كتبها/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
إذا رأت عيناك على شاشة التلفاز وفي منصات التواصل الاجتماعي ما لا يستوعبه العقل البشري والضمير الإنساني، جثث أطفال ونساء وعجزة متفحمة وأشلائهم متناثرة تحت أنقاض بيوتهم وعلى قارعة الطرقات، وداخل المدارس والمستشفيات ومراكز إيواء النازحين التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
وإذا سمعت أذناك صرخات استغاثة أطفال ونساء وعجزة يركضون فزعاً وسمعت أنينهم تحت أنقاض بيوتهم البسيطة وهم يتنفسون الغبار الملوث بشتى أنواع القذائف والصواريخ القاتلة والمحرمة، فأنت حينها تشاهد وتسمع مأساة سكان غزة وليس فيلماً سينمائياً عن يوم القيامة وأهوالها.
تتوالى المشاهد القاسية والمؤلمة التي ترد من غزة والتي توثق القليل من الجرائم البشعة التي ترتكب بحق سكان غزة وعلى وجه الخصوص المستضعفين من الأطفال والنساء والعجزة هذه المرة سنقف أمام جريمة تدمي لها القلوب البشرية وتدمع لها الإنسانية المفقودة في غزة المنسية بطلها هذه المرة طفل فلسطيني يحتضن شقيقه الرضيع في مهمة البحث عن النجاة المفقودة في القطاع المنكوب، بعد أن فقداها داخل صرح مؤسسة طبية من المفترض أن تكون أمنة حسب التشريعات الدولية والإنسانية والشرائع السماوية.
مستشفى بلا شفاء
مجمع الشفاء الطبي شمال قطاع غزة أكبر مؤسسة صحية في فلسطين المحتلة لم يَعُد يعرف للشفاء طريقًا، ومثله مثل بقية مستشفيات شمال القطاع استقبل مئات الألاف من المصابين والنازحين والأطفال الرضع والأجنة إلا أنه لم يسلم من آلة الموت الصهيوني الذي حولته للمرة الثانية خلال أقل من 3 شهور إلى ثكنة عسكرية وساحة حرب أبطالها قوات الاحتلال في مواجهة أطباء ومرضى يبحثون عن حقنة دواء أو كسرة خبز تساعدهم في الصمود أمام بطش الموت الذي يأكل جسدهم كما تأكل النار الهشيم.
مكتب الإعلام الحكومي الفلسطيني أكد أمس الثلاثاء أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أرتكبت مجزرة دامية وقامت بإعدام 50 مواطناً واعتقال قرابة 200 آخرين في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه بمدينة غزة.
وأضاف: شارك في عملية اقتحام مجمع الشفاء الطبي المئات من جنود الاحتلال “الإسرائيلي” المدججين بالسلاح والكلاب البوليسية وعشرات الدبابات والطائرات المُسيّرة والطائرات المروحية، وأطلقوا النار والقذائف والصواريخ بكثافة داخل المجمع الطبي تجاه المرضى والنازحين والمدنيين الأمر الذي أدى إلى استشهاد وإصابة أكثر من 250 مدنياً، كما أحرقوا بعض المرافق داخل المستشفى.
وكانت قوات الاحتلال اقتحمت في 17 نوفمبر الماضي مستشفى الشفاء، وقامت بقتل واصابة المئات من المرضى وقامت باعتقال العشرات من الطواقم الطبية بينهم مدير المشفى منير البرش الذي لا يزال مخفياً حتى اللحظة داخل سجون الاحتلال.
كما سرقت قوات الاحتلال عددا من الجثامين من داخل المستشفى، ونبش بعض القبور في ساحاته.
أين المفر ؟
وتحت نيران القصف والدخان المتصاعد من داخل مجمع الشفاء الطبي، التقطت كاميرات نشطاء التواصل الاجتماعي مشهداً تناقلته القنوات الفضائية لطفل من غزة يحمل شقيقه الرضيع وهو يركض من داخل مستشفى الشفاء باتجاه شارع الجلاء باكياً “وحياة ربّنا خايف”.. ” فيش الي نفس ” .. ” بدي اروح إلى غزة” !
حدقات عيون مفتوحة تنسكب منها دموع ملتهبة على خد طفل فلسطيني مفزوع، رسمت صورة عبَّرت عن مدى فزع الطفولة في غزة المنسية من هول وفداحة جرائم الإبادة الجماعية التي تعرض لها، تاركةً رسالة مفادُها: أين المفر؟!
وعلى الرغم من استمرار قوات على منع عملية إجلاء الأطفال الرضع من حضانة مشفى الشفاء، وتحت نيران القصف الهمجي ركض طفل غزة صوب أروقة المشفى مستنشقاً الغبار والغازات السامة المنبعثة من قذائف الموت بأقدام هزيلة صوب غرفة الحضانة في مهمة إجلاء شقيقه الرضيع الانتحارية، لينتشل شقيقه الرضيع الذي لم يعد له في هذا العالم الظالم غير شقيق لا يتجاوز الربيع السابع، بعد أن فقدوا أسرتهما.
مدير اتصالات اليونيسيف، في الأراضي الفلسطينية جوناثان كريكس أعلن في 2 فباير الماضي، أن التقديرات تشير إلى أن 17 ألف طفل فلسطيني في غزة فقدوا ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم.
على الرغم من هول ما شهده ذلك الطفل الغزاوي من قصف لا يفرق بين منشأة مدنية مستشفى أو مدرسة أو مسجد ولا يفرق داخلها بين طفل أو رضيع أو شيخ مسن أو امرأة مستضعفة ومكلومة على فلذات أكبادها ومع كل هذا الرعب، الطفل الفلسطيني المفزوع الذي لم يتجاوز عمره السبع سنوات، لا يتوقف طفل غزة المفزوع عن الركض حاملاً أخيه الرضيع مستكملا تأدية مهمة البحث عن النجاة على أكمل وجه.
فيض من غيض ويا للخسارة
الحجر شارف على البكاء وليس النطق فقط والعالم ما يزال “صمٌ بكمٌ عميٌ ” عما يحدث من جرائم وحرب إبادة في محرقة “هولوكوست” غزة التي طالت البشر والحجر والشجر.
عذراً يا أطفال غزة لقد خذلكم العالم الظالم والمنافق وأصبحت لديهم مجرد أرقام تجاوزت 14 ألف شهيد و 6168 جريح ( حسب أخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني) وأكثر من 17 ألف طفل فقدوا ذويهم أو يعيشون بدونهم (حسب تصريحات اليونيسيف في فبرابر الماضي)
كان من المفروض أن تكونوا في بيوتكم مع عائلتكم تلعبون وتدرسون مثلكم مثل أقرانكم من أطفال العالم.. كان من المفترض أن تفرحون بشهر الخير والرحمة وتنتظرون بفارغ الصبر قدوم عيد الفطر المبارك مثلكم مثل أطفال المسلمين.. لكن أنتم وللأسف في عالم منافق وظالم لدرجة أن يكتفي بمشاهدة مأساتكم على أنها مجرد أرقام.. عالم ماتت فيه ضمائرهم وإنسانيتهم أمام بطشة ونفوذ المال وقوة السلاح التي تقوده ولايات الشر المتحدة وبقية حلفائها من دول الغرب الاستعماري.. عذراً يا أطفال غزة أنتم تعيشون في عالم بات فيه المسلمين في 55 دولة فاقدون للخير والرحمة حتى في شهر الخير والرحمة، إلا ما رحم ربي من شعوب محور المقاومة.