في الوقت الذي تمر فيه القضية الفلسطينية بمنعطفات خطيرة تهدد بتصفيتها، ألقت مسيرة العودة حجرا كبيرا وسط بحر المبادرات والصفقات، وأرسلت العديد من الرسائل، لتؤكد وفق مختصين أن الشعب الفلسطيني هو الذي يمتلك زمام مستقبله.
وانطلقت فعاليات مسيرة العودة الشعبية السلمية يوم الجمعة الماضي بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض، وتستمر حتى 15 أيار/ مايو المقبل، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى النكبة الفلسطينية.
واستشهد 16 فلسطينيا وجرح نحو 1500 آخرين في القطاع، جراء إطلاق قناصة الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي على المعتصمين السلميين بشكل مباشر، وفق توثيق شبكة المراسلين الميدانيين لـ”عربي21″ المنتشرة في مخيمات مسيرة العودة الخمس في قطاع غزة.
فعاليات أوروبية تندد بقمع الاحتلال لمسيرة العودة
وأوضح رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية إياد الشوربجي، أن مسيرة العودة حملت العديد من الرسائل المهمة، حيث أكدت للاحتلال وللعرب ولدول العالم أن “الشعب الفلسطيني لا يزال متمسكا ومصرا على انتزاع حقوقه كافة، وعلى رأسها حق العودة المقدس، وهو على استعداد أن يقدم في سبيل ذلك كل التضحيات”.
وأضاف “كما أكدت المسيرة للمجتمع الدولي العاجز عن تطبيق أي من القرارات الدولية وعلى رأسها قرار الأمم المتحدة رقم 194 القاضي بعودة اللاجئين؛ أن الشعب هو من ينتزع حقوقه بنفسه وبوسائله المتعددة، ومنها الاعتصام والتحرك السلمي والتدفق بمئات الآلاف للعودة إلى وطنه ودياره التي هجر منه قسرا”.
ونوه الشوربجي إلى أن المسيرة “أكدت للأطراف المحاصرة للشعب الفلسطيني والمتآمرة عليه، أن كل المؤامرات والحصار والعقوبات ومشاريع التصفية ستسقط تحت أقدامه، وأن كافة السياسات الهادفة لتركيعه والصفقات المشبوهة لطمس وتصفية قضيته قد فشلت”، مؤكدا أن “الحصار المفروض على غزة، سيؤدي إلى انفجار الشعب في وجه الاحتلال”.
تدهور وتآكل
ونبهت المسيرة العرب المنشغلين بأوضاعهم الداخلية، إلى أن “القضية المركزية للأمة هي القضية الفلسطينية التي ينبغي التوحد لدعمها ومساندتها”، وفق رئيس معهد فلسطين الذي لفت إلى أن على “القمة العربية المزمع عقدها في 15 نيسان/ إبريل المقبل؛ مسؤوليات جسيمة في دعم ومساندة القضية الفلسطينية بالفعل وليس بالشعارات”.
في حين رأى أن الرسالة الداخلية لمسيرة العودة، أنها “رسمت بتنوع الجموع المحتشدة من كافة الأطياف والألوان، لوحة مشرقة، فالكل توحد ضد الاحتلال ويصر على انتزاع حقوقه المسلوبة والرجوع لوطنه المحتل وكسر حصار غزة”.
الاتحاد الأوروبي يدعو لفتح تحقيق في قتل الفلسطينيين بغزة
وتوقع الشوربجي، أن “يساهم هذا المد الثوري في حال استمراره وتصاعده واتساعه ليشمل جبهات أخرى أهمها الضفة الغربية؛ في إجبار العالم والقوى المحاصرة للشعب الفلسطيني في غزة على إيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية، ورفع الحصار الجائر عن غزة”.
وتابع: “في كل الأحوال، سيكون لهذا الحراك بعد عقود من الهدر والتدهور والتآكل في جدر القضية، دور بارز في إعادة القضية لمسارها الصحيح، وتثبيت وإبراز حق العودة، وإعادة زمام المبادرة للشعب الفلسطيني وقواه الحية المقاومة”.
وإضافة لما سبق، رأى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقاد، أن مسيرة العودة حملت رسالة مهمة إلى “المجتمع الدولي بوجوب الوقوف عند مسؤولياته، لأنه ما زال متهما بالعجز بل والتواطؤ في تنفيذ القرارات الدولية المساندة لقضيانا المصيرية”.
الفيتو الامريكي
وأضاف “فالفيتو الأمريكي مستمر في جعل دولة الاحتلال مستمرة في تجاوزها لكل مقررات اتفاقيات جنيف الراعية لحقوق الإنسان”، حيث فشل مجلس الأمن في إصدار قرار يدين قمع قوات الاحتلال للحراك الشعبي السلمي الفلسطيني، واكتفى بالمطالبة بإجراء تحقيق عاجل.
ونوه العقاد إلى أن الرسالة الأخرى هي للاحتلال، مفادها أن “الشعب الفلسطيني يحدد وجهته جيدا باتجاه مصدر تهديده ومعاناته ومغتصب أرضه ومصادر مستقبله للعيش بحرية وكرامة”.
وأوضح أن رسالة المسيرة إلى “العرب شعوبا؛ أننا ما زلنا نسدد فواتير كرامتكم التي يهدرها قادتكم في صراعات بينية وأخرى عبثية، وأنكم اليوم يجب أن تبادروا لأخذ زمام الأمور نحو ثورة توعوية لنهضتكم ورعاية مصالحكم”.
وبناء على هذا الوقع الذي يرسم مستقبل القضية الفلسطينية، يتأكد أن “مستقبل قطاع غزة الذي هو جزء أصيل في المشهد الوطني الفلسطيني، لا يمكن فصله أو انسلاخه عن امتداداته العربية والإسلامية على السواء”، وفق الكاتب الذي أكد أن “هذا الحراك الشعبي الثوري يدشن مرحلة جديدة لكنها ذات صلة بما سبقها ولا يمكن أن تنفك عنها وعما سيتلوها من حراكات حتى نيل الحرية والاستقلال”.
ورأى أن قيادة غزة لمسيرة العودة، “يؤكد أنها الضلع القائم في الحفاظ على الثوابت، وأنها لن تنهزم أمام العدوان بالحصار المستمر، والعدوان بالحروب والتهديد بها، وأن قضية اللجوء هي جوهر الصراع وأحد أهم الغايات الوطنية الكبرى تحقيق العودة للديار”.