عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
لم يكن أحد يتوقع أن يكون أثمن ما وُجد تحت ركام أحد المنازل شمال غزة، ورقة صغيرة، خطّها طفل بخطٍ طفولي مرتجف، وتركها كأنها آخر ما يملك في هذه الدنيا.. كتب وصيته بالحبر الطري، وسط القصف والدمار، قبل أن يُستشهد مع عائلته، لم يطلب شيئًا.. فقط أن يُسدد دين صغير.
أنقى وصية في التاريخ
في ركنٍ موحش من ركام منزلٍ كان يومًا يعجّ بالحياة، عثرت فرق الإنقاذ على ورقة صغيرة، خُطّت بحبر لا يزال طريًّا، لكن كلماتها أثقل من كل ما كُتب في هذا العدوان الغاشم.. هذه ليست رسالة عابرة، بل صرخة نقية من قلب طفل، أودعها تحت الركام لتصل إلى العالم.. لكن العالم مشغول بصمته.
في تلك الورقة، كتب عمر بخطٍ طفولي يهزّ الوجدان: “أنا عمر الجماصي، عليّ دَين واحد شيكل من ولد اسمه عبد الكريم النيرب.. ساكن بشارع أبو نافذ.. وأنا يا أحبابي أحبكم وأتمنى أن لا تتركوا الصلاة.. وأن تحافظوا على قراءة القرآن والاستغفار”.
ليست بيانًا عسكريًا، ولا خطابًا سياسيًا، بل وصية طفلٍ اسمه عمر محمد الجماصي، طفل لم يكن يحمل سلاحًا، بل كان يحمل قلبًا نقيًا وروحٌ بريئة، ودَينًا بواحد شيكل، ورسالة حب وإيمان.
الطفل الذي لم يشغل باله بنفسه
في اللحظات الأخيرة، لم يفكر عمر في النجاة، ولا في الهروب، بل تذكر صديقه، وتذكر دينًا صغيرًا، وتوسل لأحبته أن لا يتركوا الصلاة.
أيعقل أن يحمل هذا القلب الصغير كل هذا النور؟ كأنما كان يشعر أن الرحيل بات وشيكًا، فاستودع الدنيا وديعة من نور، وذهب.
ورقة تحت الأنقاض
عمر طفل في عمر الزهور، لم ينجُ من القصف الذي دمر منزله، لكنه ترك أثرًا يفوق كل وصف.. وجد المنقذون الورقة على صدره، كما لو أنه كان يحميها بجسده الصغير، أرادها أن تصل، أراد أن يُسمع صوته، حتى لو خفت أنفاسه.
“وجدنا جسد الطفل عمر تحت الركام، لكن الورقة كانت على صدره، محفوظة بطريقة توحي وكأنه أراد إيصالها بأي ثمن”، يقول أحد أفراد طواقم الدفاع المدني، وهو يمسح دموعه.
“قرأنا الرسالة ونحن نبكي.. لم نحتمل حجم النقاء والوجع في كلمات طفلٍ لم يطلب سوى أن يُسدد دينًا صغيرًا، وأن لا تُترك الصلاة.”
شاهد على نقاء جيل يُباد
استُشهد عمر مع عائلته تحت أنقاض منزلهم شمال قطاع غزة، ولم يبقَ منه سوى هذه الرسالة التي تحوّلت إلى شاهدٍ على نقاء جيل يُباد بصمت، وشاهدٍ علينا، نحن الذين لم نحفظ له الحياة، ولا الدين.
رسالة تزلزل الضمائر