في لحظة حساسة، وفيما كانت قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تدرس المقترح الأميركي الأخير المقدم عبر إدارة الرئيس دونالد ترامب، أقدم الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عملية اغتيال استهدفت وفد التفاوض التابع للحركة في العاصمة القطرية الدوحة.
لم يكن هذا الاستهداف حدثًا معزولًا أو مجرد عملية عسكرية، بل رسالة سياسية بامتياز تعكس توجه “إسرائيل” نحو تعطيل أي مسار تفاوضي، وتكشف عن استباحة خطيرة للسيادة العربية.
وفق ما نقلته قناة “الجزيرة” القطرية عن مصدر في “حماس”، فإن استهداف وفد الحركة التفاوضي جاء في أثناء اجتماع لمناقشة المقترح الأخير للرئيس ترمب، وهي خطوة تعكس جدية الحركة في دراسة الخيارات السياسية المطروحة. غير أن الاستهداف الإسرائيلي لهذا الاجتماع يحمل دلالة قاطعة، وهي أن “إسرائيل” لا ترى في المفاوضات سوى واجهة شكلية تستخدمها للمراوغة، بينما تسعى عمليًا إلى القضاء على أي فرصة للتسوية. وبذلك، فإن ما قُدم من مقترحات لم يكن سوى أوراق للخداع، هدفها كسب الوقت وإظهار انفتاح دبلوماسي وهمي أمام المجتمع الدولي، والولايات المتحدة مشاركة في هذا الخداع.
إضافة إلى ذلك، فإن توقيت العملية ومكانها يؤكدان أن “إسرائيل” لا تريد تفاوضًا ولا حلًا، وأنها ترى في الحوار تهديدًا لمشروعها القائم على السيطرة بالقوة وفرض الوقائع على الأرض؛ فاستهداف اجتماع مخصص لمناقشة المقترح الأميركي الأخير لا يمكن فهمه إلا إعلانًا عمليًا بسقوط مسار التفاوض.
غياب الموقف العربي… غطاء للاستباحة
ما كان لـ”إسرائيل” أن تقدم على خطوة بهذه الخطورة لولا شعورها بالاطمئنان لغياب موقف عربي حازم، فقد تأكدت خلال عدوانها على غزة، واعتداءاتها في لبنان وسوريا، أن ردود الفعل العربية لا تتجاوز حدود البيانات والتصريحات، وهو ما منحها حرية أوسع للتصعيد، مع استثناء الموقف اليمني من حكومة صنعاء الذي يقابل العدوان بالرد.
هذا الاطمئنان هو الذي شجّع “تل أبيب” على تنفيذ العملية في قلب الدوحة، وهي تدرك أن انعكاساتها لن تتجاوز حدود الإدانات الشكلية. ولو كان هناك موقف عربي واضح يضع خطوطًا حمراء، لما تجرأت “إسرائيل” اليوم على استباحة سيادة قطر بهذا الشكل.
العملية لم تكن مجرد اغتيال لقيادات “حماس”، بل هي أيضًا انتهاك مباشر للسيادة القطرية، فالضربة وُجّهت داخل عاصمة عربية، ما يجعلها استهدافًا مزدوجًا: لـ”حماس” أولًا، ولدولة قطر ثانيًا، وهذا ما يؤكد أن الاستباحة الإسرائيلية قد تتكرر في دول أخرى مثل مصر أو الأردن أو حتى عواصم الخليج، بما يشكل تهديدًا شاملًا للأمن القومي العربي.
الحاجة إلى رد عملي لا بيانات
تتمثل خطورة عملية “إسرائيل” في قطر بأنها تكشف حدود الموقف العربي الراهن، وتفرض استحقاقًا جديدًا على قطر والدول العربية مجتمعة، فالاكتفاء ببيانات التنديد لم يعد كافيًا، بل قد يُقرأ في “تل أبيب” على أنه ضوء أخضر لمزيد من الانتهاكات. المطلوب هو رد عملي يثبت أن السيادة العربية ليست مستباحة.
محاولة اغتيال وفد “حماس” في الدوحة جاءت لتنسف أي حديث عن مسار سياسي أو تفاوضي، ولتكشف أن “إسرائيل” مصرة على المضي قدمًا في الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، مستندة إلى الدعم الأميركي والموقف العربي المتخاذل الذي وصل مع بعض الدول العربية إلى حد التواطؤ مع “إسرائيل”، بل والشراكة وتقديم الدعم.
الرسالة واضحة: ما لم يتشكل رد عربي جاد يتجاوز حدود الإدانة، فإن الاحتلال الإسرائيلي سيواصل استباحة العواصم العربية، وقد لا يتوقف عند قطر، فهذه لحظة اختبار حقيقية للمنظومة العربية بأسرها في مواجهة سياسة إسرائيلية تتحدى القانون الدولي وتستخف بالسيادة الوطنية للدول.