المصدر الأول لاخبار اليمن

كيف تحول الردع اليمني إلى مأزق عسكري إسرائيلي؟

تقرير | وكالة الصحافة اليمنية

 

محطة كهرباء حزيز .. محطة شركة النفط في شارع الستين، هما الهدف الاستراتيجي الذي هرعت لقصفهما أسراب طائرات العدو الصهيوني في اعتداء سافر شكل فعلاً انتقامياً موجهاً ضد المدنيين. هذا الاعتداء، الذي يمثل حلقة جديدة في مسلسل العقاب الجماعي، لم يأتِ من فراغ، وإنما كان انعكاساً مباشراً لحالة الألم والقلق التي تعصف بالكيان الإسرائيلي المؤقت، والذي وجد نفسه في مواجهة غير متوقعة مع الموقف اليمني الثابت والداعم للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة.

 

المشهد من قلب الحدث

مساء الأحد، انبعثت ألسنة اللهب والدخان من محطتي الكهرباء والنفط في العاصمة صنعاء، لتعلن عن جريمة إنسانية جديدة. وفي قصة تروى على لسان شاهد عيان، ظهر عصام المتوكل، المتحدث باسم شركة النفط اليمنية، في بث مباشر من أمام محطة الوقود المستهدفة، بعد أن تمكنت فرق الدفاع المدني من إخماد الحريق. بلهجة تحمل مرارة الموقف، قال المتوكل إن “الوقود الذي استهلكته طائرات العدو للوصول إلى اليمن واستهداف محطة الوقود أكثر من كمية الوقود الذي كان بداخل خزانات المحطة المستهدفة”؛ جملة مكثفة تختزل حجم العبث والوحشية في هذا الهجوم.

كانت الكارثة الإنسانية تتكشف مع كل دقيقة تمر. أعلنت وزارة الصحة في صنعاء عن حصيلة أولية صادمة: استشهاد مواطنين اثنين وإصابة 35 آخرين. وهي أرقام مرشحة للزيادة مع استمرار فرق الإنقاذ في عملها. هذا الهجوم، الذي استهدف منشآت حيوية تغذي المستشفيات والمنازل، كشف عن إستراتيجية ممنهجة لعرقلة الحياة اليومية وإحداث الفوضى، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية.

 

جريمة حرب لا تسقط بالتقادم

لم يكتف الهجوم بالمساس بالأرواح والممتلكات، بل تجاوز ذلك ليضرب بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية. وحسب ما أكده مركز عين الإنسانية، فإن استهداف المنشآت المدنية والحيوية، وعلى رأسها محطات الكهرباء والوقود، يُعد خرقاً واضحاً وصريحاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، وخصوصاً المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف. ويُشدد المركز على أن هذه الهجمات تشكل جرائم حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كونها تستهدف المدنيين بشكل مباشر ودمرت منشآت لا صلة لها بالأهداف العسكرية.

في ظل هذا المشهد، تبرز مسؤولية المجتمع الدولي، ومجلس حقوق الإنسان، والأمم المتحدة، التي تطالب بفتح تحقيق دولي عاجل في هذه الجريمة وسائر جرائم العدوان بحق اليمن. كما يقع على عاتق المنظمات الحقوقية والإنسانية مسؤولية قانونية وأخلاقية في وقف هذه الانتهاكات الجسيمة، والعمل على محاسبة مرتكبيها باعتبارها جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.

 

قلق إسرائيلي متزايد

العدوان مثل رد فعل هستيري على الموقف اليمني الثابت والداعم للمقاومة الفلسطينية في غزة. وبحسب رابطة علماء اليمن، فإن هذا العدوان “يعبر عن حجم الألم والقلق الذي يعيشه الكيان الإسرائيلي المؤقت جراء العمليات اليمنية”. وتؤكد الرابطة أن “العدوان الإسرائيلي الهستيري على اليمن لن يثني شعبنا وقيادته وقواته المسلحة عن الاستمرار في مناصرة غزة”.

القلق الإسرائيلي أقرّت به شخصيات عسكرية إسرائيلية رفيعة. ففي تصريح يكشف عمق الأزمة، قال اللواء أليعازر ماروم، القائد السابق للبحرية الإسرائيلية، في حديث لإذاعة 103FM العبرية، إنه على “إسرائيل” أن تتذكر دائماً أن “اليمنيين لديهم القدرة على إنتاج الصواريخ”. وشدد على ضرورة “التعامل مع الساحة اليمنية الآن” بفتح جبهة مباشرة، وهو ما يعكس المأزق الإسرائيلي المتفاقم في التعامل مع الجبهة اليمنية النشطة.

 

تحول إستراتيجي في المواجهة

في تطور عسكري حاسم، أقرّت مصادر عسكرية إسرائيلية لـ”موقع واللا” العبري بأن صاروخاً يمنياً أُطلق مؤخراً شكّل تحدياً غير مسبوق أمام منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية. التحقيقات الإسرائيلية الأولية رجّحت أن الصاروخ كان مزوداً برأس قتالي ينشطر إلى عدة ذخائر صغيرة قبل وصوله إلى الهدف، وهي طبيعة معقدة أربكت عملية اعتراضه. وأقرّت قناة “آي 24 نيوز” الصهيونية بأن خمسة صواريخ اعتراضية من أنظمة مختلفة، بما في ذلك “القبة الحديدية” و”حيتس” و”مقلاع داوود” و”ثاد”، انطلقت لاعتراض الصاروخ اليمني الواحد، ولكنها فشلت في مهمتها، مما أدى إلى سقوط أجزاء صاروخية بالقرب من مطار “بن غوريون”.

هذا التطور يعكس تنامي القدرات المحلية اليمنية في تطوير وإنتاج صواريخ تعد معقدة في انتاجها واعتراضها، في ظل عجز أمريكي-إسرائيلي مشترك عن توفير مظلة دفاعية محكمة. ويؤكد التحليل العبري أن هذا التحول الإستراتيجي يعني أن منظومات الدفاع الإسرائيلية “لم تعد قادرة على ضمان القدرة على الاعتراض وحماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية”.

 

تداعيات الضربات اليمنية

لم تقتصر الضربات اليمنية على الجانب العسكري، بل امتدت لتُلقي بظلالها على الاقتصاد الإسرائيلي، كاشفة عن هشاشة منظومة كانت تُعتبر في يوم ما صلبة. في مشهد درامي، أعلنت شركة “زيم” الإسرائيلية العملاقة للشحن البحري عن انهيار أرباحها بنسبة صادمة بلغت 94% خلال الربع الثاني من عام 2025. ورغم محاولات الإعلام الإسرائيلي إلقاء اللوم على عوامل خارجية، إلا أن تحليلاً معمقاً للقوائم المالية يُظهر أن السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار هو الحصار البحري الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية على الموانئ والسفن الإسرائيلية. هذا الحصار لم يؤدِ فقط إلى تراجع الإيرادات، بل أجبر الشركة على إعادة توجيه مسارات شحنها، مما أدى إلى زيادة فلكية في التكاليف.

تداعيات الحصار امتدت لتطال قطاعات حيوية أخرى. فقد شهد مطار “بن غوريون” انخفاضاً كارثياً في حركة المسافرين بنسبة 41.79% خلال الفترة من يونيو 2024 إلى يونيو 2025، مما أدى إلى استقالة الرئيسة التنفيذية لشركة “العال” في مشهد يعكس عمق الأزمة. حتى شركة “السكك الحديدية الإسرائيلية” لم تسلم من الأزمة، حيث انخفض صافي أرباحها بنسبة 35% في النصف الأول من عام 2025، نتيجة لتعطل سلاسل التوريد وارتفاع التكاليف، إلى جانب مشاكل هيكلية داخلية.

 

“أكبر عدوان إسرائيلي” يتعرض للفشل

في تطور مفاجئ يُضاف إلى سردية الصمود، كشف العميد محمد الشريف، مستشار وزارة الدفاع في حكومة صنعاء، عن نجاح الدفاعات الجوية اليمنية في إحباط ما وصفه بـ”أكبر عدوان إسرائيلي” استهدف العاصمة صنعاء وعددًا من المحافظات. في تصريح لوكالة الصحافة اليمنية، أكد الشريف أن الرادارات اليمنية رصدت ما بين 35 إلى 36 طائرة حربية إسرائيلية حاولت التسلل إلى الأجواء اليمنية.

ويضيف الشريف أن الدفاعات الجوية اليمنية تمكنت من تحييد عشرات الطائرات، وأن 14 طائرة فقط تمكنت من الاقتراب من المحافظات اليمنية، نفذت ثلاث منها اعتداءات على خمسة مواقع مدنية في صنعاء قبل أن تغادر تحت ضغط الدفاعات الجوية. كما أشار إلى أن بقية المقاتلات فشلت في تنفيذ مهامها، مرجحًا سقوط عدد منها في البحر الأحمر.

وأكد الشريف أن هذا الإنجاز العسكري يعكس التطور النوعي في الصناعات العسكرية اليمنية، وأن العدوان الأخير، الذي وصفه بـ”الاستهداف العبثي” للمقدرات المدنية، يكشف عن إفلاس العدو الصهيوني. في رسالة واضحة، قال الشريف إن “ما تزال الدفاعات الجوية في طور التطوير، وما حدث هو مجرد بداية، والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، وما رأى العدو منا حتى الآن ليس سوى اليسير، والقادم أعظم”.

 

“معاريف” تكشف عن تهديد الصواريخ

في تأكيد إضافي للتطور العسكري اليمني، كشفت صحيفة “معاريف” العبرية عن أن الطائرات الإسرائيلية تتعرض لتهديد صواريخ الدفاعات الجوية أثناء تنفيذها عمليات في اليمن. هذا الاعتراف من الإعلام الإسرائيلي يؤكد صحة تصريحات العميد الشريف ويعكس حجم القلق الإسرائيلي المتزايد من تنامي القدرات الدفاعية اليمنية.

في النهاية، بين جريمة العقاب الجماعي في صنعاء، وتنامي القدرات العسكرية اليمنية، والضربات الاقتصادية الموجعة التي تتكشف آثارها يومًا بعد يوم، تتشكل صورة معقدة لواقع جديد في المنطقة. فهل ستستمر سردية الصمود اليمني في قلب هذا المأزق، أم أن هذه التطورات ستدفع المنطقة إلى مسار آخر؟

 

قد يعجبك ايضا