يدور حديث – غير رسمي حتى الآن على الأقل – عن إمكانية عودة أحمد عفاش (نجل الرئيس الأسبق علي صالح) إلى المشهد السياسي اليمني، بفرضه من قبل الإمارات والسعودية على المكونات الموالية لها المعروفة بحكومة الرياض.
تبدو المسألة معقدة نوعًا ما، ومتعددة الأوجه، وتخضع لتطورات مستمرة، في ظل تضارب المصالح واستراتيجية التحالف المتباينة في ملف الحرب على اليمن.
الإمارات هي الحاضن الرئيسي لـ أحمد عفاش، منذ غادر اليمن، وربما تعتبره أبو ظبي ورقة أخيرة، في إطار تنفيذ أطماعها في اليمن؛ إلا أن ذلك قد يتعارض مع مصالح ما يعرف بـ “المجلس الانتقالي” المدعوم إماراتيًا، وكذا “مجلس القيادة الرئاسي” المدعوم من تحالف الحرب على اليمن، اللذان فرضا على المكونات السياسية المعادية لصنعاء.
لم يكن قبول “المجلس الانتقالي” بالعليمي في “مجلس القيادة” نابعًا من قناعة كاملة، بل كان نتيجة مجموعة من العوامل والدوافع المترابطة، نتيجة مصالح متعددة، كان أهمها الحصول على الاعتراف والموقع في السلطة.
الرهان على تحقيق اختراق
يراهن التحالف والموالين له في اليمن، على إمكانية تحقيق اختراقات أمنية ولوجستية ضد السلطة في صنعاء، وسبق للسعودية والإمارات، وحاليًا “إسرائيل” وأميركا تجنيد خلايا تعمل لصالحهم، من خلال رفع احداثيات لبعض المواقع المدنية والعسكرية، إضافة إلى عناصر حاولت خلخلة الوضع الأمني بتأجيج الوضع من الداخل.
وعلى الرغم من أن سلطة صنعاء تواجه تحديات كبيرة؛ إلا أنه من الصعب اختراقها أو تفكيك جبهتها الداخلية، حسب ما يتم التخطيط له، فقد تمكنت من فرض سيطرة أمنية كاملة، عرقلت الكثير من هذه المخططات، كما نجحت في كشف مختلف الأساليب التي من الممكن أن يتسلل منها أي طرف معادٍ إلى مفاصل الدولة أو التأثير على المواطنين.
تتمتع صنعاء بعمق استراتيجي مميز وتنوع سكاني نموذجي وحاضنة شعبية قوية، دعمت رؤية وتوجه السلطة والقوات المسلحة في مواجهة “إسرائيل ومن خلفها أميركا، وكذا وعملائهما في الداخل والمنطقة، ناهيك عن كون تطوير صناعة الأسلحة محليًا دون الاعتماد على السلاح الغربي، شكل حالة إيجابية، في خلق توازن قوى، وسيطرة ونفوذ مدعوم بالرجال والسلاح، لتمتلك صنعاء القدرة العسكرية والاستخباراتية في إفشال أي مخطط عدائي ضد اليمن وشعبه.
ولم يغفل الإعلام العبري هذه المميزات لدى سلطات صنعاء، فقد أشارت وسائل إعلام عدة إلى أن “إسرائيل” تواجه تحديات كبيرة في معركتها مع اليمن، أهمها البعد الجغرافي الذي يصل إلى 2000 كيلومتر، والتعقيد العملياتي ممثلًا بالتضاريس الجبلية الوعرة التي تلعب دورًا في صالح القوات المسلحة لصنعاء، ما يعصب عمليات المراقبة والاستهداف، كما يعترف الإعلام العبري بأن المؤسسة الأمنية والاستخباراتية الصهيونية تُعاني من ضعف في اختراق صفوف “أنصار الله”، وتتحدث عن سعي إسرائيلي للاستعانة بفصائل يمنية معادية لصنعاء من أجل إشغال الأخيرة عن مواجهة الاحتلال.
حزب الإصلاح.. عفاش عداء متجذر
لا يحمل حزب الإصلاح ومعه أحزاب اللقاء المشترك، أي رؤية متفق عليها فيما يخص عودة أحمد عفاش إلى المشهد السياسي في اليمن، فبالعودة إلى أحداث 2011 كان العداء بين عائلة عفاش وحزب الإصلاح قد بلغ أشده، اتهامات متبادلة بالفساد وخروج ضد عفاش في ساحات الثورة وتصدر مشهدها، ونعته بالفاسد حتى الإطاحة بنظامه ومن ثم المطالبة بمحاكمته وإعدامه.
وفيما لا يزال حزب الإصلاح يتخبط داخل اليمن، ما بين محاولات إثبات الحضور ومخاوف التدحرج خارج المشهد السياسي اليمني ببطء، فإن عودة أحمد علي عفاش تمثل تهديدًا لما تبقي من هذا النفوذ الممزق للحزب، أما بالنسبة لأحزاب اللقاء المشترك فإن عدائهم لأسرة عفاش اتضح جليا في 2011 حيث رفض منتسبو الأحزاب المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني في حال تواجد فيه أي فرد من أسرة عفاش، إضافة إلى أنهم في كثير من المرات اتهموا نجله أحمد بالفساد والاستبداد، معتبرين أن رجوعه إلى اليمن ستعيد البلاد إلى مربع الصراعات القديمة.
مفاوضات مباشرة
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد ألمحت قيادات إصلاحية بأن مصير أحمد عفاش سيكون مماثلًا لمصير والده، فيما كشفت تقارير خاصة أن هناك مفاوضات مباشرة بين حزب الإصلاح وطارق عفاش، ابن شقيق علي عفاش، تهدف إلى إضعاف فرص أحمد علي، في العودة من بوابة السياسة، بغرض إبقاء المؤتمر الشعبي العام منقسمًا لتعزيز نفوذ الإصلاح وتحالفهم مع طارق عفاش.
ومع اشتداد الخلاف غير المعلن بين طارق وأحمد، كشف القيادي في حزب الإصلاح وعضو “البرلمان اليمني” المقيم في تركيا، محمد الحزمي، في تغريدة على منصة “إكس” أن النقاشات الجارية بين الطرفين تبحث الوصول إلى توافق بين الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام” (مؤتمر المنفى)، معترفًا بوجود ما وصفها بـ ”أخطاء مشتركة” من الجانبين.
ويرى مراقبون أن الإصلاح يسعى لدفع طارق إلى صدارة المشهد بهدف إضعاف فرص أحمد علي، الذي تحاول أطراف إقليمية ودولية تهيئته للعودة بقوة إلى المشهد السياسي، خاصة في ما تسمى بـ “الشرعية”، من خلال فرضه بالقوة، تمامًا كما حصل سابقًا بفرض رشاد العليمي على رأس “مجلس القيادة الرئاسي، وهو الأمر لذي يخشاه حزب الإصلاح الذي يطمح للسلطة.
استنكار إصلاحي
القيادية البارزة في حزب الإصلاح توكل كرمان، لم تفوت فرصة توجيه النقد اللاذع لنجل عفاش، فقد قالت في تعليق حول ذلك إن أحمد علي تم انتخابه نائبًا لرئيس المؤتمر في صنعاء عقب مقتل والده ولم يرفض هذا المنصب ولا يزال فيه”، في إشارة إلى أنه محسوب على صنعاء التي يقف الإصلاح ضدها، غلى الرغم من إصدار المحكمة العسكرية في صنعاء حكمًا بإعدامه بتهمة العمالة والتعاون مع جهات معادية لليمن.
كما رفضت كرمان فكرة عودة أحمد عفاش إلى الواجهة السياسية في أي منصب، معتبرة أنه لا يصلح لأي دور أساسًا، كما سخرت من مستوى الترويج الإعلامي الذي صاحب حفل زفاف باذخ في مصر لشقيقه قائلة: “آل عفاش من جمهورية كان يملكونها إلى حفلة عرس في المنفى يباهون بها، سبحان المعز المذل، بما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير”.
وفي مايو 2022 هاجم حزب الإصلاح، “رئيس مجلس القيادة” رشاد العليمي، واتهمه بأنه يمارس دور المحلل لعودة النظام السابق إثر اعلان موافقته رفع العقوبات الدولية المفروضة على أحمد علي عفاش.
جاء ذلك على لسان أحمد الزرقة، مدير عام قناة بلقيس التابعة للجناح اليساري في حزب الإصلاح، وعبر الزرقة، عن استنكار الحزب تصريحات نُسبت إلى العليمي تضمنت الموافقة على مطالبة مجلس الأمن برفع العقوبات عن أحمد عفاش.
فيما رد مصدر مسؤول بمكتب أحمد عفاش في العاصمة الإماراتية أبو ظبي على تلك الانتقادات بشكل لاذع، وصف فيه شباب ثورة 11 فبراير، التي أطاحت بنظام والده والمكونات السياسية التي شاركت فيها وفي مقدمهم حزب التجمع اليمني للإصلاح وأحزاب اللقاء المشترك، بأنهم “كلاب مسعورة” ولهم “مقاصد وغايات سيئة”.
مصير عفاش