تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
أطلق جوزيب بوريل، المسؤول الأوروبي المخضرم، صرخة أخلاقية مدوّية في وجه المؤسسة الغربية: “إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة… ونصف القنابل مصدرها نحن”.
ليست هذه الكلمات مجرد رأي شخصي لمسؤول أوروبي، بل شهادة مدوية من داخل المنظومة الأوروبية نفسها، تقرّ صراحة بأن القارة العجوز – بشعوبها وحكوماتها – شريكة في المجازر المرتكبة بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، وسط صمت دولي مطبق وتواطؤ سياسي بلغ ذروته بدعم مطلق من واشنطن وتسهيلات عسكرية من عدة عواصم أوروبية.
دعم بالسلاح وغضّ للطرف
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، لم تكتفِ الدول الأوروبية بالدعم السياسي والتغطية الدبلوماسية لحرب إبادة موثّقة، بل ذهبت – كما أقرّ بوريل – إلى ما هو أبعد.. التوريد المستمر للأسلحة والذخائر التي تنهال على الأحياء السكنية في غزة، وتُزهق بها أرواح الأطفال والنساء تحت أنقاض منازلهم.
تأتي تصريحات بوريل لتكسر جدار النفاق الأوروبي الرسمي، الذي يتحدث عن “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” بينما تتدفق الأسلحة والمعدات عبر الموانئ الأوروبية باتجاه قوات الاحتلال، في خرق واضح للقانون الدولي الإنساني، ولاتفاقيات حظر تصدير الأسلحة إلى مناطق يُرتكب فيها تطهير عرقي وجرائم حرب.
تواطؤ الغرب.. وغياب الشرق
لكن الصورة القاتمة لا تكتمل دون النظر إلى الطرف الآخر من المشهد.. خذلان العالم العربي والإسلامي.
أكثر من 57 دولة عربية وإسلامية، تمثل أكثر من ملياري مسلم، لم تستطع حتى الآن صياغة موقف موحد أو ضغط حقيقي لوقف الإبادة في غزة.. لا عقوبات، لا قطع علاقات، لا مقاطعات اقتصادية، بل على العكس، تستمر بعض العواصم في تطبيع العلاقات وتقديم التسهيلات الاقتصادية والدبلوماسية للاحتلال.
في مقابل هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي، تُقدَّم غزة على مذبح المصالح، وسط مشهد مأساوي يعكس عمق التصدع في النظام العالمي، وازدواجية المعايير التي تحكم تفاعلاته.
أوروبا التي “تشهد” ولا تتحرك
ما قاله بوريل ليس جديدًا على الرأي العام العربي والإسلامي، لكنه جديد من حيث مصدره وتوقيته.. أن يُعلن مسؤول أوروبي – من داخل المؤسسة وعلى وقع مراسم أوروبية احتفالية – أن ما يحدث في غزة هو تطهير عرقي و”أكبر إبادة منذ الحرب العالمية الثانية”، فذلك يضع الحكومات الأوروبية في زاوية ضيقة يصعب الخروج منها دون خسائر أخلاقية وسياسية فادحة.
والأدهى من ذلك، أن الاعتراف بمصدر القنابل – أي أوروبا نفسها – يفضح التورط الممنهج والعميق في جرائم الحرب، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مسؤولية هذه الدول أمام محاكم العدل الدولية، ومستقبل خطاب “حقوق الإنسان” الذي لطالما رفعته القارة العجوز.
غزة التي لا تستسلم