المصدر الأول لاخبار اليمن

فاجأت الاحتلال.. قوات صنعاء تُربك الحسابات وتكسر الخطوط الحمراء

تحليل/ وكالة الصحافة اليمنية//

 

بينما كانت الأنظار تتجه نحو الجنوب اللبناني تحسبًا لانفجار مواجهة شاملة مع حزب الله، وتترقب صراع مفتوح بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت الذي اعتقد فيه الاحتلال الإسرائيلي أنه حسم ملف الجبهات الإقليمية الكبرى – من الجنوب اللبناني إلى سوريا وحتى العمق الإيراني – برزت جبهة اليمن كتحول استراتيجي غير محسوب، قلب طاولة التوازنات على حسابات حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية، وفرض معادلة ردع إقليمية جديدة، أعادت رسم خريطة المواجهة في العدوان المستمر على قطاع غزة.

ففي خضمّ الحرب العدوانية المستعرة على غزة، لم تكتف قوات صنعاء بإعلان موقف داعم، بل فتحت جبهة عملياتية فعالة قلبت موازين الصراع، ووسّعت ساحات الاستنزاف ضد الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه في البحر الأحمر.

فجأة، دخل اليمن معادلة الردع بقوة، واضعًا خطوطًا حمراء جديدة، ومجبرًا واشنطن وتل أبيب على التعامل مع جبهة لم تكن ضمن حساباتهم العاجلة، وهكذا، برز اليمن لا كحليف في محور المقاومة فقط، بل كقوة إقليمية فرضت حضورها الفعلي في قلب المعركة، وأعادت تعريف من هو الشريك الحقيقي في مواجهة المشروع الصهيوني.

 

اليمن جبهة فاعلة

 

فمنذ مطلع 2024، بات واضحًا أن قوات صنعاء انتقلت من موقع الدعم الرمزي إلى الفعل المباشر، عبر فتح جبهة جديدة انطلاقًا من سواحل البحر الأحمر استهدفت عمق المصالح الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر، وضرب العمق الاستراتيجي للاحتلال، ليس فقط عسكريًا، بل اقتصاديًا وسياسيًا، الأمر الذي دفع ناطق كتائب القسام “أبو عبيدة” إلى توجيه تحية استثنائية لليمن في خطابه الأخير، قائلاً: “نتوجه بالتحية لشعبنا العزيز في يمن الحكمة والإيمان، ولقواته المسلحة، ولإخوان الصدق أنصار الله” حد قوله، مؤكدًا أن هذه الجبهة “فرضت على العدو جبهة فاعلة أقامت الحجة على القاعدين والخانعين”.

ومنذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023، كانت أنظار الاحتلال تتجه إلى ثلاث جبهات أساسية: حزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، ثم إيران كفاعل رئيسي في محور المقاومة، أما صنعاء – رغم عضويتها الصريحة في هذا المحور – فلم تكن ضمن “بنك التهديدات العاجلة” في التقديرات الإسرائيلية.

ووفق تقديرات “إسرائيلية” كان ذلك خطأ فادحًا لحسابات الاحتلال ومن خلفه أمريكا والغرب؛ فبينما كان الاحتلال الإسرائيلي يستعد لتنفيذ حرب الشمال ضد لبنان وتدمير مقدرات الجيش السوري وضربة استباقية على منشآت إيرانية النووية، كانت الصواريخ والمسيّرات اليمنية تستهدف سفن الدعم اللوجستي لحلفاء الاحتلال الإسرائيلي، وتضرب موانئه وخطوط تجارته البحرية، وتشل حركة الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب، لتعود في العام الجاري لتفرض حصارًا جويًا بعد تهديد الملاحة في مطار “بن غوريون” في منطقة اللد.

بل إن صنعاء – بحسب تصريحات قيادات دبلوماسية وعسكرية يمنية – تلقت عروضًا أمريكية مغرية، تتضمن رفع الحصار عن اليمن ووقف الحرب مقابل وقف دعمها لغزة وعدم فتح جبهة البحر الأحمر.

لكن صنعاء، بحسب ما أفاد به قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، رفضت تلك المقايضات على حساب دماء الشعب الفلسطيني، وفضّلت خوض معركة الكرامة إلى جانب الشعب الفلسطيني، رغم التبعات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

 

معركة فرض الإرادة

 

في سابقة لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، نجحت صنعاء في أن تكون أول قوة إقليمية تُجبر واشنطن على الدخول في مفاوضات تهدئة مباشرة، بعد أن فشلت كل محاولات كسر دفاعاتها الجوية والبحرية.

وهذه ليست معركة رمزية أو مجرد رسائل نارية، بل حرب استنزاف استراتيجية بكل المقاييس، فقد أجبرت القوات الأمريكية على سحب حاملات الطائرات من البحر الأحمر وخليج عدن وبعض قواعدها في دول الخليج.

وتوقفت بفعل ضرباتها معظم خطوط الملاحة المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي عبر البحر الأحمر، وصولا إلى انهيار  السياحة في “إيلات”، وتضرر الاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من 15 مليار دولار حتى مايو الماضي، وفق تقديرات “إسرائيلية”، وصولًا إلى اضطرار واشنطن توقيع اتفاق تهدئة جزئي مع صنعاء في يونيو الماضي، بعد عجز تحالفها عن تحقيق أي تقدم ميداني يُذكر.

هذه النتائج النوعية وغير المسبوقة دفعت فصائل المقاومة، وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام، إلى التأكيد على أن “جبهة اليمن لم تكن فقط مساندة، بل فاعلة ومؤثرة، وأجبرت الاحتلال على إعادة تقييم استراتيجي شامل”.

 

فضيحة أخلاقية لأنظمة التطبيع

 

اللافت في الموقف اليمني – كما أشار أبو عبيدة – أنه “أقام الحجة على القاعدين والخانعين”، في إشارة إلى الأنظمة العربية التي اختارت الصمت أو التواطؤ، حيال المشاهد اليومية من المجازر والتجويع في قطاع غزة.

فبينما اكتفت معظم العواصم العربية ببيانات الإدانة الشكلية أو بيانات دعم إنساني، فتحت صنعاء جبهة قتال حقيقية خاضت فيها معركة مباشرة مع القوات الأمريكية و”الإسرائيلية”، ودفعت ثمنًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا، وقد مثّل ذلك إحراجًا بالغًا لمنظومة التطبيع، وكشف زيف الشعارات الداعية لـ “السلام الإقليمي”.

وهو ما يفسر الغضب الأمريكي و”الإسرائيلي” من التحركات اليمنية، وارتفاع وتيرة الغارات والتهديدات خلال الأشهر الماضية، والتي لم تفلح في كسر إرادة صنعاء أو تحييدها عن المعركة.

ورغم كثافة الغارات الأمريكية و”الإسرائيلية”، والتهديدات المتكررة، بقيت صنعاء ثابتة على موقفها، تؤكد في كل خطاب رسمي أنها لن تساوم على دماء أطفال غزة، ولن تتراجع عن دعم المقاومة حتى لو اشتعل البحر الأحمر بالكامل

 

معادلة ردع متعددة الجبهات

 

يؤكد محللون عسكريون وخبراء استراتيجيون في تصريحات لقنوات إخبارية إقليمية ودولية أن انخراط اليمن في الحرب الإقليمية يمثل تحولًا في طبيعة الصراع، أعاد تعريف مفاهيم الردع والتكافؤ الاستراتيجي، حيث لم تعد “مراكز القوة التقليدية” هي وحدها من تصنع المعركة، بل الإرادة والقدرة على توجيه الضرر الاستراتيجي للمصالح المعادية.

وباتت معادلة الردع الجديدة تعتمد على القدرة على تهديد المصالح الحيوية للعدو بعيدًا عن الجغرافيا التقليدية، والجرأة في اتخاذ قرار الاشتباك رغم الحصار والانكشاف السياسي، فضلًا عن التوازن بين الفعل العسكري والخطاب السياسي الأخلاقي.

وفي هذا السياق، بدا واضحًا أن قوات صنعاء تجاوزت منطق “الرد الرمزي”، إلى فعلٍ حقيقي أثّر على سير الحرب، وعلى معنويات العدو، وحتى على خطوط التموين والدعم الأمريكي والإسرائيلي، وأربك الحسابات اللوجستية والدبلوماسية للعدو، ووضع الاحتلال في حالة استنزاف لم يعهدها منذ حرب السادس من أكتوبر 1973.

 

آفاق المرحلة المقبلة

 

وبينما يخوض الفلسطينيون معركتهم الأسطورية في غزة ضد آلة الإبادة، شكّلت صنعاء جبهة ضاغطة أربكت حسابات الحلفاء الغربيين للاحتلال الإسرائيلي، وأعادت تعريف مفهوم “الشراكة في المقاومة”، وأحرجت كل المتفرجين على الهامش، بل يمكننا القول، إن اليمن لم يكن مجرد داعم، بل لاعبًا إقليميًا يُعيد هندسة توازنات المنطقة بقرار مستقل وإرادة صلبة.

قد يشهد البحر الأحمر في المرحلة المقبلة تحولات جديدة، وقد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام معادلة استنزاف طويلة الأمد، تقودها أطراف غير تقليدية، وغير قابلة للابتزاز أو الاحتواء، وفي المحصلة، أثبتت صنعاء أنها لم تكن فقط دولة داعمة، بل كانت شريكًا استراتيجيًا فرض على العدو معركة من نوع آخر، وجعل من البحر الأحمر خطًا أحمرًا جديدًا في المعادلة الإقليمية.

قد يعجبك ايضا