من بين مئات الأسر النازحة من كرش وطور الباحة وتعز، الذين استقر بهم الترحال في العند بمحافظة لحج، هرباً من ويلات الحرب التي شارفت على دخول عامها الثالث، يستيقظ أحد النازحين من كرش، من ذوي الاحتياجات الخاصة، يومياً على وقع صراخ أولاده الثلاثة من شدّة الجوع، وبعد محاولاته الحثيثة لتلقينهم درساً في الصبر والتحمّل بثنائية الكلمات الحانية والحضن الدافئ، يتركهم وحيدين ليبدأ رحلة البحث عن لقمة عيش تسدّ رمقهم وتقوّي عودهم الهشّ، وتساعدهم على مواجهة البرد والحرمان.
لم يجد صابر عبدالرب علي، الذي تعيش زوجته معه، إلا التوجّه إلى أحد الأكشاك لبيع الصحف اليومية، يأخذ منها ما تيسّر من أعداد، ويرسم خارطة طريق تجوّله في مهمة بيعها، متحدّياً الإعاقة، واضعاً نصب عينيه محاولة الحصول على أكبر قدر من المال الحلال لشراء طعام لأولاده الذين ينتظرون قدومه إليهم بفارغ الصبر.صابر: والدي مشلول منذ أشهر ويموت أمام عيني
رغم الكبرياء الذي يميّزه والابتسامة التي تعلو قسمات وجهه، وهو «يطلب الله»، تحت هجير الشمس الحارقة أو في شدّة البرد القارص، يجد صابر صعوبة بالغة في كتم الآهات في صدره، وحبس الدموع كي لا تنهمر على وجنتيه، حيث يتحدث عن معاناته ومعاناة أفراد أسرته الصغيرة.
يقول صابر إن «كل المنظمات قامت بتسجيل النازحين ضمن كشوفات الإعانة، إلا أنا لم يتم تسجيل اسمي، رغم أني أعيل أسرة». يصمت صابر لثوان، بالكاد يستجمع قواه الذهنية والبدينة ليصرخ: «لكن اللصوص يقومون بتسجيل مقيمين على حساب النازحين، وكم مرة نتكلم ونرفع تقارير عن هذا العمل، إلا أنه لا مجيب، يأكلون باسم النازحين ونحن نتضوّر جوعاً».
يسلّم صابر أمره لله، يرضى بالمقدر بالمكتوب يعود ليرتدي ثوب الهدوء، ثم يكمل: «مع ذلك أذهب لأكتسب رزقاً من بيع الصحف، حتى البيت الذي أسكن فيه بالإيجار كل شهر أفكر كيف أجد فلوس لأسدد بدل الإيجار.. كل هذا والحرب لازالت تضرب طوقها على منازلنا التي هربنا منها إلى هنا لننكوي بجحيم المنظمات».
