تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//
غزة هاشم والمعمداني…
غزة الطوفان العجائبية…
غزة البطولة والصمود الأسطوري…
غزة الرجال يصنعون المستحيل، ويؤسسون لمجدها، تقود عربها ومسلميها وتعلمهم كيف تكون المقاومة والصبر والتضحية.
قاتلت ببسالةٍ وصبرت وصمدت، وأسقطت أوهاماً ومخططات، وعرَّت نظم وحكام وشعوب أمتها ودينها، وكشفت بالبنان عسف النظام الانجلو ساكسوني وترهاته، والأكاذيب عن حقوق الإنسان والحيوان، وأعادت تأصيل مفاهيم وقيم الشرق الممارِسة لحقوق الإنسان، وفرضت الضوابط القيمية والأخلاقية للإيمان. وتنتزع بأرواح ودماء بناتها وأطفالها ونسائها وجوعهم، مكانةً لنفسها ولعربها، وتحجز لهم موقعاً تحت شمس الأمم والشعوب، مؤسِسَة ًفي المستقبل واتجاهاته.
غزة التي مازالت تقاتل منذ ١٩ شهراً، وتُفشِل أعتى قوةٍ جهنمية بأسلحتها وحقدها وعنصريتها، ومعها العالم كله شريكاً لعدوها بالصمت وبتسليح وتمويل وتموين وتذخير عدوها الهمجي. تعيش ساعاتٍ وأيام عصيبة، وما زالت مصرةً على القتال، برغم عسف حكام العرب وخياناتهم الفاضحة، وإغداقهم الأموال المهولة على ترمب، ويحجمون عن إسنادها ولو بموقف.
“ما النصر إلا صبر ساعة”
حكمةٌ حفظتها الأجيال، لكونها حقيقة الحروب ومقررة نتائجها، كأختها “آخر الليل أحلكه”، فمن صبر وانتظر الفجر سيكون له الحاضر والمستقبل.
في الجاري تعبيرٌ عن حجم ما يستشعره نتنياهو من تحولات قد تعصف بأية لحظة وتلقي به وبحكومته على مزابل التاريخ، وبذلك تلقي بكيانه في مهب الريح.
فهو القائل بلسانه؛ هذه حربٌ وجودية، إن هُزمنا فلا مكان لنا في المنطقة.
عوامل وعناصر الهزيمة كمؤشراتها واضحةٌ قاطعة لا لبس فيها.
ونكرر قولنا، إنَّ الحروب والمهزوم والمنتصر فيها يتقرر في النتائج لا في الأكلاف والمسارح والمسارات. والحرب باتت قاب أيامٍ أو أسابيع وتضع أوزارها. فإن صمدت غزة، ولو زاد التدمير فيها، وارتفع عدَّاد الشهداء والجرحى ستنتزع نصراً عبقرياً هائل الأهمية وعظيم النتائج.
تخيل يا رعاك الله؛ أنَّ الحرب انتهت، وقررت نتائجها هزيمةً مدويةً لإسرائيل ومعها العالم الانجلوسكسوني والنظام الرسمي العربي والإسلامي، وتردد محور المقاومة ولم يستمر بإسنادها إلا يمن الإيمان والحكمة، وقد تحققت هزيمة إسرائيل في حربها الوجودية بتضحيات غزة وقد تفردَّت بأسطورة الصمود والقتال.
قلنا والواقع يُصادق؛ أنَّ نتيجة الحروب تقررها البيئة الاستراتيجية وميزان القوى الكلي، لا المعارك التكتيكية، ولا خروج هذه الجبهة أو تلك من وحدة الجبهات، أو خذلان وانهيار هذه أو تلك من الجبهات والفصائل.
ميزان القوى الكلي بين عناصره ما أطلقته غزة من ظاهراتٍ تاريخية مؤسِسَة.. فحركة الطلاب والشباب في أمريكا غيرت من نتائج انتخاباتها، وهزمت هاريس واجهة لوبي العولمة والحروب صانع إسرائيل وداعمها.
وهذا التغيير الجوهري والحدي في توازنات أمريكا، سيؤدي الى تحولاتٍ نرصد بعضها في تقلبات العلاقة بين ترمب ونتنياهو، والتزام ترمب بوقف الحرب وإمداد غزة بالغذاء والدواء.
الحركة التضامنية من الشعوب الأوروبية، وأزمات أوروبا، وغالبها من تصنيع نخبتها المعولمة، بدأت تستشعر خطر وأعباء تبني إسرائيل وحربها التدميرية، وباتت النخب تتحسب لمستقبلها، بعد أن لحظت نتائج انتخابات ألمانيا وبريطانيا، والأزمة السياسية في فرنسا، وقد كان لغزة والحرب عليها دوراً محورياً في التبدلات الجارية.
غزة وصمودها وإنجازاتها العبقرية، دفعت الحكومات والنخب والبرلمانات إلى رفع الصوت، واتخاذ قرارات وإجراءات مؤداها عزلة وتخلٍ عن إسرائيل، وربما فرض عقوبات على مسؤوليها وعليها.
التحولات المتسارعة واتساع شقة الخلافات بين إسرائيل وأمريكا، وسقوط سردية إسرائيل، والأهم من هذه وتلك التوترات بين قبائل إسرائيل وتشكيلاتها السياسية والمجتمعية. والأكثر أهمية ما أصاب الاقتصاد والمجتمع من انهاك وأزمات بنيوية، وما ضرب الجيش من حالة ترهل وانعدام المعنويات وتصاعد التوترات ورفض الخدمة والأمراض النفسية والنقص في العديد والعجز عن التعويض.. وهذه لم تكن لتحصل إلا كنتيجةٍ للحرب، وصمود غزة وقتالها الاستبسالي وهي من علامات هزيمتها وقرب انتصار غزة ولو مدمرة وجائعة.
بيئة الحرب الاستراتيجية وميزان القوى الكلي بات محسوماً لصالح انتزاع نصرٍ عبقري لغزة، والمسألة أيام أو أسابيع.
نتنياهو يتبصر مستقبله وحكومته ودولته المظلم، ولا يرى شعاع في نهاية النفق الذي أدخل إسرائيل فيه، ويعرف التحولات ونتائجها، لهذا هو يضرب بكلِّ ما تبقى من قوة إسرائيل، ويستخدم كلَّ ما لديها من قنابل وصواريخ، ويستهدف كلَّ من يتحرك أو ما تبقى من أبنية، في محاولة يائسة لكسر الإرادة والصمود. ويعجز جيشه عن التقدم والاجتياح برغم حشوده وبرغم إعلاناته منذ أسابيع.
نتنياهو مذعور ومتحسب لمستقبله الاسود ولا شيء يمنعه من ارتكاب الكبائر فأيامه العادية كإسرائيل باتت معدودة
الفرصة وافرة، وغزة تعلِّم الصبر والصمود والقدرة الأسطورية على التضحية.
ورجالها قادرون، وحققوا، ومازالوا يقاتلون.
هي أيام وإن اشتدت فأسابيع.
لابدَّ لغزة أن تصبر وتتحمل، فقد ذهب الكثير وبقي القليل.
قدَّمت ما تعجز عنه الأمم والشعوب والقارات.
الدعاء والأمل؛ أن يخفف الله معاناتها، والدعوة أن يستيقظ عربها، وأن يتمثلوا بالأوروبيين أقلَّه، فلينهض أهلها وأنصار دينها.
الزمن يجري سريعاً، وغزة تستحق أن تنتزع نصرها العبقري، لتغير في عربها وعالمها.
فبقدر التضحيات تكون الإنجازات.. والأمل بالله وغزة عظيم.