أن يكون تابعاً، أصبح اليوم رقماً صعباً في معادلة التحرر الإقليمي ومناصرة قضايا الأمة، ومركز توازن في وجه محور التطبيع والتبعية.

 

قد يعجبك ايضا