في واحدة من أكثر العمليات العسكرية غموضاً وإثارة للجدل، لم تكن الـ 91 طائرة مسيرة التي استهدفت مقر إقامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في “نوفغورود” -الاثنين- مجرد تصعيد ميداني عابر، بل جاءت لتكشف عما يصفه مراقبون بـ “مؤامرة اغتيال” محكمة الأركان، نُسجت خيوطها بين منتجع “مارالاغو” في فلوريدا وغرف العمليات في كييف، مستخدمةً الدبلوماسية الرئاسية “ستاراً” لعملية تصفية سياسية وجسدية.
المكالمة القاتلة: رصد الموقع عبر “التقارب الزائف”
تشير المعطيات الميدانية إلى أن “نقطة الاتصال” التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ليلة الأحد-الاثنين، لم تكن لغرض “البحث عن السلام” كما رُوّج لها، بل كانت بمثابة “عملية استخباراتية” لتحديد الموقع الدقيق لبوتين.
ويرى خبراء أمنيون أن استمرار المكالمة الهاتفية، التي وصفها البيت الأبيض بـ “المفيدة والإيجابية”، وفّر للجانب الأمريكي والكيانات الاستخباراتية المرتبطة بها فرصة ذهبية لتثبيت إحداثيات الموقع الجغرافي للرئيس بوتين في مقر إقامته بمنطقة “نوفغورود”.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن تنطلق أسراب المسيرات الأوكرانية لشن الهجوم “عقب المكالمة مباشرة”، مما يعزز فرضية أن الاتصال كان “طُعماً” لضمان وجود الهدف في المربع المستهدف.
مثلث “مارالاغو”: ترامب وزيلينسكي وخطط “الزوال”
قبل الهجوم بساعات قليلة، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ضيافة ترامب بفلوريدا. هذا اللقاء الذي أثمر عن “اتفاق كامل بشأن الضمانات الأمنية”، يبدو الآن وأنه كان “ساعة الصفر” لتنفيذ مخطط الاغتيال.
وما يغذي هذه الفرضية هو الربط بين خطاب زيلينسكي في “عيد الميلاد” الذي تمنى فيه “الزوال” لخصمه، وبين التأكيدات الأمريكية المفاجئة بأن “أوروبا ستتولى الضمانات الأمنية”، وكأن هناك ترتيباً لإزاحة “العقبة الكبرى” (بوتين) من المشهد لفرض واقع سياسي جديد بقيادة ترامب.
رد الفعل الروسي: “الإرهاب الحكومي” ومراجعة المواقف
موسكو، من جانبها، التقطت خيوط المؤامرة سريعاً. فجاءت تصريحات مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، حازمة بوصف الحادث بأنه “إرهاب حكومي”.
ورغم محاولة ترامب إظهار “الصدمة” ووصف الهجوم بـ “العمل المجنون” في محاولة للتنصل من التبعات، إلا أن الكرملين أعلن بوضوح أن هذا الحادث “سيؤثر بلا شك على النهج الأمريكي في التعامل مع زيلينسكي”، في إشارة إلى إدراك روسيا بأن العملية لم تكن لتتم دون تنسيق تقني أو لوجستي عالٍ المستوى يتجاوز قدرات كييف المنفردة.
الخلاصة: هل انتهت قواعد الاشتباك؟
إن استهداف مقر إقامة رئيس دولة نووية في أعقاب اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي يمثل سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الدولية. وسواء كان ترامب شريكاً مباشراً في توفير “الغطاء” للعملية، أو أن زيلينسكي استغل بيانات الاتصال لتنفيذ مغامرته، فإن النتيجة واحدة: لقد تحولت الدبلوماسية من أداة لبناء السلام إلى وسيلة لتنفيذ “محاولات اغتيال” عابرة للحدود.
روسيا الآن، وبعد إحباط الهجوم وإسقاط المسيرات الـ 91، تتجه نحو “مراجعة جذرية” لمواقفها التفاوضية، حيث باتت تنظر إلى أي حوار قادم مع واشنطن وكييف ليس كمسار للسلام، بل كحقل ألغام استخباراتي يهدف إلى تصفية القيادة الروسية تحت ستار “المكالمات الإيجابية”.