المصدر الأول لاخبار اليمن

المساعدات “الإسرائيلية” في غزة: هندسة منظومة التهجير القسري وإعادة إنتاج لجريمة التجويع؟

تقرير/ وكالة الصحافة اليمنية//

 

 

بينما تتصدر الأزمة الإنسانية في قطاع غزة عناوين الأخبار العالمية، يعود كيان الاحتلال الإسرائيلي لطرح ما يسميه بـ”آلية جديدة للمساعدات الإنسانية” في خطوة توصف بأنها محاولة لتجميل الحصار وإدامته بدلًا من رفعه.

لكن خلف هذه المبادرة المعلنة، ترى المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان استراتيجية أكثر عمقًا: تثبيت الحصار، وإضفاء شرعية زائفة على التجويع الجماعي، وتوسيع السيطرة العسكرية تحت غطاء إنساني.

سيطرة كاملة على المساعدات

تقوم الخطة، كما سُربت تفاصيلها في تقارير إعلامية عبرية، على إنشاء مجمعات توزيع داخل القطاع، تديرها شركة أمريكية خاصة، فيما تتولى قوات الاحتلال الإسرائيلي حماية محيطها.. حيث يحصل الفلسطيني على طرد غذائي أسبوعيًا بعد اجتياز مناطق خاضعة بالكامل لإشراف الاحتلال.

هذه الآلية، وفق المرصد الأورومتوسطي، لا تستهدف تخفيف معاناة الفلسطينيين بقدر ما تعزز هيمنة كيان الاحتلال على مفاصل الحياة الأساسية.. تحديد نوع الغذاء، ومكان توزيعه، ومتى وكيف يصل، ولمن يُقدّم.. إنها منظومة تحكّم مشددة تُعيد إنتاج التجويع بصيغة إدارية تُعطي الانطباع بأن الاحتلال يقوم بواجبه الإنساني.

“المجمعات الإنسانية”.. إنقاذ أم تهجير مقنّع؟

المثير للقلق، بحسب المرصد، هو ما تخفيه فكرة “المجمعات” من تحولات ديموغرافية خطيرة.. فاختيار مواقع بعيدة لتوزيع المساعدات، واشتراط الوصول إليها، قد يدفع آلاف العائلات للنزوح القسري نحوها، ما يسهم في تفريغ مناطق سكنية بأكملها.

وهذا ما يصفه المرصد بـ”التهجير القسري تحت غطاء إنساني”، ويخشى أن يكون مقدمة لإعادة رسم الخريطة السكانية للقطاع وفق ما يخدم مخططات الاحتلال الإسرائيلي بالضم والسيطرة على قطاع غزة.

تسويق للمجاعة بدلًا من وقفها

 

المرصد الأورومتوسطي، لا يرى في هذه الخطة “حلاً”، بل نموذجًا لتطبيع الأزمة.. فطرد غذائي واحد في الأسبوع لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات الأمن الغذائي لعائلة محاصَرة منذ شهور.

بل إن الخطر الأكبر، كما يراه المرصد، هو أن هذه الكمية المحدودة تضفي شرعية زائفة على استمرار المجاعة، وتحرم السكان من التخزين أو أي هامش للتكيّف، ليبقوا دائمًا تحت رحمة قوافل محدودة، خاضعة لتقديرات الاحتلال الأمنية.

 

دور أمريكي في تغليف الحصار

 

التورط الأمريكي في الخطة لا يقل إثارة للقلق.. فمن إدارة الصندوق الدولي إلى إشراف شركة أمريكية خاصة، يبرز دور واشنطن ليس فقط كحليف عسكري وسياسي لكيان الاحتلال، بل كطرف مباشر في هندسة منظومة التجويع الجماعي.

وهذا، بحسب المرصد، يُحوّل الدعم الأمريكي من مجرد انحياز سياسي إلى شراكة فعلية في إدارة سياسة الإبادة الجماعية.

 

تفريغ دور “الأونروا”… وتكريس الهيمنة الإسرائيلية

 

لا تخفي الخطة نيتها إقصاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومؤسسات الإغاثة الفلسطينية والدولية.. بحجة “التحييد السياسي”، تُقصى الجهات ذات الكفاءة والخبرة، ليُفسَح المجال أمام منظومة أمنية – لوجستية خاضعة لكيان الاحتلال.

النتيجة: تفريغ القطاع من أدوات الحماية الفعالة، واستبدالها بهيكل يُدار بأوامر عسكرية، لا بمعايير قانونية أو إنسانية.

ما وراء الخطة: الضم الزاحف والمراقبة الدائمة

يرى المرصد أن ما يُسمى “آلية مساعدات” ليست إلا واجهة لفرض وقائع جديدة على الأرض: أحزمة أمنية، مناطق سيطرة دائمة، ومجمعات يمكن أن تتحول إلى ممرات لوجستية. وفي الخلفية، قاعدة بيانات تفصيلية تُجمع عن السكان، تُستخدم لاحقًا في الملاحقة والاستهداف، بما يعمّق الطابع البوليسي للسيطرة الإسرائيلية.

خطة “إسرائيلية” بـ”نكهة إنسانية”

ليست هذه أول مرة تُسخّر فيها المساعدات الإنسانية لتثبيت الاحتلال، لكنها – كما يقول المرصد – أخطرها من حيث الشكل والمضمون، لأنها تُقدَّم على أنها حلّ، بينما هي تكثيف للأزمة.

وفي ظل غياب مساءلة دولية فعالة، ومع انخراط واشنطن في تصميمها، تبدو الخطة كمحاولة لحفر أساس قانوني وأخلاقي جديد لحصار عمره أكثر من 17 عامًا.

وحسب المرصد، فان الإنسان في غزة لا يحتاج إلى صندوق دولي بيد الاحتلال، بل إلى رفع الحصار، ووقف المجاعة، ومحاسبة من يرتكب الجرائم لا من يُعيد تغليفها.

قد يعجبك ايضا