يكشف المسار الدبلوماسي للمبعوث الأمريكي توم برّاك، خلال شهري يوليو وأغسطس 2025، عن أجندة واضحة تضع نزع سلاح حزب الله كأولوية قصوى، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة دوره كوسيط وموقفه من سيادة لبنان.
انطلاقًا من تصريحاته الرسمية وتحركاته المعلنة، يمكن قراءة المشهد كالتالي:
خلال شهر أغسطس 2025، كثّف برّاك ضغوطه لفرض جدول زمني يُلزم الحكومة اللبنانية بتقديم خطة لنزع سلاح حزب الله. هذا الإصرار لم يكن معزولًا، بل تزامن مع رسائل من تل أبيب تربط أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة جنوبًا ببدء خطوات عملية ضد المقاومة، وذلك الترابط يكشف عن تنسيق وثيق بين الأجندة الأميركية والمطالب الإسرائيلية، مما يجعل مهمة براك تبدو وكأنها امتداد للسياسة الإسرائيلية.
قدّم المبعوث الأميركي نفسه كوصي على القرار اللبناني، حيث حدد مواعيد ومضامين لخطة حكومية تتعلق بشأن داخلي سيادي، وهذا الأسلوب، الذي يتجاهل استمرار الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية، يفرّغ المؤسسات اللبنانية من مضمونها ويحولها إلى منظمات لتنفيذ مطالب خارجية. وقد عزز الخطاب الإعلامي المتعالي الذي رافق زيارته الأخيرة انطباعًا بوجود ذهنية استعمارية في التعامل مع لبنان.
طرح قضية نزع السلاح كشرط مسبق، وبنبرة تهديدية، مع تجاهل كامل لواقع الاحتلال والتهديدات الأمنية، يخلق وصفة جاهزة لتفجير الوضع الداخلي. هذه المقاربة تضع اللبنانيين في مواجهة بعضهم البعض، وهو ما حذرت منه قوى المقاومة التي ترفض المساس بسلاحها قبل زوال التهديدات، ومن خلال ذلك يتجلى أن مقاربة براك تخدم بشكل مباشر مصلحة إسرائيل في تجريد لبنان من عناصر قوته.
منذ منتصف يوليو 2025، صعّد برّاك من لهجته، ملوّحًا بـ”خطر وجودي” يهدد لبنان، ورابطًا تقديم المساعدات الدولية وتحقيق التهدئة بتنفيذ خطوات ضد المقاومة ضمن مهلة زمنية قصيرة. ابتزاز سياسي علني يؤكد أن المسعى الأميركي هو عملية ضغط ممنهجة تهدف إلى إخضاع لبنان بالكامل للشروط الأمنية الإسرائيلية.
تُظهر تحركات المبعوث الأميركي توم برّاك أنه لا يقوم بدور الوسيط المحايد – ككل المبعوثين الأميركيين – بل يعمل كذراع سياسية للمشروع الإسرائيلي تحت غطاء دبلوماسي. هدفه الأساسي هو نزع سلاح حزب الله وفرض إملاءات على الحكومة اللبنانية، مما يمثل تدخلًا سافرًا في سيادة البلاد.
وللأسف، يبدو أن التعاطي الرسمي اللبناني مع هذه التحركات يفتقر إلى الحزم، إذا ما نظرنا له بحسن النية، حيث يتم التعامل مع مطالب برّاك كأنها أوامر واجبة التنفيذ، وهو ما يفرّغ الدولة من سيادتها ويجعلها أداة لتنفيذ أجندة خارجية على حساب المصلحة الوطنية وحماية لبنان.