عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
في تحول استراتيجي يُعيد رسم ملامح القوة والنفوذ العسكري ويعكس تغير موازين القوى في المنطقة، كشفت التطورات الميدانية في الخليج وقبلها بأشهر في البحر الأحمر عن تراجع الهيمنة البحرية الأمريكية، في ظل نجاحات ميدانية حققتها قوات صنعاء ضد الأسطول الأمريكي، وتَحوّط واشنطن من الانخراط في أي مواجهة بحرية مباشرة مع إيران.
ووفق خبراء عسكريين ومراقبين إقليميين، تمكّنت قوات صنعاء خلال الأشهر الماضية، في معركة البحر الأحمر من توجيه ضربات نوعية ومباشرة لما لا يقل عن أربع حاملات طائرات أمريكية، من بينها “ترومان”، و”روزفلت”، و”أبراهام لينكولن”، ما أدى إلى إرباك استراتيجي في القدرات البحرية الأمريكية، ودفع واشنطن نحو اعتماد بدائل هجومية من الجو عبر قاذفات B-52، مع إهمال واضح للخيارات البحرية.
هذا التصعيد النوعي أحدث هزة استراتيجية في بنية الردع الأمريكية، وكسر السيف البحري الأمريكي، وفرض على واشنطن إعادة حساباتها العسكرية والسياسية في المنطقة.
المراقبون يعتبرون أن هذا الضعف الذي كشفته صنعاء في خاصرة البحرية الأمريكية، يُفسّر التردد الأمريكي في الانخراط بحرب بحرية مباشرة مع طهران، رغم تصاعد التوترات وتهديد المصالح الأمريكية في الخليج.
فبدلاً من نشر حاملات طائرات أو إظهار القوة التقليدية، لجأت واشنطن إلى التهديد من الجو عبر القاذفات بعيدة المدى B-52 وB-2، متجنبة الاقتراب من مضيق هرمز أو الساحل الإيراني، في مؤشر واضح على تحول استراتيجية الردع إلى الدفاع عن بعد، بدلاً من التورط في معارك بحرية خاسرة.
ويرى مراقبون أن هذا التحوّل في تكتيكات واشنطن، المتمثل في تهديد إيران بالاعتماد على القاذفات البعيدة بدلاً من حاملات الطائرات، يكشف حجم الضرر الذي لحق بأدوات الردع البحري الأمريكي في اليمن، ويُفسر في ذات الوقت ترددها في خوض أي مواجهة بحرية مع إيران، رغم التصعيد المتبادل في الخليج العربي بين إيران وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط، في تصريحات سابقة إن “واشنطن أحرقت كل أوراقها في اليمن”، متوعدًا بإسقاط طائرات B-52، وهو ما أعقبه مباشرةً طلب أمريكي بوقف إطلاق النار، وابتعاد غير مسبوق عن تقديم دعم مباشر لحليفتها “إسرائيل”، في خطوة اعتبرها محللون تراجعاً تكتيكيًا وإقرارًا بالهزيمة أمام محور مقاومة المشاريع الأمريكية “الإسرائيلية”.
وقد بدا التراجع الأمريكي جليًا، حين سارعت واشنطن إلى طلب وقف إطلاق النار مع صنعاء، وتراجعت لأول مرة عن دعمها المباشر لحليفتها “إسرائيل” منذ نشأتها، في خطوة اعتبرها مراقبون انسحابًا بأقل الخسائر قبل الهزيمة المدوية بهدف احتواء التصعيد، بعد أن أصبح البحر الأحمر “منطقة خطر” على القوات الأمريكية.
أما في الجبهة الإيرانية، فقد اتضح العجز الأمريكي بشكل صارخ، إذ بدت واشنطن أكثر حذراً في تعاملها مع طهران، وبالرغم من الضربات المتبادلة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، لم تجرؤ واشنطن على دفع حاملات طائراتها إلى مياه الخليج، واكتفت بعمليات مراقبة جوية أو تهديدات من مسافات بعيدة، في إشارة إلى خشيتها من تكرار السيناريو اليمني، أو أسوأ من ذلك، التعرض لهزيمة بحرية مباشرة من قبل القوات البحرية الإيرانية، المعروفة بتكتيكاتها غير المتناظرة والتهديدات الصاروخية الفعالة.
وتشير هذه التطورات إلى أن كلاً من صنعاء وطهران نجحتا في فرض معادلة ردع جديدة تقوم على استنزاف الخصم ومنعه من استخدام تفوقه التقليدي، في حين فشلت واشنطن في الحفاظ على تفوقها البحري في مناطق كانت سابقاً من صميم نفوذها العسكري والسياسي.
في المحصلة، تُظهر المشاهد المتراكمة من البحر الأحمر إلى الخليج أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على فرض هيمنتها البحرية في مناطق النفوذ التقليدية، وأن صعود اللاعبين الإقليميين من خارج المنظومة الغربية، مثل صنعاء وطهران، يعيد صياغة التوازنات العسكرية والردعية في الشرق الأوسط.