المصدر الأول لاخبار اليمن

80 ألف مريضا نفسيًا.. الحرب في غزة تفتك بجيش الاحتلال

تقرير/ عبدالكريم مطهر مفضل/ وكالة الصحافة اليمنية//

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، لم تقتصر آثاره على الدمار الهائل والخسائر في الأرواح بين الفلسطينيين فحسب، بل امتدت لتطال عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتحديدًا في المؤسسة العسكرية، وفيما تستمر آلة العدوان “الإسرائيلي” في الإجرام بحق الغزيين، ثمة معركة أخرى يعاني تبعاتها جيش الاحتلال غير أنها لا تُنقل عبر الشاشات، ولا تُخاض بالبنادق، بل تدور رحاها في أعماق النفوس.

إنها معركة جنود الاحتلال الإسرائيلي مع عدو لا يمكنهم رؤيته، لكنه ينهشهم من الداخل.. إنه الانهيار النفسي الجماعي الكبير.

في الوقت الذي تحتفي فيه القيادات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي بـ “إنجازات ميدانية” مشكوك فيها حتى في أوساط المستوطنين، تُظهر الإحصاءات والوقائع الميدانية صورة أكثر قتامة: “عشرات آلاف الجنود يعانون من اضطرابات نفسية، ومعدلات انتحار غير مسبوقة تضرب أركان الجيش، وسط اتهامات متصاعدة للحكومة بالتقصير، ونظام تأهيلي يتعامل مع المصابين كأرقام هامشية في تقارير مكتبية”، كما تنقل وسائل الإعلام العبرية.

 

سؤال غامض

 

ومع تفشي اضطرابات ما بعد صدمة حرب غزة وارتفاع معدلات الانتحار، يتكشف الواقع المظلم للعدوان العسكري، بين جيش يتهاوى نفسيًا، وعجز رسمي أمام جراح نفسية تنزف في الخفاء.

من شهادات الجنود المصابين، إلى بيانات رسمية متناقضة، ومن احتجاجات صامتة إلى نظام تأهيلي مشلول بالبيروقراطية، يستعرض هذا التقرير عبر شهادات ودراسات ومصادر رسمية، كيف تحولت الحرب على غزة إلى معركة أخرى أشد قسوة.. تدور هذه المرة في عقول الجنود الصهاينة لا في ساحات المعركة، ويفتح ملفًا مسكوتًا عنه: كيف يتآكل جيش الاحتلال من الداخل، تحت وطأة الصدمة، والخذلان، وعجز الحكومة الإجرامية؟

كما يكشف هذا التقرير، بالأرقام والوقائع والشهادات، كيف أصبحت اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والانتحار الجماعي، جزء من الواقع اليومي لجيش الاحتلال منذ اندلاع العدوان في 7 أكتوبر.. ومع تسجيل أكثر من 80 ألف إصابة نفسية، وارتفاع غير مسبوق في حالات الانتحار بين الجنود النظاميين والاحتياط لجيش الاحتلال، تبرز أسئلة خطيرة حول مدى كفاءة المؤسسة العسكرية في التعامل مع تداعيات حربها، ليس فقط على من تقاتلهم، بل على من تقاتل بهم.

 

أرقام تتحدث

 

أعلنت وزارة الحرب “الإسرائيلية”، أمس الأحد، عبر قسم التأهيل التابع لها، أن عدد الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية منذ اندلاع العدوان وصل إلى 80 ألف حالة، أي بزيادة 20 ألفًا عن ما قبل الحرب.. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 65% من هؤلاء من جنود الاحتياط.

المعطيات الصادمة هو ما كشفته تقارير إعلامية عبرية، في صحيفتي “هآرتس” و”كان”، عن أكثر من 10 حالات انتحار خلال أسبوعين فقط في يونيو الماضي، لترتفع الحصيلة الإجمالية إلى 19 حالة انتحار مؤكدة حتى يوليو الجاري، وهو رقم مرشح للارتفاع؛ نظرًا لتكتم الجيش المعتاد على هذه الحالات إلى حين نشر تقاريره السنوية.

بيروقراطية الموت

المصاب لا يملك 24 ساعة للانتظار”.. شهادات لجنود تركهم الاحتلال في مواجهة الانهيار

يصف “تساحي”، أحد قادة الاحتجاجات في صفوف المصابين النفسيين، واقع الجنود بكلمات حادة: “نحن نصرخ.. معركتنا هي ضد دائرة التأهيل”.

ويضيف في مقابلة إذاعية: “لا يُعقل أن يُقدم أكثر من 10 مصابين بصدمات على الانتحار خلال أقل من أسبوعين.. نحن نعيش في كابوس”.

ويكشف “تساحي”، وهو نفسه مصاب بصدمات نفسية منذ 30 عامًا ولم يُعترف بإصابته رسميًا إلا قبل 3 أشهر، أن البيروقراطية المعقدة تمنع آلاف الجنود من تلقي الدعم العاجل، قائلاً: “المصاب لا يملك 24 ساعة للانتظار.. نحن لا ننام.. نستيقظ على اختناق وكوابيس”.

 

قصة الجندي “دانيال إدري”، الذي أنهى حياته في يونيو الماضي، تلخص أزمة منظومة بيروقراطية الموت في الاحتلال الإسرائيلي.. تقول شقيقته، “إيدن كيدار”، في حديث إذاعي: “لقد طلب أن يُدخل إلى المستشفى، ولم يفعلوا له شيء.. لقد مات بينما كنا نحاول أن نطلب له المساعدة، لكن النظام كان يسير على وتيرته البطيئة”.

وأضافت: “الوضع غير قابل للاستمرار.. هذه ليست أول حالة، ولن تكون الأخيرة.. يجب أن تستفيق الحكومة، قبل أن نخسر المزيد”.

دراسة صادمة

دراسة أكاديمية: واحد من كل 8 جنود غير مؤهل عقليًا للعودة إلى الخدمة

في 8 مايو 2025، كشفت جامعة “تل أبيب” في دراسة حديثة أن 1 من كل 8 جنود “إسرائيليين” ممن قاتلوا في غزة يعاني من اضطراب نفسي حاد يجعله غير مؤهل للعودة إلى الخدمة.

وخلصت الدراسة إلى أن 12% من جنود الاحتياط الذين خاضوا القتال في قطاع غزة أظهروا أعراضًا حادة لاضطراب ما بعد الصدمة.

وأكدت الدراسة أن هذه الأعراض لا تزول سريعًا، بل تتراكم وتتفاقم إذا لم تتم معالجتها بجديّة وسرعة.

كل يومين حالة انتحار

800 طبيب نفسي لا يكفون.. و8.3 مليارات شيكل لم توقف الانتحار

في مؤتمر معرض موني “”MUNI EXPO 2025 في “تل أبيب”، اعترف “إيتمار غراف”، نائب المدير العام لوزارة الحرب، بالحجم “غير المسبوق” للضغط النفسي الذي يواجهه الجنود.

وأوضح “إيتمار” أن الوزارة تتعامل مع 80 ألف ملف نفسي، مشيرًا إلى تخصيص 8.3 مليار شيكل فقط لمعالجة جرحى الحرب، نصفهم يعانون من مشاكل نفسية.

وأضاف: “جنّدنا 800 طبيب نفسي، ووسعنا وحدات التدخل المدني لزيارة الجنود، لكن مع هذا الحجم الكبير من المصابين، للأسف هناك حالات انتحار تتزايد، وكل حالة تُعد فشلًا لنا”.

 

اضطراب ما بعد الصدمة

 

وفقًا لموقع “والا” العبري، فإن 1600 جندي أظهروا أعراض اضطراب ما بعد الصدمة منذ بداية 2024، 76% منهم عادوا للخدمة بعد تلقي دعم أولي.. لكن هذا لا يعني أن العلاج كان كافيًا، بحسب مختصين.

صحيفة “هآرتس” نقلت عن مصادر في جيش الاحتلال أن بعض حالات الانتحار وقعت باستخدام السلاح الشخصي داخل منازلهم أو مركباتهم. أحدهم أقدم على تفجير نفسه بقنبلة يدوية، في مشهد يلخص حجم الألم النفسي الذي بلغ ذروته لدى بعض الجنود.

رغم حرص قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي على إظهار الجبهة الداخلية متماسكة، إلا أن الحقائق تكشف عكس ذلك.

فالتقارير الواردة من “يديعوت أحرنوت” تشير إلى أن 170 ألف جندي احتياط تقدموا بطلبات للعلاج النفسي، وأن آلافًا لجأوا للعيادات الخاصة التي أنشأها الجيش.

وتقول الصحيفة إن ثلث المعاقين المعترف بهم حاليًا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن هذه “ليست سوى البداية”، متوقعة أن يظهر الحجم الحقيقي للكارثة النفسية “إذا توقفت المدافع”.

إخفاق مزدوج

الجيش” أخفق في الحرب على غزة وفي التعامل مع الجنود المصابين بصدمات حرب غزة

 

يرى محللون وزعماء وقادة صهاينة أن هذه الأزمة تمثل إخفاقًا مزدوجًا للمنظومة الإسرائيلية: فشلًا في تحقيق أهداف الحرب على غزة، وفشلًا أكبر في احتواء تداعياتها النفسية على الجنود، خصوصًا جنود الاحتياط الذين تُركوا يواجهون مصيرهم بعد العودة من ساحات المعارك.

ويقول الباحث في الشؤون العسكرية “يوسي ميلمان”: “إن جنودًا واجهوا قتالًا ضاريًا في بيئة عدائية معقدة مثل غزة، ثم عادوا ليُتركوا في صمت، دون دعم نفسي كافٍ، هم قنابل موقوتة داخل المجتمع”.

ومع اتساع رقعة الاحتجاجات، وازدياد الضغط الشعبي، يبدو أن حكومة الاحتلال لا تملك رفاهية الإنكار أكثر؛ فكل يومين هناك حالة انتحار، وكل مؤتمر يعترف بفشل، وكل جندي سابق يتحول إلى رقم في إحصائية قاتمة.

في المحصلة، ربما تكون النتيجة الأشد قسوة للعدوان الإسرائيلي على غزة، ليست في الدمار الذي خلّفته في القطاع فقط، بل في الانهيار الداخلي الذي تسببت به داخل مجتمع الاحتلال نفسه.. لقد بدأت الحرب خارج حدود “إسرائيل”، لكنها الآن تتسلل بهدوء إلى عقول جنودها وقلوب عائلاتهم.

قد يعجبك ايضا