المصدر الأول لاخبار اليمن

انا خادم لأقدامكم يا مجاهدين..آخر رسالة بعثها لي الرئيس الصماد.. وهذه محطات من عظمته جمعتني به في مسيرته الجهادية

كتب / اسامه حسن ساري// وكالة الصحافة اليمنية //

هذا نص آخر رسالة بعثها لي الرئيس الصماد.. قبل فترة قريبة وهو متألم يكتب لي:
“يا اخي بيوجعوني خبرتنا الاعلاميين. رجعوا يهاجموا قراراتي.. والله ما اتخذت قرار الا وهو في مصلحة الناس ولا اتخذ قرارا الا بعد ان يطلع عليه السيد القائد ويوافق عليه.. واصحابنا رجعوا يهاجموني في الفيس بوك.. الله المستعان. مفروض يتخاطبوا معي ويسألوا ويستوضحوا”..
واضاف : “انا خادم للمسيرة القرآنية ولن يغيرني المنصب او يؤثر على علاقاتي بالناس”..

واقسم الرئيس الشهيد في رسالته لي بالواتس اب اكثر من ستة ايمان مغلظة بالله تعالى انه يستحيل ان يميل او يجامل في اي قرار يتخذه على حساب مصلحة الوطن والمواطنين..
رسالته تلك صعقتني كثيراً.. لعدة اسباب.. اولا لأنه فاجأني بالمراسلة وهو يقول لي: معك اخوك صالح الصماد.. فلم أكن اتوقع ان يتذكرني في زحمة مشاغله..
ثانيا: لما عكسته رسالته من ألم شديد في داخله من بعض الاعلاميين والمفسبكين التابعين للمسيرة.. كان يبث ألمه ذلك إليَّ..
……
رحمة الله تغشاه.. ان قلبي يبكيه بحرقة..
كانت تربطني به علاقة حميمية عميقة.. وكان لي ناصحا أمينا.. وصادقا كلما يلقاني وهو مبتسم.. ويضحك ويقول لي: لا تكن تنفعل وانت بتكتب مقالات او منشورات.. والموضوع الفلاني اهدأ فيه قليلا وووو
كان متابعا جيدا..
طلبت ذات يوم من مكتبه ان يحددوا لي موعد معه.. فزعل عليهم وزعل مني.. وكلفهم بالتواصل معي، فبعثوا لي رسالة اس ام اس هذا نصها: قال الرئيس الله المستعان عليك .. انت واحد من البيت وتعال في أي وقت لا تكن تستأذن..
كان تواضعه يحرجني.. فلم أكن اجرؤ على زيارته حتى لا اكون سببا في تأخيره عن اي اعمال وطنية وانسانية هي اولى بوقته وطاقته..
…..
……
في عام 2008م بعد أيام من اعلان وقف الحرب الخامسة على صعدة…
استقبلني الرئيس الشهيد صالح الصماد في منطقته بني معاذ بمديرية سحار عصرا..
كنا صيام بأوائل شهر رمضان..
اجواء الحرب سائدة والوضع متوتر..
كانت المنطقة جبهة ملتهبة..
قاد سيارته الجيب تحت سلسلة من الجبال بين الالغام وعلى مرمى مدافع الجيش التي تواصل ارتكاب الخروقات..
كان الصماد حينها قائدا لجبهة بني معاذ مدافعا عن صعدة..
يتكلم بوقار , ويرمقني بطرف عينيه مبتسما وهو يخبرني ان الطريق فيها بقايا الغام لا يعرف احد خرائطها.. ويؤشر باصبعه الى ظهور الجبال ليريني مواقع عسكرية لقوات علي محسن ويقول لي بيقصفونا من هنا ومن هنا..
قلت له : ما أنت قلق يقصفوك الان طالما انت قائد الجبهة المدافعة في المنطقة..
قال وهو يضحك: يا خي هي شهادة في سبيل الله وهي مطلبنا . عز الله كنا نقدم لهم لا متارسهم ما نبالي ونرى آيات الله متجلية..
ظل يلف بي على سيارته من الساعة الثالثة عصرا الى اذان المغرب قبل ان نتناول سويا في منزله وجبتي الإفطار والعشاء. وانتقل من عنده الى المقيل مع السيد القائد حفظه الله بجلسة ثنائية لعدة ساعات في ديوان صغير ومتواضع بإحدى المناطق.
لم يترك الصماد منزلا في منطقة بني معاذ طاله القصف والخراب من قبل السلطة الا واوقفني على اطلاله ونزلنا لمشاهدة بقاياه سويا.. ويقول لي: التقط صور لكل جزء من الدمار لتنشرها فيرى اليمنيون بشاعة الظلم الذي لحق بهؤلاء المواطنين المستضعفين الذين خرب الجيش بيوتهم ومساجدهم ومزارعهم بدون سبب..
كان متألما جدا على اوضاع الناس ويقسم ان لو استشهاده يصلح اوضاعهم لمنحهم روحه بلا تردد. .
التقطنا يومها اكثر من مائتي صورة للخراب والدمار.. ورغم امتلاكه للمال ومزارع عنب ورمان وبرتقال فقد كان متواضعا وافراد اسرته في حياته وطريقة عيشه واثاث منزله..
في عام 2012 لقيته في سوق ضحيان.. فقال لي اطلع معه فوق سيارته..
وطلب من مرافقيه ان ينزلوا من السيارة.. قلت له ليش نزلتهم.. قال ودي اسايرك لحالي لاجل اتجمل فيك..
تحرك من فوره بين طرقات ترابية تخللت عدة مناطق حتى وصلنا الى مزارع في بني معاذ. . ونادى بعض العمال لديه في المزراع وتحدث معهم باريحية وحب ولطف كإخوة له .. وطلب منهم سلال فارغة.. فاحضروها فحملها بيديه وطلب مني ان اتبعه..
دخلنا مزرعة رمان.. وبدأ يقطف بيديه كميات كبيرة من الثمار ويملأ بها السلة الاولى والثانية.. ثم حملهما الى صندوق سيارته..
ثم سأل اصحابه العمال عن اجود بستان للعنب الاسود بين بساتينه الصغيرة.. ثم ذهبنا الى احد البساتين.. قال هذا العنب لا اعطيه الا هدية للعزيزين علي.. ثم ملأ سلتين اخريتين اقتطفهما بنفسه..
كان يقشر لي الرمان بيديه الطاهرتين الكريمتين ويناولني..
ثم ادخلني مزرعة قات وقطف منها ملء حضنه من اجود الغرسات..وناولني..
ثم صعدنا على سيارته وقادنا الى مدينة صعدة حتى باب منزل كنت استأجره مع اطفالي.. ونزل من السيارة ورفض ان احمل بنفسي سلال الفاكهة التي اهداني بل اصر على ان يحملها بنفسه الى مدخل المنزل..
هكذا كان تواضعه ودماثة اخلاقه وكرم وسمو سجيته..
هكذا كان يعمل مع كثير من الناس الذين تربطه بهم علاقات حميمية..
وهكذا كان يبحث عن الاجر ويعمل على تجميعه ليسبق في فعل الخير..
اذكر ونحن متجهون الى منزلي.. سألته عن بدايات حياته.. قال درست وتخرجت.. لكن اساس حياتي انني مزارع كواحد من هؤلاء المواطنين المستضعفين..
قلت له قرأت علم؟.. قال كثير كثير وشبعنا مقرا..
فسألته كيف اندفعت وتأثرت بانصارالله..
اطلق تنهيدة من صدره وقال: عرفت فيهم معنى الرجولة الحقيقية .. هؤلاء رجال ولهذا انطلقت معهم بقوة..
..
رحم الله الرئيس الشهيد صالح الصماد.. بقدر ما اغبطه على ما منحه الله من فضل الشهادة بقدر ما انا حزين على فراقه..
بعد معركة انصارالله مع بن عزيز وانتصارالمستضعفين على غطرسته.. ذهبت زيارة الى منزلي في مديرية سفيان..
وبعد اربع ساعات من وصولي الى المنزل تلقيت اتصالا من رقم مجهول.. اجبت عليه: من معي..
قال: معك صالح الصماد..
وتبادلنا التحايا.. ثم قال لي: بلغني أنك في بيتك بسفيان.. قلت له نعم..
قال المسافة بيني وبينك عشرين دقيقة هب لك سيارة توصلك الى عندي في منطقة جوفان وانا باحاسبها.. تعال خزن معنا..
تحركت من فوري..وأعتقدته كان في زيارة عابرة..
فوجئت بحشد كبير جدا من قبائل سفيان في مجلس واسع يستمعون لمحاضرة من الشهيد الصماد ..
جلست بقربه.. وبعد انتهاء المحاضرة صعدت بجواره على سيارته الشاص (طقم) وكان يقود بنفسه.. وقطعنا مسافات قليلة بين شعاب ووديان وجبال لنعتلي احد جبال سفيان في منطقة قريبة من العمشية حتى وصلنا بالسيارة الى قمة الجبل وهناك كان ينتظرنا العزيز المجاهد حسن صلاح المراني ( ابوطه ) .. صلينا المغرب وتعشينا .. ثم جلسنا نتحادث لقرابة ساعتين..
علمت ان شهيدنا العظيم كان قد مضى عليه اكثر من اسبوعين على رأس ذلك الجبل في دشمة متواضعة لا تقيه بردا ولا غبارا.. يهبط في النهار للتنقل من قرية الى قرية ليتلمس هموم الناس ويعالج مشاكل الثارات بين قبايل سفيان . ويحاضرهم ويثقفهم بثقافة القرآن..
واستمر بعدها في المنطقة لفترة غير قصيرة بعيدا عن اولاده واسرته..
كان مجاهدا عمليا يتحرك في كل ميدان . ويقترب من قلوب الناس جميعا..
وكان كل من عرفه وخالطه يحبه ويتوق الى مصاحبته للابد والتضحية بين يديه..
كان مربيا للرجال.. ومدرسة للرجولة والبطولة..
اذا أطل بوجهه تهللت الاسارير وابتسمت الوجوه..
حبه تملك قلبي.. وظللت على تواصل دائم معه الى قبل شهر ونصف ..
ذات مساء ليلة اصداره قرارات تعيين النائب العام ماجد الدربابي ومسؤولين اخرين في الدولة.. بعث لي عدة رسايل على الواتس اب يطمئن على صحتي ويعرض علي خدماته..وهو يشكو بألم من ردة فعل بعض اعلاميي انصارالله تجاه القرارات المعلنة..
وتحدثنا مطولا في قضايا كثيرة..
ليلتها دمعت عيني لشدة تواضعه في رسالته الاخيرة.. نهاية المحادثة التي كتبها لي قائلا:
اي خدمة لك انا مستعد ليل او نهار.. انا خادم لاقدامكم يا مجاهدين.

قد يعجبك ايضا