خاص | تنتشر في المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سيطرة التحالف، قرابة 25 مركزا للجماعات السلفية المتشددة، وسط تحذيرات ورفض محلي واسع لأنشطتها المجهولة التي تؤجج الأوضاع الأمنية وتثير التوترات الاجتماعية في تلك المناطق.
ويدير شبكة المراكز السلفية، المدعو “يحيى الحجوري” وفق أيديولوجيا متطرفة، تنتشر 3 مراكز منها في عدن و5 في حضرموت و3 في أبين و3 في المهرة، ونحو 6 مراكز موزعة على مناطق الصبيحة وردفان ويافع في لحج، بالإضافة إلى مركز كبير في عتق وسط شبوة ومراكز أخرى في المخا ومأرب، معظمها محصنة وفي مناطق معزولة، يتلقى الكثير من أبناء تلك المناطق التعليم المتطرف مع أشخاص ينحدرون من قرابة 13 جنسية عربية وأجنبية، يجوب بعضهم تلك المحافظات تحت مسمى “أهل السنة والجماعة”، وكذلك “الدعوة والتبليغ”، كغطاء لمهام خفية لتنفذ الأجندات الأجنبية.
وتواجه أنشطة تلك المراكز انتقادات حادة من قبل ناشطين ومثقفين محليين وأهالي تلك المناطق، اعتبروها أداة لتفخيخ العقول وتمزيق النسيج الاجتماعي لأبناء المحافظات الجنوبية، بل واتهموا القائمين عليها بنشر الخطاب التكفيري المتزمت الذي يكفر الآخرين تحت مسميات مختلفة منها “البدعة، والزنديق”، كما تكرس ثقافة التحريض ضد المذاهب الإسلامية الأخرى، لا سيما المذهب الزيدي لأبناء المحافظات الشمالية، والمذهب الشافعي وأتباع الصوفية في حضرموت وغيرها، الذين عاش أبناء اليمن خلال العقود الماضية في سلام ووئام.
وخرج الأهالي في مناطق لودر ومودية بمحافظة أبين الأسبوع الماضي في انتفاضة محلية رفضا لمحاولات فرض تلك الجماعة خطباء من خارج مناطقهم على مساجدهم بقوة السلاح، وتطويق المساجد بالآليات والمدرعات العسكرية، أدت إلى مواجهاتهم وطردهم، امتدادا لرفض أهالي لودر وصول “الحجوري” إلى مناطقهم، بالإضافة إلى انتفاضة شعبية غاضبة ضد إنشاء مركز لـ “الحجوري”، في مكتب السعدي بمديرية يافع خلال أغسطس الماضي.
ويرى ناشطون من أبناء المحافظات الجنوبية، انتشار تلك المراكز يتزامن مع صراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية الذي تنفذه السعودية والإمارات في الجنوب، للسيطرة على المواقع الاستراتيجية الحيوية، وتقاسم النفوذ بالمناطق الغنية بالثروات النفطية والمعدنية، لاسيما في شبوة وحضرموت المهرة، حيث تخوض الفصائل السلفية صراعا بالوكالة باستخدام الدين كأداة لتحقيق وتنفيذ المشاريع الخارجية على حساب الأرض والإنسان.
ويلتحق الكثير من خريجي تلك المراكز بالفصائل المسلحة الممولة من الإمارات والسعودية، ذات المصالح المتناقض، منها “العمالقة” و”الأحزمة الأمنية” وغيرها، بالإضافة إلى فصائل “درع الوطن” التي أنشأتها السعودية مطلع العام 2024م، ومنحهم رتبا عسكرية، إلا أن قيادات تلك الفصائل يرفضون ارتداء البزات العسكرية، كما كانوا ينظرون قبل التحاقهم بتلك الفصائل للتصوير بأنه “حراما ومكروها ولا يجوز التشبه بالنصارى”، حتى أصبحوا يتفاخرون بالتقاط الصور بجوار السفير الأمريكي والقيادات العسكرية الأجنبية، حتى بات الأمر “مستحسن وجائز شرعا”، وفق معتقداتهم المتقلبة بحسب الظروف والمصالح.
يعتقد ممولو تلك المراكز والفصائل السلفية معا من السعودية والامارات ومن يقف خلفهم، “الأمريكي، الإسرائيلي والبريطاني”، بأنها ضرورية في سبيل مواجهة قوات صنعاء، أنصار الله، الذين يطلقون عليهم الحوثيين”، وسط اتهامات لأبو ظبي والرياض باستخدام تلك الجماعات وغيرها من تنظيمي “القاعدة وداعش” الإرهابيين، كأدوات لتعزيز نفوذهما الجغرافي في جنوب اليمن والسيطرة على المناطق الاستراتيجية كالجزر اليمنية والموانئ والسواحل على البحرين الاحمر والعربي، وتغذية الصراع مع خصومهم.
وتمثل ظاهرة انتشار مراكز “الحجوري” في جنوب اليمن إحدى التعقيدات المستقبلية التي فرضتها صراعات النفوذ الإقليمي والدولي منذ السيطرة على تلك المناطق منتصف العام 2015م، لتحقيق أجندات خارجية تسهم في إعادة تشكيل الهوية الفكرية والمعتقدات الدينية وفق ما يريده الخارج بدعم وتمويل من السعودية والإمارات، مما يهدد استقرارها على المدى البعيد. من الصعب جدًا إعادة البناء الاجتماعي والفكري الأصيل المتوارث منذ العقود الماضية.
حتى أن تلك العناصر السلفية المتطرفة، أقدمت على هدم وتفجير العديد من الأضرحة والقباب التاريخية بالعبوات الناسفة في حضرموت وشبوة ولحج وجنوب الحديدة، كان آخرها تفجير قبة “مريم العذراء” الأثرية في مديرية حجر بالضالع بعدد من العبوات الناسفة، تحت مزاعم “البدعة” المخالفة للعقيدة السلفية، وفق أفكار ومعتقدات تنظيمي “داعش والقاعدة” الإرهابيين.