دمشق/وكالة الصحافة اليمنية//
رغم مرور أكثر من 4 أشهر على المجازر المروعة التي استهدفت مئات المدنيين في مناطق ذات غالبية علوية بالساحل السوري، ما تزال اللجنة التي أعلنت عنها الحكومة السورية المؤقتة برئاسة أحمد الشرع، تلتزم الصمت، وسط تصاعد الشكوك في نوايا التحقيق وجديته، واتساع رقعة القلق الشعبي من غياب المساءلة.
وكانت تلك المجازر قد وقعت في مطلع مارس الماضي، وظهرت تفاصيلها للعلن عبر مقاطع فيديو صادمة نشرها الجناة أنفسهم، دون محاولة لإخفاء وجوههم أو طمس معالم الجريمة، ما اعتُبر استخفافًا علنيًا بالقيم الأخلاقية وحقوق الإنسان.
في أعقاب تلك الحوادث التي خلّفت، بحسب تحقيق لوكالة رويترز نُشر في يونيو، ما يُقدّر بنحو 1500 قتيل من أبناء الطائفة العلوية، أعلن رئيس الحكومة الانتقالية أحمد الشرع عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، متعهدًا بنشر نتائج التحقيق خلال شهر واحد فقط.
لجنة دون نتائج
غير أنّ المهلة التي منحت للجنة انتهت دون تقديم أي نتائج أو توضيحات. وفي حين كان أهالي الضحايا ينتظرون بقلق، واصلت منظمات حقوقية، في مقدمتها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الكشف عن المزيد من حالات القتل والخطف التي طالت أبناء الطائفة العلوية، ما زاد من أعداد الضحايا، ومن حالة الغضب الشعبي تجاه صمت الحكومة المؤقتة.
في نهاية الشهر الأول، صدر قرار بتمديد عمل اللجنة لثلاثة أشهر إضافية، مع تأكيد أنها ستكون مهلة نهائية غير قابلة للتجديد. إلا أنّ هذا القرار لم يبدد القلق، بل فُسّر من قبل نشطاء ومراقبين بأنه محاولة لامتصاص الغضب الشعبي دون نية حقيقية لمحاسبة الفاعلين.
ومع حلول العاشر من يوليو الجاري، انقضت المهلة الموسعة دون أن تُصدر اللجنة أي بيان أو توضيح، وسط صمت رسمي مطبق من السلطات، ليبقى أهالي الضحايا في حالة انتظار مرير، ومعهم قطاع واسع من السوريين ممن يرون أن ما جرى يمثل منعطفًا خطيرًا في مسار العدالة الانتقالية.
قلق متصاعد
في الوقت ذاته، تتزايد الاتهامات الموجهة إلى ميليشيات موالية للحكومة المؤقتة، بل وإلى بعض الأجهزة الأمنية، بالتورط المباشر في عمليات القتل والخطف الممنهج، مستغلةً الانفلات الأمني واتساع دائرة الفوضى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
ويرى مراقبون أن ما يجري ليس مجرد حوادث معزولة، بل مؤشر على تصاعد التوتر الطائفي داخل المناطق الخاضعة للمعارضة، وتحوّل بعض الفصائل المسلحة إلى أدوات تصفية حسابات داخلية، بما يقوّض فرص الاستقرار أو الانتقال السياسي الحقيقي.
العفو الدولية تدخل على الخط
من جهتها، دعت منظمة العفو الدولية في بيان صدر بتاريخ 9 يوليو، رئيس الحكومة المؤقتة أحمد الشرع، إلى إعلان نتائج التحقيق فورًا، وضمان محاسبة جميع المتورطين، أياً كانت خلفياتهم أو مواقعهم.
وأكدت المنظمة أن من حق أسر الضحايا والرأي العام الاطلاع على المنهجية التي اتبعتها اللجنة، باعتبار ذلك جزءًا لا يتجزأ من مبادئ العدالة الانتقالية والشفافية. كما شددت على ضرورة نشر تفاصيل التحقيقات لضمان عدم تكرار هذه الجرائم، وردع أي أطراف قد تفكر بتجاوز القانون مستقبلاً.
العدالة المؤجلة
يشير ناشطون وحقوقيون إلى أن فشل اللجنة في أداء دورها، أو عدم الإعلان عن نتائج التحقيق، لن يُفسَّر إلا كنوع من التواطؤ أو التستر، ما يهدد بفقدان الثقة في المؤسسات الانتقالية، ويعمّق الشرخ الطائفي في مجتمع ما زال يعاني من آثار الحرب والانقسامات.
وفي ظل هذا الصمت المستمر، تبرز المخاوف من أن تكون المجازر قد دخلت طيّ النسيان، أو أن العدالة ستُؤجَّل مرة أخرى، ضمن مسلسل طويل من الإفلات من العقاب الذي طبع المشهد السوري منذ اندلاع النزاع.