المصدر الأول لاخبار اليمن

حروب في كل مكان .. مائة عام من التدخلات العسكرية الأمريكية في دول العالم

تقرير وثائقي : وكالة الصحافة اليمنية//

منذ هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، يتفق معظم الناس في العالم على وجوب تقديم الجناة إلى العدالة، دون قتل الآلاف من المدنيين في هذه العملية، لكن لسوء الحظ، يقدم الجيش الأمريكي دائمًا أعداد الوفيات المدنية الكبيرة كجزء من تكلفة الحرب، فالجيش مستعد الآن لقتل الآلاف من المدنيين الأجانب، من أجل إثبات أن قتل المدنيين الأمريكيين خطأ.

رددت وسائل الإعلام الأمريكية مرارًا وتكرارًا أن بعض الشرق أوسطيين يكرهون الولايات المتحدة فقط بسبب “الحرية” و”الرخاء”، لكن غاب عن هذا التفسير السياق التاريخي لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولهذا الأمر في بقية العالم، يعتبر هذا التمهيد الأساسي محاولة لإطلاع القراء الذين لم يتابعوا عن كثب تاريخ الشؤون الخارجية أو العسكرية الأمريكية، وربما لا يدركون خلفية التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، لكنهم قلقون بشأن اتجاه بلادهم نحو حرب جديدة تحت اسم “الحرية” و”حماية المدنيين”.

منطق التدخلات العسكرية الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب الباردة

تدخل الجيش الأمريكي في بلدان أخرى لفترة طويلة، ففي عام 1898، استولى على الفلبين وكوبا وبورتوريكو التي كانت تحت الحكم الإسباني، وتورط في 1917-1918 في الحرب العالمية الأولى بأوروبا، وفي النصف الأول من القرن العشرين، أُرسلت قوات مشاة البحرية مرارًا إلى “محميات” مثل نيكاراغوا وهندوراس وبنما وهايتي وجمهورية الدومينيكان، كل هذه التدخلات خدمت بشكل مباشر مصالح الشركات، وكثير منها أسفر عن خسائر كبيرة من المدنيين والمتمردين والجنود.

أثار الهجوم المفاجئ على بيرل هاربر (غارة جوية مباغتة نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 من ديسمبر 1941 على الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ) والخوف من غزو دول المحور لأمريكا الشمالية حفيظة التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الثانية (1941-1945)، فهاجمت قاذفات قنابل دول الحلفاء، ليس فقط أهداف عسكرية، لكن أيضًا مدن ألمانية ويابانية قُصفت بالحريق مثل درسدن وطوكيو، تحت فرضية أن تدمير الأحياء المدنية سيضعف تصميم الناجين ويحولهم إلى معارضين ضد أنظمتهم، لكن تأثير القصف الناري كان معاكسًا تمامًا، وكان بمثابة الدعم لدول المحور للدفاع عن الوطن وإحباط محاولات الانقلاب المحتملة.

 

في نهاية الحرب، ودون تحذير مسبق كان من الممكن أن يحول دون مقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء، قصفت الولايات المتحدة مدينة هيروشيما اليابانية بأول قنبلة ذرية في التاريخ وهي قنبلة يورانيوم تزن أكثر من 4.5 طن، وبعد 3 أيام، وتحديدًا في 9 من أغسطس/آب 1945، قُصفت مدينة ناغازاكي تمامًا مثل مدينة هيروشيما، غير أن التي أسقطت هي قنبلة بلوتونيوم، وفي لمح البصر انخفض عدد سكان المدينتين بشكل ملحوظ.

وتميزت الحرب في كوريا (1950-1953) التي ارتكبتها قوات كوريا الشمالية والصين من جهة، وقوات كوريا الجنوبية والولايات المتحدة من جهة أخرى بالأعمال الوحشية على نطاق واسع، فقد أطلقت القوات الأمريكية النار على اللاجئين المدنيين المتوجهين إلى كوريا الجنوبية، خوفًا على ما يبدو من أنهم متسللون شماليون، وهاجم القاذفون مدن كوريا الشمالية، وكان ضحايا المدنيين ضعف ضحايا العسكريين، وهددت الولايات المتحدة مرتين باستخدام الأسلحة النووية بدعوى صد المد الشيوعي، في حين تخضع كوريا الشمالية اليوم لنفس الحكومة الشيوعية كما كانت الحال عندما بدأت الحرب.

وخلال أزمة الشرق الأوسط عام 1958، نُشرت قوات مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” لقمع التمرد في لبنان، وكان العراق مهددًا بهجوم نووي إذا غزا الكويت، ساعدت هذه الأزمة غير المعروفة على وضع السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مسار تصادمي مع القوميين العرب (حركة نشأت أساسًا في لبنان بين أوساط طلبة الجامعات مثل الجامعة الأمريكية في بيروت)، وفي كثير من الأحيان لدعم الأنظمة الملكية في المنطقة.

الهجوم على بيرل هاربر

وفي أوائل الستينيات، عادت الولايات المتحدة إلى دورها التدخلي قبل الحرب العالمية الثانية في منطقة البحر الكاريبي، حيث وجَّهت عملية “غزو خليج الخنازير” الفاشلة في كوبا عام 1961، كما كان لها اليد العليا في هجمات عام 1965 التي وقعت في مدينة سايغون العاصمة السابقة لجمهورية فيتنام الجنوبية، بالإضافة إلى الغزو البحري لجمهورية الدومينيكان خلال حملة انتخابية.

كما قامت وكالة المخابرات المركزية CIA “” بتدريب وإيواء مجموعات من المنفيين الكوبيين في ميامي، التي شنت هجمات إرهابية على كوبا وحاولت قلب النظام على فيدل كاسترو، بما في ذلك إسقاط طائرة مدنية كوبية مدنية عام 1976 بالقرب من بربادوس، وخلال الحرب الباردة، ساعدت وكالة المخابرات المركزية في دعم أو تثبيت الحكومات الموالية للولايات المتحدة، بما في ذلك الديكتاتوريات في إيران وشيلي وغواتيمالا وإندونيسيا والعديد من البلدان الأخرى حول العالم.

وتردد صدى فيتنام في أمريكا الوسطى خلال فترة الثمانينات، وتركت إرثًا مظلمًا للرئيس دونالد ريغان، حتى بات ما حدث يُعرف بـ”متلازمة فيتنام“، في إشارة إلى النفور الشعبي من التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، خسر الفيتناميون خلال سنوات الحرب الثمانية مليوني قتيل و3 ملايين جريح وما يناهز 12 مليون لاجئ، أما الأمريكيون فتقدر خسائرهم بـ57 ألف قتيل و153303 جرحى و587 أسيرًا ما بين مدني وعسكري.

كذلك الحال في السلفادور، حيث قامت فرق الموت اليمينية بذبح المدنيين السلفادوريين الذين شككوا في تركيز السلطة والثروة في أيدي قلة من الناس، وفي جمهورية نيكاراغوا، شن متمردو كونترا الذين دربتهم وكالة الاستخبارات المركزية، هجمات إرهابية ضد العيادات والمدارس المدنية التي تديرها حكومة “الساندينيستا” الوطنية، ولوثوا موانئ نيكاراغوا، كما غزت القوات الأمريكية جزيرة غرينادا عام 1983، للإطاحة بنظام عسكري جديد، مهاجمة العمال المدنيين الكوبيين (على الرغم من أن كوبا دعمت الحكومة اليسارية التي أُطيح بها في الانقلاب)، وقصفت المستشفى عن طريق الخطأ.

العودة إلى الشرق الأوسط

عادت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط عام 1980، بعد الثورة الإسلامية في إيران ضد “ديكتاتورية” نظام الشاه محمد رضا بهلوي الموالي للولايات المتحدة، حيث اُحبطت محاولة إطلاق سراح الرهائن في السفارة الأمريكية في وسط مدينة طهران بالصحراء الإيرانية بعدما اصطدمت طائرة مروحية بطائرة حاملة للدبابات ومات فيها 8 أمريكيين، وبالعودة إلى 1954، تمت الإطاحة بحكومة محمد مصدق في إيران بتدبير من الاستخبارات الأمريكية بعدما تقلصت سلطات الشاه وبعدما قام مصدق بتأميم البترول الإيراني.

وبعد الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982، نُشرت قوات مشاة البحرية الأمريكية في عملية “حفظ سلام” محايدة، وبدلاً من ذلك، اتخذوا جانب حكومة لبنان المسيحية الموالية لـ”إسرائيل” ضد المتمردين المسلمين، وأمطرت سفن البحرية الأمريكية قذائف هائلة على قرى مدنية مسلمة، رد المتمردون الشيعة المسلمون بالهجوم الانتحاري على ثكنات “المارينز”، واستولوا لسنوات على رهائن أمريكيين في البلاد، ردًا على ذلك، قامت “سي آي إيه” بتفجير سيارات ملغومة لاغتيال زعماء الشيعة، وخرجت سوريا والمتمردون المسلمون منتصرين في لبنان.

في مكان آخر في الشرق الأوسط، شنت الولايات المتحدة غارة على ليبيا عام 1986، بعد اتهامها برعاية تفجير إرهابي تم ربطه فيما بعد بسوريا، قتلت غارة القصف المدنيين، وربما أدت إلى القصف الانتقامي لاحقًا لطائرة أمريكية فوق إسكتلندا، وبقي الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في السلطة، كما تدخلت البحرية الأمريكية ضد إيران خلال حربها ضد العراق في 1987-1988، مما أدى إلى غرق السفن الإيرانية وإسقاط طائرة ركاب مدنية إيرانية بطريق الخطأ.

وفي عام 1989، غزت القوات الأمريكية بنما للإطاحة بالنظام الوطني مانويل نورييغا، بعدما اتهمت حليفها السابق بالسماح بتعاطي المخدرات في البلاد، رغم أن تجارة المخدرات زادت بالفعل بعد اعتقاله، وأشعلت الغارات الجوية الأمريكية على بنما العاصمة حريق هائل في حي مدني، وقتل أكثر من ألفي بنمي في الغزو للقبض على شخص واحد.

القوات الأمريكية في بغداد 1991

في العام التالي، نشرت الولايات المتحدة قوات هائلة في الخليج العربي بعد الغزو العراقي للكويت الذي حوَّل واشنطن ضد الحليف العراقي السابق صدام حسين ودعمت الولايات المتحدة الملَكية الكويتية والأصولية الإسلامية في المملكة العربية السعودية المجاورة ضد النظام العراقي العلماني القومي، وفي يناير 1991، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها هجومًا واسعًا بالقنابل ضد أهداف حكومية وعسكرية عراقية، في كثافة تجاوزت غارات الحرب العالمية الثانية وفيتنام، وقُتل ما يصل إلى 200 ألف عراقي في الحرب والثورة والتمرد والمرض، بما في ذلك العديد من المدنيين الذين لقوا حتفهم في القرى والأحياء والملاجئ.

في التسعينيات، قاد الجيش الأمريكي سلسلة مما أسمته “التدخلات الإنسانية” بدعوى حماية المدنيين، وكان من بين أبرز هذه العوامل انتشار عام 1992 في دولة الصومال الإفريقية التي مزقتها المجاعات والحرب الأهلية بين أمراء الحرب العشائريين، وبدلاً من أن تكون محايدة، وقفت القوات الأمريكية إلى جانب أحد الفصائل ضد فصيل آخر، وقصفت أحد أحياء مقديشو، وقتلت الحشود الغاضبة، المدعومة من المرتزقة الأجانب، 18 جنديًا أمريكيًا، مما أجبرهم على الانسحاب من البلاد.

وتتركز ما تُسمى “التدخلات الإنسانية” في منطقة البلقان في أوروبا، بعد تفكك اتحاد يوغوسلافيا المتعدد الأعراق عام 1992، ظلت الولايات المتحدة تراقب الوضع لمدة 3 سنوات عندما قتلت القوات الصربية المدنيين المسلمين في البوسنة، قبل أن تشن غاراتها الحاسمة عام 1995، وحتى ذلك الحين، لم تتدخل أبدًا لوقف الفظائع التي ارتكبتها القوات الكرواتية ضد المدنيين المسلمين والصرب، لأن تلك القوات كانت مدعومة من الولايات المتحدة.

وفي عام 1999، قصفت الولايات المتحدة صربيا لإجبار الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش على سحب القوات من إقليم كوسوفو الألباني، الذي مزقته حربًا عرقية وحشية، وأدَّى القصف المكثف إلى عمليات الطرد الصربي وقتل المدنيين الألبان من كوسوفو، وتسبب في مقتل الآلاف من المدنيين الصرب، حتى في المدن التي صوتت بقوة ضد ميلوسيفيتش، وعندما مكنت قوة احتلال تابعة للناتو الألبان من العودة، لم تفعل القوات الأمريكية سوى القليل أو لم تفعل شيئًا لمنع الفظائع المماثلة ضد المدنيين الصرب وغير الألبان الآخرين، كان ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها لاعب متحيز، حتى من جانب المعارضة الديمقراطية الصربية التي أطاحت بميلوسيفيتش في العام التالي.

 

حتى عندما كان لدى الجيش الأمريكي مبررات دفاعية فيما يبدو، انتهى به الأمر إلى مهاجمة الأهداف الخاطئة، فبعد تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في شرق إفريقيا عام 1998، “ردت الولايات المتحدة” ليس فقط على معسكرات تدريب أسامة بن لادن في أفغانستان، بل على مصنع للأدوية في السودان قيل – عن طريق الخطأ – إنه عبارة عن منشأة للحرب الكيميائية، ثم انتقم بن لادن بالهجوم على سفينة تابعة للبحرية الأمريكية رست في اليمن في عام 2000.

إستراتيجية أمريكا الجديدة لمكافحة الإرهاب: حرب في كل مكان

بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة، استعد الجيش الأمريكي لقصف أفغانستان مرة أخرى، وتحرك ضد الدول الأخرى التي تتهمها الولايات المتحدة بتعزيز مناهضتها، مثل العراق والسودان، وصعَّدت مثل هذه الحملة دائرة العنف في سلسلة متصاعدة من عمليات الانتقام التي هي السمة المميزة لصراعات الشرق الأوسط، من المؤكد أن المزيد من المدنيين فقدوا أرواحهم في هذه الحرب الانتقامية على “الإرهاب” أكثر مما فقدت أمريكا في أحداث 11 سبتمبر.

وزادت صلاحيات القوات الأمريكية الخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، كذلك بالنسبة للرئيس الأمريكي وقتها، فبعد ثلاثة أيام فقط من الهجمات أقر مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي، منح الرئيس تفويض باستخدام كل ما يراه من قوة ضرورية لمنع أي أعمال إرهاب دولي مستقبلي ضد الولايات المتحدة، وهو ما أطلق عليه رسميًا التفويض باستخدام القوة العسكرية، ووفقًا لذك فإن الولايات المتحدة من حقها أن تشن أي هجوم عسكري علي أي دولة متى ارتأت هذا، وأنها في حالة استعداد أبدي للحرب.

ووفقًا لعدد من المحللين فإن المحصلة النهائية من هذه العمليات السرية أو حروب الظل كما يحلو لبعض المحللين تسميتها، هي اشتعال مناطق بالكامل في صراعات طائفية عرقية ودفع دول نحو حافة الهاوية وارتفاع معدلات الاقتتال الداخلي وانتشار “القاعدة” والجماعات التابعة لها بشكل غير منطقي وغير مفهوم في معظم الدول التي أعلنت فيها قوات النخبة أنها قد أنجزت المهمة.

آخر هذه الحروب السرية، ربما تكون “القبعات الخضراء“، وهي وحدات قتالية تتبع قوات الكوماندوز في سلاح المشاة الأمريكي، ويجري الحديث عنها الآن كقوات سرية تنفذ مهام خاصة من دون علم جهات عديدة، وهذه المرة قد تختلف قليلاً طبيعة المهمة التي استدعيت من أجلها “القبعات الخضراء”، إنها – كما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية – تدعم الجيش السعودي سرًا في حربه ضد الحوثيين في اليمن.

وفي الحرب السورية، أكثر الصراعات دموية، كان لأمريكا يد لا تخفى على أحد، ووجود على الأرض وقصف من الجو، لكن جل اللوم يمكن توجيهه إلى جيران سوريا والقوى الكبرى، وحتى الآن تدخلت فرنسا وإيران و”إسرائيل” والأردن وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات وبريطانيا وبالطبع الولايات المتحدة، وهذه القائمة الطويلة تستثني العشرات من أعضاء التحالف الآخرين الداعمين لجهود واشنطن أو الذين لعبوا أدوارًا أصغر بطريقة أخرى.

لكن تجربة سوريا ليست استثنائية، فواقع الأمر أن كل الحروب الكبرى التي نشهدها اليوم في جوهرها حروب بالوكالة، ففي أوكرانيا تدعم روسيا الجماعات المتمردة التي أعلنت رسميًا ضم جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، وفي ليبيا نجد روسيا والسعودية والإمارات تدعم زعيم المليشيا خليفة حفتر الذي يسعى للسيطرة على البلاد بينما تعترف واشنطن بشكل رسمي بالحكومة المنافسة في طرابلس، ولكنها تعمل على أساس يومي مع المليشيات لمحاربة تنظيم الدولة “داعش” في البلاد.

ما وراء التدخلات العسكرية الأمريكية

من كل ما سبق نستطيع ببساطة أن نستنتج أن التدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى هو نموذج أصيل في السياسة الأمريكية، وأنه يمثل حجر زاوية في تلك السياسة، لكنه لا يمثل الرؤية الأمريكية، فهناك هوة شاسعة تفصل بين الإدارة والشعب الأمريكي، وعلى حد تعبير الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي “أكثر من 90% من الرأي العام الأمريكي يرفض سياسة حكومته”.

ويمكن رؤية بعض المواضيع المشتركة في العديد من هذه التدخلات العسكرية الأمريكية، فهذه التدخلات شُرحت للجمهور في الولايات المتحدة على أنها دفاعًا عن حياة السكان المدنيين وحقوقهم، ومع ذلك، فإن التكتيكات العسكرية المستخدمة غالبًا ما خلفت “أضرارًا جانبية” مدنية هائلة، ولم يميز مخططو الحرب كثيرًا بين المتمردين والمدنيين الذين يعيشون في مناطق سيطرة المتمردين، أو بين المنشآت العسكرية والبنية التحتية المدنية، مثل خطوط القطارات ومحطات المياه والزراعة، يؤمن الجمهور الأمريكي دائمًا أنه في الحرب القادمة، ستتجنب التقنيات العسكرية الجديدة الإصابات المدنية على الجانب الآخر، ولكن عندما تحدث وفيات المدنيين الحتمية، يتم شرحها دائمًا على أنها “عرضية” أو “لا يمكن تجنبها”.

وعلى الرغم من أن جميع تدخلات ما بعد الحرب العالمية الثانية تقريبًا تمت باسم “الحرية” و”الديمقراطية”، فإن معظمها تقريبًا في الواقع دفاعًا عن الأنظمة الديكتاتورية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة سواء في فيتنام أو أمريكا الوسطى أو الخليج الفارسي، فلم تكن الولايات المتحدة تدافع عن “الحرية” بل كانت تحمل أجندة إيديولوجية (مثل الدفاع عن الرأسمالية) أو أجندة اقتصادية (مثل حماية استثمارات شركات النفط)، حتى في الحالات القليلة التي أطاحت فيها القوات العسكرية الأمريكية بـ”الديكتاتورية” – مثلما حدث في غرينادا أو بنما – فإنهم فعلوا ذلك بطريقة منعت شعب البلاد من الإطاحة بديكتاتورهم أولاً، وتثبيت حكومة ديمقراطية جديدة.

كما دأبت الولايات المتحدة دائمًا على مهاجمة عنف خصومها على أنه “إرهاب” أو “فظائع ضد المدنيين” أو “التطهير العرقي”، ولكنها قللت من نفس الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة أو حلفاؤها أو دافعت عنها، وإذا كان لأي بلد الحق في “إنهاء” دولة تدرب الإرهابيين أو تأويهم، فهل يحق لكوبا أو نيكاراغوا شن غارات دفاعية على أهداف أمريكية لإخراج إرهابيين في المنفى؟ يؤكد المعيار المزدوج الذي تتبناه واشنطن على أن حليف الولايات المتحدة هو من حيث التعريف “دفاعيًا”.

وغالبًا ما تصور الولايات المتحدة نفسها على أنها حامية سلام محايدة، وليس لها إلا أنقى الدوافع الإنسانية، لكن بعد نشر القوات في بلد ما، فإنه تقيم البلد أو المنطقة بسرعة إلى “أصدقاء” و”أعداء”، ويأخذ جانبًا ضد الآخر، تميل هذه الإستراتيجية إلى اندلاع حرب أو نزاع أهلي بدلاً من إخماده، كما هو موضح في حالات الصومال والبوسنة، ويزيد من استياء الدور الأمريكي.

وفي كثير من الأحيان يؤدي التدخل العسكري الأمريكي إلى نتائج عكسية حتى لو قبل المرء أهداف الولايات المتحدة ومبرراتها، وبدلاً من حل جذور النزاع السياسية أو الاقتصادية الجذرية، فإنه يميل إلى استقطاب الفصائل وزيادة زعزعة استقرار البلاد، وتميل البلدان نفسها للظهور مرة أخرى في قائمة تدخلات القرن العشرين.

كذلك، شيطنة الولايات المتحدة لقائد العدو، أو القيام بعمل عسكري ضده، تميل إلى تعزيز قبضته على السلطة بدلاً من إضعافها، فإذا أخذت قائمة الأنظمة الحاليّة التي خصتها الولايات المتحدة بالهجوم ووضعتها إلى جانب قائمة الأنظمة التي ظلت أطول فترة احتفاظ بالسلطة، ستجد أن لها نفس الأسماء، فقد يواجه القذافي وكاسترو وصدام وكيم وغيرهم انتقادات داخلية أكبر إذا لم يصوروا أنفسهم على أنهم مدافعون عن حقوق شعبهم ضد أمريكا ويلقون اللوم على العديد من المشاكل الداخلية لبلدانهم التي سببتها العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

………………………………….

المصدر: noonpost

قد يعجبك ايضا