في دراما سياسية وإنسانية تتكشف خيوطها على مشارف أبين، تتعقد قصة طريق “عقبة ثرة” التي تحول من شريان حياة يربط لودر بمكيراس إلى ساحة لتنازع النفوذ بين قوى وأدوات الإمارات والسعودية.
بينما تشتد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإعادة فتح هذا الممر الحيوي، يتصاعد التوتر مع وصول تعزيزات عسكرية جديدة تابعة لقوات ما يعرف بـ “المجلس الانتقالي” المدعوم إماراتيًا، قادمة من عدن، لتزيد من حالة الاحتقان بدلاً من تقديم الحل، لاسيما حيث تتداخل فيه مصالح القوى المسلحة المدفوعة بإرادة وصاية خارجية مع معاناة المواطنين.
صدمة المدرعات في مواجهة المطالب الشعبية
وسط أصوات الأهالي المطالبين بالحرية في التنقل، جاءت ردة الفعل العسكرية صادمة. مصادر محلية أكدت أن التعزيزات شملت آليات عسكرية ثقيلة وجنوداً انتشروا في مناطق أسفل العقبة، في مشهد يُبشّر بالمزيد من العسكرة بدلاً من التهدئة. هذا الانتشار لم يُفهم على أنه استجابة لتأمين الطريق، بل كإظهار للقوة، وتأكيد لسياسة فرض السيطرة على حساب الاحتياجات الإنسانية. ناشطون اعتبروا أن فتح الطريق لا يحتاج إلى مزيد من المدرعات والمجنزرات بقدر ما يحتاج إلى قرار سياسي جريء، يضع مصالح الناس فوق أي حسابات أخرى.
تسبّب إغلاق “عقبة ثرة” منذ سنوات في كارثة إنسانية واقتصادية، فآلاف المواطنين حُرموا من التنقل الطبيعي، وتكبّد التجار خسائر فادحة، فيما أجبر المرضى والطلاب على تحمل مشقة طرق بديلة طويلة ووعرة. هذا الإغلاق، الذي تحوّل إلى سيف مسلّط على رقاب الأهالي، أثار مخاوف من تحول المنطقة إلى بؤرة صراع جديدة، خاصة مع غياب الحلول الجادة خاصة من قبل تلك السلطات التي يُنظر إليها على أنها تكرّس الحضور الأمني والعسكري بدلاً من الاستجابة للمطالب الخدمية والإنسانية.
مبادرات السلام في مرمى التعطيل
في سياق متناقض، شهدت الساحة اليمنية مبادرات إنسانية لفتح الطرق، أبرزها مبادرة “الرايات البيضاء” التي أسفرت عن فتح طريق الضالع – إب. هذا التطور ألقى بظلاله على قضية “عقبة ثرة”، حيث تصاعدت الدعوات الشعبية والرسمية للمطالبة بخطوة مماثلة في أبين. القيادي السابق في مديرية لودر، أحمد علي القفيش، أشار إلى أن فتح طريق الضالع يُحسب للجهات المعنية، ودعا إلى الإسراع بفتح طريق “عقبة ثرة” لما له من أهمية إنسانية واجتماعية، خاصة في ظل تمزق النسيج الاجتماعي بين أبناء قبيلة العواذل الموزعين بين لودر ومكيراس.
وعلى الجانب الآخر، أظهرت قيادة صنعاء موقفًا مختلفًا تجاه الأزمة، ففي يوليو 2025، افتتح محافظا أبين صالح الجنيدي والبيضاء عبدالله إدريس في سلطة صنعاء، إلى جانب مدير مديرية مكيراس ياسر جحلان، طريق “عقبة ثرة” من جانبهم.
عكس التحرك التزامًا واضحًا بتخفيف معاناة المواطنين، وقد أكد محافظ البيضاء أنه تم إزالة مخلفات الحرب دعماً للمبادرة، فيما أعرب محافظ أبين عن أمله في استجابة الطرف الآخر لهذه الخطوة الإنسانية.
من المسؤول عن الإغلاق؟
تعد طريق عقبة ثرة مكيراس من أكثر الطرق صعوبة في العالم لكثرة منعطفاته، وقد تم شقه في مطلع ستينات القرن الماضي وتبلغ متعطفاتها 52 منعطفًا. وكانت عقبة ثرة وعرة وضيقة وقد تم إعادة تأهيلها وتوسعتها واختصار كثير من منعطفاتها في عام 1988. لكنه أغلق منذ عام 2015 وتسبب في صعوبات كبيرة في التنقل بين أبين والبيضاء، إضافة إلى عرقلة الحركة التجارية بين المحافظتين وتفاقم معاناة السكان، في ظل غياب بدائل آمنة ومختصرة للسفر والتنقل. وسيسهم فتحها في تخفيف معاناة المسافرين الذين يضطرون للعبور عبر طرق فرعية وبديلة طويلة ووعرة.
وبينما تتصاعد المطالب الشعبية باستكمال فتح الطريق، تتباين الروايات حول المسؤولية. الصحفي فتحي بن لزرق، وفي منشور حاد على حسابه في منصة فيسبوك، يكشف أن العرقلة ليست فنية أو أمنية بالضرورة، بل هي سياسية بامتياز، وضع النقاط على الحروف، أن تعطيل فتح الطريق سببه السلطات المحلية في محافظة أبين.
وشدّد على أن الجانب الآخر في مديرية مكيراس ومحافظة البيضاء قد تجاوب وسهّل كل الإجراءات المطلوبة، مشيرًا إلى أن تحركات سلطات أبين التابعة للتحالف كانت مجرد “ذر للرماد في العيون”.
ويأتي هذا الكشف بالتزامن مع تحركات عسكرية لفرق نزع الألغام التي بدأت مهامها تمهيداً لفتح الطريق، وهو ما يُعد جزءً من اتفاق محلي لإعادة تأهيل الممر الحيوي. هذه الخطوات، رغم إيجابيتها، تبدو وكأنها تصطدم بجدار من التعنت، ما يثير الشكوك حول النوايا الحقيقية وراء إرسال التعزيزات العسكرية من قبل ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم اماراتياً.
في النهاية، يبقى مصير “عقبة ثرة” مُعلّقاً بين رغبة الأهالي في العودة إلى حياتهم الطبيعية، وبين لعبة التوازنات السياسية والعسكرية، لاسيما وقد أصبح اليوم رمزاً لمعاناة وطن بأكمله، حيث يُترك المدنيون في مرمى صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وتتحول الطرق إلى خطوط تماس تُحدّد مصير الحياة والموت. إنها قصةٌ تُخلِّد الحصار والخوف والموت، في ظل صمت الطرق المغلقة وألغام الكراهية التي تنتظر من يرفع عنها الغطاء.