تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
يُحكى في الأساطير أن القيصر الروسي عندما أراد اختيار دين لبلاده نالت مبادئ الإسلام إعجابه، لكن تحريم شرب الخمر حال دون اعتناق القيصر للدين الحنيف، إلا أن قوافل الهداية عبرت بلغاريا ونهر الهلجة لتحط رحالها في موطن الثلوج وتتشرب شعوب هذه المنطقة أركان الإسلام، ومن بينها الصيام.
يجمع شهر رمضان المبارك كل المسلمين في العالم، لكن الاختلاف يبقى في الطقوس من بلد لآخر، ففي روسيا الغنية بتعدد الثقافات والأعراق تختلف التقاليد والطقوس بين العائلات المسلمة في رمضان.

أجواء رمضانية
المسلمون الروس الذين يبلغ عددهم قرابة 25 مليون بين 145 مليون نسمة، يشكلون اليوم نسبة 15% من سكان روسيا مع مراعاة كون أغلبيتهم ليست مهاجرة ولا أجنبية كما هو الحال في الدول الأخرى، فهي تعيش في هذه البلاد منذ ألف سنة.
عدد سكان يزيد على عدد تعداد عدة دول إسلامية، فهم يمثلون أكبر أقلية في هذه الدولة، لذا أصبحت روسيا عضوًا مراقبًا في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذه الوضعية تعطي الثقة للمسلمين الروس وتحملهم المسؤولية في الوقت نفسه، ويعيش هؤلاء جيمعًا في مجتمع غير مسلم، وبالتالي تتأثر حياتهم كثيرًا بالنظر إلى اختلاف العادات والتقاليد ما بين المجتمع الإسلامي في روسيا وبين باقي أفراد المجتمع الذي يدين غالبية أفراده بالمسيحية الأرثوذكسية.
تختلف الأجواء الرمضانية في روسيا من جمهورية لأخرى باختلاف طول فترة الصيام فيها، التي قد تمتد لأكثر من 20 ساعة، في تحدٍ لم يقلل من عزيمة الصائمين رغم وجود بعض الفتاوى وإن اختلفت الاجتهادات بشأنها، فقد خلص بعض العلماء لبعض الآراء تتعلق بالصيام في حال طالت فترة ساعاته، فمنهم مَنْ يرى أن الصيام واجب منذ بزوغ الشمس حتى غروبها رغم كل الصعوبات، أمَّا ما يتعلق بساعات الصيام الطويلة إذا ما تجاوزت الـ18 ساعة يرجح بعض العلماء في هذه الحالة إمكانية الصيام بحسب التوقيت المعلن في مكة أو حسب توقيت أي دولة مسلمة مجاورة قد يكون الوقت في النهار أقل ساعات من وقت النهار موسكو مثلاً.
وتحت وطأة الحر الشديد ودخان الحرائق وامتداد فترة الصيام لساعات طويلة يقف المسلمون في ورسيا أمام اختبار قدرة الصبر والتحمل وقوة الإيمان، أمَّا المرضى ومَنْ يعفيهم الحكم الشرعي من الصيام “فعدة من أيام أخر”، لكن على الرغم من ذلك فإن المسلمين يتمسكون بدينهم وينتهزون فرصة شهر رمضان الكريم من أجل تثبيت دعائم دينهم وثقافتهم في نفوس أفراد المجتمع الإسلامي الروسي.
وتتلخص الشعائر الرمضانية عند الروس في تأدية صلاة المغرب جماعة في مكان تاريخي، بعد الصلاة يُقام الإفطار الجماعي ببهجة كبيرة، حيث تحضر وجبات الإفطار المنتظمة بموائدها العربية والشرقية المتنوعة طوال أيام الشهر الفضيل، فالمطاعم العربية والإسلامية منتشرة في العاصمة الروسية، وتشهد عادة إقبالاً كبيرًا من الجالية العربية التي يلتقي أفرادها بعد عام من الفراق سببته بعد المسافات بين مناطق موسكو.
وتنشط الإدارات الإسلامية والدينية والجمعيات الخيرية على إقامة موائد الإفطار الجماعية في الساحات العامة القريبة من المساجد والمراكز الدينية في موسكو، لتمنح الذين حرمتهم الغربة من الوجود بالقرب من أهاليهم خلال شهر رمضان فرصة المشاركة أيضًا في الفعاليات والمسابقات الدينية التي تُنظم بهذه المناسبة، وتمتد حتى فجر اليوم التالي من الصيام.
ويعمل المسلمون الروس على الإحساس بالشهر الكريم، حيث تضطلع دار الإفتاء في موسكو بأنشطة تخص رمضان، على رأسها إعداد قائمة بالمحتاجين من كبار السن واليتامى والأرامل، لتقديم مساعدات نقدية وغذائية لهم على قدر المتاح.
قبل 5 سنوات بدأت في موسكو العودة إلى إقامة خيام للإفطار الرمضاني، وهي مستمرة في هذا التقليد للمرة الخامسة هذا العام بجوار الكرملين. هذه الخيام ليست مجرد مكان للإفطار، لكن في نفس الوقت تجمع الناس عائليًا، ويأتي أتباع الديانات والثقافات المختلفة ليتعارفوا على بعضهم البعض ويقيموا صداقات، كما يُقام في هذه الخيام أيام خاصة للمِلل المختلفة يتم خلالها تبادل المعلومات عن التجمعات.
وفي السنوات الأخيرة بذلت روسيا الجهود للتعاون مع العالم الإسلامي، كما أقامت روسيا ذات العلاقات الدبلوماسية المتطورة مع البلاد الإسلامية محطة بث تليفزيونية ناطقة باللغة العربية. كل هذه التطورات يلعب المسلمون هناك دورًا بارزًا فيها.
رمضان في زمن السوفيت
كان هناك تاريخ خاص وقديم للإسلام في روسيا، حيث عرفت منطقة القوقاز وروسيا الإسلام عن طريق التجار والسفراء المسلمين قبل أكثر من 1400 سنة، وهذا يتوافق مع القرن الـ7 الميلادي.
وهناك شيء آخر مثير، وهو أن قبول الإسلام في المجتمع الروسي أقدم من المسيحية بكثير، حيث اعتنق الروس الدين الإسلامي في منطقة حوض “الفولغا” رسميًا قبل قرن من إعلان الأرثوذكسية دينًا لروسيا، كما يعد الإسلام الآن هو الثاني في البلاد من ناحية عدد معتنقيه بعد الدين المسيحي الأرثوذكسي.
كانت موسكو مركز الدولة السوفيتية والمعسكر الشيوعي في وقت مُنعت فيه المعتقدات والعبادات، كما كانت مركز اللادينية على مدى 70 سنة
وحين كانت موسكو القيصرية تقيم علاقات مع الدول الأخرى كان الشرق الإسلامي بينهم، ومن ثم كان لزامًا إيجاد بيوت خاصة للرسل المترجمين والعمال والخدم الذين سيتكفلون برعاية ضيوف المسلمين الكبار، لذا منذ ذلك الزمن يعيش المسلمون في موسكو.
وبالعودة إلى عقود قليلة سابقة، كانت موسكو مركز الدولة السوفيتية والمعسكر الشيوعي في وقت مُنعت فيه
المعتقدات والعبادات، كما كانت مركز اللادينية على مدى 70 سنة.
كان العهد السوفيتي عهدًا صعبًا على الإسلام والمسلمين، خاصة أن السلطة السوفيتية أعلنت منذ البداية عن
إيدلوجية إلحادية، وأُغلقت المساجد وتحولت إلى مخازن، كما أُلقي القبض على علماء الدين ونُفوا، لكن لم تفلح كل الضغوط المختلفة في إبعاد المسلمين عن دينهم.
قاوم النظام التسلطي بضراوة المعتقدات الدينية في زمن الدولة السوفيتية، فلم يكن يسمح بطباعة الكتب
الدينية والقرآن الكريم أو تعليم الأطفال في دورات إسلامية، لكن مع التغييرات اللاحقة في النظام وافقت روسيا على قانون جديد يتضمن حرية الضمير وإنشاء المؤسسات الدينية.
وفي السنوات التي اشتدت فيها الحرب مع الشيشان، استخدم الإعلام وصف “الإرهاب” على المسلمين، غير أن هذه الحملة السلبية على الإسلام زادت من أعداد المسلمين في روسيا في الفترات الأخيرة، واللافت للنظر في هذه المرحلة هو تغيير الدين بين الروس.
موسكو التي تعد واحدة من أكثر المدن ازدحامًا في العالم فيها كثافة مسلمة تتجاوز مليوني مسلم من بين 10.5 مليون نسمة يعيشون فيها، أي أن هناك مسلمًا بين كل 5 أشخاص تراهم في الشارع، وهو ما تشعر به في عموم المدينة
وبعد الانهيار المعنوي الذي تسبب فيه النظام الشيوعي فهم الشعب الروسي أن الإنقاذ الحقيقي يمكن أن يأتي من التوجه إلى الدين، والحال أن الشعب اليوم في روسيا يتجه إلى الدين بكثرة، ويتردد صدى الإسلام هناك في كل مكان.
موسكو التي تعد واحدة من أكثر المدن ازدحامًا في العالم فيها كثافة مسلمة تتجاوز مليوني مسلم من بين 10.5 مليون نسمة يعيشون فيها، أي أن هناك مسلمًا بين كل 5 أشخاص تراهم في الشارع، وهو ما تشعر به في عموم المدينة.
وعلى الرغم من صعوبة الادعاء بارتفاع عدد الذين دخلوا في الإسلام، فإن الواضح هو السير في هذا الاتجاه، والكل يعترف بصحة هذا الادعاء، حيث تشير التقديرات إلى أن المسلمين سيشكلون ثلث سكان روسيا خلال الأعوام الـ15 القادمة، في وقت تبلغ نسبتهم الحالية 7%، إذ إن معدل ولادات العرق الروسي في تراجع، وهذا لا ينطبق على المسلمين داخل الاتحاد الروسي.
