المصدر الأول لاخبار اليمن

الجزر اليمنية.. كلمة السر في المؤامرة الدولية على البحر الأحمر !

تحليل | وكالة الصحافة اليمنية

خاص | لم يعد خافيا على أحد أن تطبيع العلاقات بين الإمارات والكيان الصهيوني في 2020، شرعن الوجود الإسرائيلي في الجزر اليمنية الاستراتيجية التي سيطرت عليها قوات التحالف بقيادة السعودية خلال الحرب على اليمن في 26 مارس 2015م، تحت غطاء إماراتي، رغم أن تلك الجزر بعيدة عن جبهات المواجهة مع قوات صنعاء.

اتخذت الحرب على اليمن ابعادا أمنية وعسكرية خطيرة أعمق من الذرائع والأهداف المعلنة، من قبل التحالف، لا سيما في جزيرة ميون الواقعة في مضيق باب المندب، بإنشاء الإمارات قاعدة عسكرية ومهبط للطائرات فيها نهاية 2016، واستحداث مراكز مراقبة مرتبطة بالغواصات البحرية بتقنيات تجسسية نهاية العام 2020، في منطقتي “رأس قطينان” و”جمجموه” في مومي بأرخبيل سقطرى، باتجاه بحر العرب وخليج عدن وصولا إلى مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

من عبد الكوري إلى زقر

واتسع الوجود الإسرائيلي الإماراتي في جزيرة عبدالكوري بأرخبيل سقطرى عقب تنفيذ خطة تهجير إماراتية ضد أهالي الجزيرة، والتوجه لإنشاء مدرج للطائرات خلال ديسمبر 2021م، لما تشكله الجزيرة من نقطة التقاء استراتيجية تشرف على طرق الملاحة الدولية التي تربط بين أوروبا وآسيا، والانتهاء من وضع العلامات الأرضية للمدرج مطلع العام الجاري 2025م، واتجاه الإمارات خلال مارس الماضي، إلى استحداث مدرج للطائرات ومنشآت عسكرية للمعدات والجنود في جزيرة جبل زقر، التي تبعد عن الساحل اليمني حوالي 32 كم، و150 كم عن باب المندب، في معادلة عدائية متكاملة ضد قوات صنعاء، عقب مشاركة قواتها في معركة الإسناد لأبناء غزة بحظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر لمدة عامين وإغراق سفن مرتبطة بالكيان، متجاوزة قرار حظر الملاحة.

 

الورقة الأخيرة في المؤامرة 

وأمام التحركات البحرية الإماراتية الإسرائيلية الأمريكية، دفعت بريطانيا بالسعودية مؤخرا من خلال تنظيم مؤتمر الأمن البحري، نحو إثبات وجودها في البحر الأحمر، كورقة أخيرة مع الإمارات لتأمين الملاحة الإسرائيلية تحت مبرر “حماية الملاحة الدولية”، كما كانت تدعيه واشنطن، التي فشلت بوارجها وحاملات طائراتها بحماية السفن الصهيونية في البحر الأحمر، إلا أن المختلف في الوقت الراهن يبرز التهديد الأجنبي المباشر لأمن الدول المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها اليمن، مصر، جيبوتي، السودان، وكذلك السعودية التي تتجه بكل غباء لإغراق ما تبقى من المملكة في قاع البحر.

وخلال نوفمبر الجاري، ظهرت تصريحات استثنائية ذات دلالة وأبعاد استراتيجية، دَق من خلالها الرئيس الإرتيري، “إسياس أفورقي”، ناقوس الخطر الحقيقي للتحركات العسكرية الإماراتية الإسرائيلية المثيرة للقلق في منطقة البحر الأحمر، التي وصفها أفورقي بـ”المؤامرة” لتغيير الخريطة الجيواستراتيجية للمنطقة، موضحاً أن : “ما يثير القلق اليوم هو محاولة قوى خارجية ترسيخ مواقع هيمنة في هذه المنطقة تحديدا، هناك جهود لإنشاء قواعد في سقطرى وهي جزء من اليمن، وبالمثل، محاولات لبناء قواعد في جزيرتي ميون وزقر اليمنيتين في مضيق باب المندب”.

وأضاف “أفورقي”، في تصريحاته التحذيرية خلال مقابلة تلفزيونية له بثتها القناة الإرتيرية “Eri-TV”، لكافة الدول المطلة على البحر الأحمر – قائلا: “بالنظر إلى هذه الجغرافيا من سقطرى إلى ميون، ومحاولات بلقنة الصومال وتجزئته، يتضح أن الهدف النهائي هو تهيئة مناخ ملائم لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في تلك المنطقة لتحقيق أهداف سياسية معينة، ينبع أساسا من طموح القوى العالمية لترسيخ وجود عسكري”، وتابع محذرا بقوله: “تشكل هذه المؤامرات خطرا مستمرا على البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي”، مما يتطلب جهودا إقليمية ومحلية منسقة لدرء التهديدات المحدقة”.

 

أمن واستقرار المنطقة

تحذيرات الرئيس الإرتيري، الذي يعتبر لاعبا رئيسيا ومحوريا في أمن البحر الأحمر، باعتبار دولته إحدى الدول المطلة على البحر، لم تكن مجرد كلمات، بل تبدو إقرارا عن ما يحدث داخل دائرة الصراع، بأن خطر دول الغرب ومعها “إسرائيل”، لم يعد يهدد اليمن فحسب، بل هو موجه نحو أمن واستقرار الدول المطلة على البحر الأحمر، الذي يشكل الممر المائي في باب المندب بؤرة صراع ذات أبعاد دولية تهدف لتأمين المصالح البحرية الإسرائيلية، لا سيما بعد تكرار القوات اليمنية خلال نوفمبر 2023، ما قامت به القوات المصرية من حصار بحري على إسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973م، حتى تكون جزيرة ميون الاستراتيجية من وجهة نظر الكيان الصهيوني تحت إدارته المباشرة، أو لقوات صديقة له، وفق تحذيرات قديمة ومتجددة أطلقها وزير خارجية الكيان الصهيوني “أبا إيبان” خلال يونيو 1966، الذي قال: ”إذا سقطت ميون في أيدي غير صديقة لإسرائيل فقد ينجم موقف خطير“، وذلك لارتباطها بخط الملاحة إلى ميناء أم الرشراش المحتل “إيلات”، تمكن الاحتلال إبعاد الدولة اليمنية منذ العام 1967م عن موقعها الجغرافي في مضيق باب المندب والجزر اليمنية، وعندما حاول الرئيس إبراهيم الحمدي، تعزيز الحامية العسكرية في ميون وعقد مؤتمر الدول المطلة على البحر الأحمر تم اغتياله.

 

اليمن في قلب المعادلة 

حقيقة، لم يقدم الرئيس “أفورقي” خطابا بروتوكوليا عن أمن واستقرار اليمن التي وضعها في قلب معادلة البحر الأحمر، لأن عدم الاستقرار في اليمن ومنطقة البحر الأحمر، مرتبط برغبة قوى عالمية تقف خلفها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وباستخدام أدواتها بالمنطقة، لترسيخ الوجود العسكري انطلاقا من الجزر اليمنية التي كانت هي كلمة السر لما يحاك من مؤامرات تستهدف اليمن أرضا وإنسانا، خصوصا وأن تصريحات “أفورقي” تتماشى مع سياسة أرتيريا الرافضة لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، بخلاف جيبوتي التي تنتشر فيها قرابة 11 قاعدة عسكرية أجنبية، ومن مخاوف حقيقية جراء طموحات أديس أبابا الحبيسة، في حصولها مؤخرا على منفذ بحري عبر ميناء بربرة الصومالي.

وبالربط بين السيناريو الإماراتي لتجزئة الصومال، واستحواذها على إقليم “صوماليلاند” الذي حولته إلى قاعدة عسكرية مشتركة مع “إسرائيل” مقابل الوعود بالانفصال وتحقيق ما يسمى “الاستقلال” عن الدولة الصومالية، تحاول أبوظبي استنساخ ذلك على الجنوب اليمني، وإيصال شريكتها “إسرائيل” إلى قلب الجزر اليمنية التي تنظر لها خلال الوقت الراهن، كمناطق نفوذ ومحور ارتكاز في معركتها القادمة مع القوات اليمنية في صنعاء بعد تنفيذ الأخيرة المئات من العمليات البحرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث أصبحت الجزر في ميون وزقر وسقطرى وعبدالكوري، جزرا محتلة، منذ إعلان الحرب على اليمن من قبل دول التحالف، التي اوجدت حكومات صورية تحت مسمى “الشرعية”، دون الاعتراض منها على انتهاكات التحالف الخطيرة في جزر اليمن.

معادلة الردع اليمنية 

إن تزايد القلق والمخاطر الأجنبية من رؤساء وحكومات الدول المطلة على البحر الأحمر، وتحذيراتها من عسكرة المنطقة، هو إدراك متأخر جدا، جاءت بعد التحذيرات التي ظل يرددها قائد الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، منذ وقت مبكر في معظم خطاباته، بأن الحرب على اليمن، وخصوصا مع بدء المواجهات في الساحل الغربي، هدفها الرئيسي، “السيطرة على الجزر والمدن الساحلية والموانئ، وأيضا مضيق باب المندب لما يمثله من أهمية استراتيجية على مستوى العالم، وكل ما يتفرع عن ذلك من أحداث، من مشاكل على الأرض هي تأتي بهدف التحقيق لهذا الهدف الرئيسي لقوى العدوان”.

إلا أن السؤال الذي يبرز خلال المرحلة الراهنة، إلى متى ستظل القيادات السياسية والعسكرية الموالية للتحالف تنظر بكل صمت إلى اللعبة الدولية التي تدار فوق مياه وجزر اليمن، وكأن الأمر لا يعنيها، الأمر الذي يفرض على تلك الحكومة العودة إلى جادة الصواب، قبل أن تدفع الثمن باهظا بتواطؤها مع أعداء الأرض والإنسان اليمني.

وبالتالي لا يمكن فهم ما يحدث في الجزر اليمنية ومضيق باب المندب، بعيدا عن معادلة الردع للقوات اليمنية المساندة لأبناء غزة خلال السنتين الماضيتين بحظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وصولا إلى تعطيل ميناء أم الرشراش المحتل “إيلات” في خليج العقبة، التي شكلت تحولا استراتيجيا في موازين القوى الإقليمية والدولية، وأن ما يحدث في الجزر اليمنية وسط تلميحات متكررة للكيان الصهيوني عن تحضيرات لعدوان عسكري جديد ضد صنعاء، لم يكن بمعزل عن العشر السنوات الماضية من الحرب على اليمن.

قد يعجبك ايضا