حمل الأمس حدثًا غير عادي، عندما اخترق صاروخ يمني فرط صوتي “مزوّد برؤوس متعددة” كما وصفه الاحتلال، الأجواء “الإسرائيلية”، إذ لم يكن الصاروخ اليمني تقليديًا، كما لم يتم إسقاطه، وإن حاولت الرواية “الإسرائيلية” التضليل بذلك، بل كان إعلانًا صريحًا عن دخول سلاح متطور إلى ساحة الصراع. سلاح جعل وسائل الإعلام العبرية نفسها تتحدث عن فشل دفاعات “تل أبيب” أمام قدرات لم تكن في الحسبان.
توصيف يكشف حالة الإرباك
إذاعة الجيش “الإسرائيلي” قالت إن الصاروخ “تفكك” في الجو، وهو ما دفع سلاح الجو إلى إطلاق صواريخ اعتراضية لمحاولة تدمير أجزائه، مضيفة أن المؤسسة “الدفاعية” تحقق فيما إذا كان الصاروخ الباليستي اليمني الذي أُطلق الليلة الماضية يحمل رأسًا حربيًا انشطاريًا”.
هذا التضارب في التوصيف يكشف حالة الإرباك العميقة داخل المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” خاصة أن الأمر يتعلق بسلاح لا يملك الاحتلال عنه معلومات دقيقة لدى أجهزة الاستخبارات.
والحقيقة هي أن الصاروخ اليمني الذي أطلقته صنعاء مساء أمس الجمعة على الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة لم يتفكك في الجو، وهو ينتمي إلى فئة الصواريخ الفرط صوتية، متعددة الرؤوس المزودة بتقنية ” MIRV”، وهذه التقنية تعني أن الصاروخ الواحد يمكن أن يحمل عدة رؤوس حربية تنفصل عند الاقتراب من الهدف، بحيث يتجه كل رأس نحو موقع مختلف، ما يخلق أمام الدفاعات الجوية معضلة حقيقية؛ إذ لا يكفي اعتراض الرأس الأول أو الثاني لنجاح الاعتراض لأن بقية الرؤوس تتساقط على أهداف متعددة في وقت متزامن.
إضافة جديدة للمعادلة
على المستوى العسكري، يمثل دخول هذا السلاح إلى ساحة المواجهة تحولاً استراتيجيًا، فـ “إسرائيل” التي لطالما اعتمدت على تفوقها التكنولوجي في بناء منظومات مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” و”حيتس”، تجد نفسها اليوم أمام تهديد لا تتوافر لديها حلول عملية لمواجهته، سواء بواسطة دفاعاتها أو تلك التي زرعها الغرب لحماية “إسرائيل”.
الأنظمة الحالية صُممت لاعتراض الصواريخ ذات المسار المحدد، بينما الصواريخ الفرط صوتية متعددة الرؤوس قادرة على المناورة وإرباك الرادارات وتعطيل القدرة على الحساب المسبق لمسارها، وهذا يعني أن أي مواجهة واسعة مقبلة قد تضع العمق الإسرائيلي” في حالة إرباك دفاعي كامل، وهذا ظهر واضحًا مساء أمس.
فهل باتت صنعاء بالفعل تمتلك هذه النوعية من الصواريخ؟ بالعودة إلى الأمس القريب نجد أن صنعاء سبق أن استخدمته في عملية استهدفت “إسرائيل” قبل حوالي ثلاثة أشهر، لكن الفارق الجوهري هذه المرة أن الصاروخ بدا أكثر تطورًا وفاعلية، ما يشير إلى أن صنعاء أجرت تحسينات تقنية جوهرية استنادًا إلى التجربة السابقة، ونجحت في رفع مستوى دقة الإصابة وفاعلية الرؤوس الحربية.
تهديد استراتيجي مضاعف
الصواريخ متعددة الرؤوس تعني أن على “إسرائيل” إطلاق عدة صواريخ اعتراضية مقابل كل رأس حربي، وهذا يضاعف التكلفة بشكل هائل، خاصة أن تكلفة الصاروخ الاعتراضي الواحد تتجاوز المليون الدولارات، إضافة إلى ذلك، فإن القدرة على فصل الرؤوس الحربية وتوجيهها نحو أهداف متفرقة تجعل من الصعب على الاحتلال “الإسرائيلي” حماية منشآته الحيوية كافة، سواء كانت قواعد عسكرية، أو مراكز قيادة، أو بنى تحتية حساسة كالموانئ والمطارات.
وفيما إذا استمرت صنعاء في تطوير هذه النوعية من الصواريخ، فإن “إسرائيل” ستكون أمام تهديد استراتيجي متصاعد، يتجاوز مجرد خسائر مادية إلى أزمة ثقة داخلية في جدوى الدفاعات الجوية.
ومع كل صاروخ يمني جديد، تتأكد حقيقة أن معادلة الردع في المنطقة لم تعد حكرًا على “تل أبيب” بل باتت موزعة بين أطراف إقليمية متعددة تمتلك الإرادة والسلاح، ما يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الصراع الإقليمي، لا تشبه أي مرحلة سابقة.