المصدر الأول لاخبار اليمن

الصمود الأسطوري: إيران في مرمى النار.. لكنها واقفة لا تنكسر

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

في أعقاب الغارات الجوية المكثفة التي شنها سلاح الجو “الإسرائيلي” على مواقع عسكرية وعلمية في إيران يوم الجمعة الماضية، بدا أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تراهن على إحداث صدمة استراتيجية في قلب منظومة الردع الإيرانية.

إلا أن الساعات التي تلت الهجوم كشفت عن حقيقة مغايرة: دولة قادرة على امتصاص الضربات، إعادة التموضع، والاستعداد لجولة جديدة، دون أن تُظهر علامات انهيار أو تراجع.

 

اغتيال القادة

استهدفت الضربات الإسرائيلية الأخيرة مواقع يُعتقد أنها تضم منشآت بحث نووي وعسكري، وأسفرت – بحسب وسائل الإعلام – عن مقتل عدد من كبار القادة في الحرس الثوري وعلماء في البرنامج النووي.. غير أن طهران تعاملت مع الحدث بهدوء أعصاب محسوب.

 

هذه ليست المرة الأولى التي تُفقد فيها إيران كوادر استراتيجية في عمليات اغتيال مركزة؛ فقد سبق أن فقدت شخصيات بارزة مثل القائد العسكري قاسم سليماني والعالم النووي فخري زاده وغيرهم، لكنها أثبتت في كل مرة أنها بنت نظامًا مؤسساتيًا مقاومًا للهزّات، يحوّل الخسائر إلى دوافع لتعزيز البنية الأمنية والعسكرية، بدلًا من تفككها.

 

جاهزية دفاعية

الضربات الأخيرة جاءت في سياق تصعيد محسوب يسعى فيه الاحتلال الإسرائيلي – بدعم ضمني من واشنطن – إلى لجم القدرات الإيرانية، خصوصًا النووية والعابرة للحدود.. لكن طهران نجحت، على ما يبدو، في تجنّب فخ الحرب النفسية والإعلامية.

إذ نقلت وسائل إعلام رسمية أن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطت عددًا من الطائرات المسيرة، وجرى احتواء الحرائق الناتجة عن القصف دون تعطيل المنشآت الحيوية.

كما أعلنت قيادات عسكرية أن “أي عدوان إضافي سيقابَل بردود مباشرة على قواعد العدو أينما كانت”، في إشارة إلى جهوزية طهران للرد في عمق الأراضي المحتلة أو عبر حلفائها في الإقليم.

 

احتواء دون انكسار

في عمق المشهد، تعكس هذه التطورات استمرارية النهج الإيراني في مواجهة الضغوط المركبة.

فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وإيران تعيش تحت حصار اقتصادي خانق، شمل تصفير صادرات النفط، وعزل بنكي، وعقوبات على المصارف والتكنولوجيا، ومع ذلك لم ينهَر الاقتصاد الإيراني، بل تمكّن من الحفاظ على وتيرة إنتاجية داخليًا، وتوسيع نفوذه إقليميًا.

كما واجهت طهران على مدى سنوات حرب ظل معقدة، شملت تفجيرات نووية وعمليات اغتيال سيبرانية وجسدية، غير أن مؤسساتها العسكرية والعلمية واصلت التطور، ونجحت في تأهيل كوادر جديدة، وتحصين بنيتها الأمنية والاستخباراتية.

 

ما بعد الضربة

تشير تقديرات الأيام التي تلت العدوان الإسرائيلي على إيران فجر 13 يونيو الجاري إلى أن الضربة – رغم خطورتها – لم تُحدث تغييرًا جذريًا في ميزان القوى.. فإيران لم تُجَر إلى رد انفعالي، بل تعاملت معها ضمن قواعد “الردع بالاحتواء”، في انتظار اللحظة المناسبة للرد.

وفي المقابل، لا يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي تمكن من كسر الخطوط الحمراء الإيرانية أو تعطيل برنامجها النووي، بل قد تكون أعطت طهران مبررًا سياسيًا وشعبيًا لتعزيز مواقفها الدفاعية داخليًا، وشرعنة أي ردّ قادم إقليميًا.

 

صمود ممنهج

القراءة المتأنية لمسار الصراع خلال العقود الماضية تشير إلى أن صمود إيران لم يكن ناتجًا عن المناعة الآنية، بل عن بناء طويل الأمد لمعادلة الردع.

فالدولة التي نجت من انقلاب أميركي عام (1953)، وثورة (1979)، وحرب كيميائية طاحنة مع العراق (1980 – 1988)، واغتيالات وعقوبات ومقاطعة دبلوماسية، تملك اليوم منظومة قرار وسيطرة لا تعتمد على فرد، بل على شبكة مؤسسات مترابطة.

بل إن الرد الإيراني غالبًا ما يأتي بهدوء وتكتيك، من استهداف سفن، إلى عمليات سيبرانية، أو ضربات عبر حلفائها، بما يجعلها تحتفظ بقوة المبادرة دون الانجرار إلى حرب شاملة قد تخلّ بالتوازن الإقليمي.

ما بين طموحات الاحتلال الإسرائيلي في كبح التمدد الإيراني، وضغوط واشنطن لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات، وبين صمود إيران المدعوم برؤية استراتيجية قائمة على “الردع المتدرج”، يمكننا القول إن مشهد المواجهة الإقليمية دخل مرحلة أكثر تعقيدًا.

وإن كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قد أرسلت رسالتها بالنار في 13 يونيو، فإن طهران – كما عودتنا – قد تختار الرد بصبر استراتيجي، يوجع دون أن يَجر.

قد يعجبك ايضا