الأربعاء الدامي في صنعاء.. حين يتحول الحبر إلى دم في وجه آلة الحرب الصهيونية
خاص | وكالة الصحافة اليمنية
في مساءٍ دامٍ، تحولت فيه الأقلام إلى أشلاء، وتحولت فيه أجساد الصحافيين والصحافيات إلى ركامٍ تحت الأنقاض، شهدت العاصمة صنعاء جريمة حربٍ جديدة، وفاشيةً عصرية للعدو الصهيوني تمثلت في استهداف ممنهج لمؤسسات صحفية، واغتيالٍ مباشرٍ للحقيقة.
الأربعاء، 10 سبتمبر 2025، كان يوماً دموياً مزّق بوصلات الحق وأطفأ مصابيح الحقيقة في قلب العاصمة، في اعتداءٍ لم يقتصر على مبنى أو ركنٍ صحفي، بل استهدف الذاكرة الوطنية وصوت الضمير.
للتنديد بهذا العدوان الغادر، الذي أسفر عن استشهاد 46 شهيدًا مدنياً بينهم 26 صحفيًا من صحيفتي 26 سبتمبر واليمن ، وإصابة أكثر من 165مدنياً بجروح متفاوتة الخطورة من الموظفين في المرافق الحكومية المستهدفة ومن أهالي المنازل المجاورة لمناطق الاستهداف والمارة، فضلاً عن تضرر عشرات المنازل في منطقة التحرير المكتظة بالسكان. نظمت وقفة احتجاجية كبيرة للصحفيين والإعلاميين منتسبي المؤسسات الإعلامية اليمنية الرسمية والأهلية فوق ركام انقاض الدمار الذي خلفت القصف الهمجي العدواني البشع بحق صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن”.
محاولة يائسة لإخفاء الحقيقية
في كلمته التي ألقاها في الوقفة الاحتجاجية، نعى نائب وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال بصنعاء، الدكتور عمر البخيتي، شهداء صدق الكلمة في العدوان الإسرائيلي على صحيفتي 26 سبتمبر واليمن، في العاصمة صنعاء.
وأوضح أن استهداف الصحفيين أثناء أداء رسالتهم السامية في نقل الحقيقة، يُعد جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الدولية، مؤكدا أن استهداف الصحفيين محاولة يائسة لإخفاء الحقيقية وحجب جرائم العدو الصهيوني عن الرأي العام العالمي.
وأشار إلى أن استهداف الصحفيين هدف صهيوني دأب عليه العدو من خلال الاستهداف الممنهج للمؤسسات والشخصيات الإعلامية في فلسطين ولبنان وإيران واليمن.
ونوه البخيتي بأن هذه الجرائم رغم بشاعتها وفظاعتها لن تضعف الموقف الإعلامي اليمني في فضح جرائم العدوان الأمريكي الإسرائيلي على شعوب أمتنا الإسلامية، لافتاً إلى أن جرائم العدو الإسرائيلي بحق الصحفيين لا تمثل إلا دافعاً إضافياً لمضاعفة العمل وتكثيف النشاط عبر كافة منصات الإعلام اليمني في مواجهة المشروع الصهيوني.
وأكد نائب وزير الاعلام أهمية حشد الجهود وتعزيز العمل الإعلامي لمواجهة السردية الصهيونية ومقارعتها بكل الوسائل، محملاً المجتمع الدولي والأمم المتحدة مسؤولية الصمت عن هذه الجرائم وعدم وضع حد لها ومحاكمة مرتكبيها
ودعا البخيتي، في ختام كلمته، الشعوب الحرة والمنظمات الحقوقية والهيئات الإعلامية إلى التحرك العاجل لإدانة هذه الجرائم بحق الصحفيين. واختتم “نؤكد في وقوفنا مع الهيئات الإعلامية عن تضامنها المطلق مع أسرتيّ صحيفتيّ 26 سبتمبر واليمن” مع التأكيد على الاستمرار على درب الشهداء حتى الفتح الموعود إن شاء الله.
غزة بوصلة الموقف
“لا يمكن فصل هذه الجريمة النكراء عن السياق الإقليمي والدولي الذي يعيشه العالم، خاصةً ما يتعلق بالعدوان المستمر على قطاع غزة” بحسب نائب وزير الإعلام بحكومة صنعاء.
فالإرهاب والجنون الذي بلغته سلطات الاحتلال هو نتاجٌ طبيعي للصمت العالمي تجاه جرائم الحرب والإبادة والتجويع والحصار التي يتعرض لها الأشقاء في غزة منذ سنوات.
الاستهداف الصهيوني الغاشم للأعيان المدنية والمنشآت الخدمية في اليمن، والذي كان آخرها استهداف حي التحرير المكتظ بالسكان ومقر صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن”، بالإضافة إلى استهداف منشأة خدمية في محافظة الجوف، وقبلها استهداف رئيس وأعضاء حكومة التغيير والبناء، ليست سوى جرائم ومجازر لا تسقط بالتقادم ولن تمر دون عقاب، وسيندم مرتكبوها على حماقاتهم.
الضوء الأمريكي والصمت الأوروبي
وأكد البخيتي أن جريمة “الأربعاء الدامي” لم تكن لتحدث لولا الضوء الأخضر الأمريكي، الذي يتستر على هذه الجرائم بذريعة “الدفاع عن النفس”، بينما تغض مؤسساته الإعلامية الطرف عن قتل الصحافيين، أو تقدم روايات الاحتلال كحقيقة جاهزة.
أما العالم، الذي يتشدق بـ “حرية التعبير”، فلم يكفه أن إعلامه بات عاجزاً عن إصدار موقف موحد فحسب، بل إن بعض عواصمه، ولاسيما الأوروبية، لا زالت تواصل تزويد الكيان الإسرائيلي ببكل أشكال الدعم اللوجيستي وبالسلاح.
هذه الازدواجية لم تعد تخدع الشعوب، لاسيما وأن المجتمع الدولي بات يتفرج، بينما تُقصف الكاميرات والمطابع، ويُدفن الصحافيون أحياء تحت الركام. إنها لحظة سقوط أخلاقي شبيه بما مارسته الفاشية الأوروبية في مستعمراتها، حين رفعت شعارات التمدن في الداخل، وأطلقت يد الجيوش لارتكاب المجازر في الخارج. بل إن هذه الغدة السرطانية المسماة “إسرائيل”، هي أبشع غرسة جرثومية تلطخت أيدي الاستعمار الأوروبي بزرعتها ورعايتها في الجسد العربي.
منبران للحقيقة في وجه التضليل
وأشار البخيتي إلى أن صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن” لم تكونا أهدافاً عسكرية، فهما مؤسستان تحملان على عاتقهما واجباً إنسانياً وأخلاقياً لإنقاذ الحقائق من فوهة الأساطير.
لقد وجدتا نفسيهما مستهدفتين لأنهما امتدادٌ تاريخي لوجدان المجتمع اليمني والعربي، ومرآته التي لا تسمح بتزييف جرائم الإبادة وبشاعتها، والانتهاكات الإنسانية دون كشفها وفضحها للرأي العام. ما حدث في صنعاء ليس استهدافاً لمنبر إعلامي فحسب، بل هجومٌ على ذاكرة اليمن وصوت جيشه وضميره الوطني. فلم تكن الصحيفتان أوراق مطبوعة، بل منابر شكلت وعي أجيال، وفضاءً حراً لكشف جرائم الإبادة التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وزيف العدوان منذ بدايته.
جريمة ضد الإنسانية وحقوق الإعلام
بدورهم أكد الاعلاميون المشاركون في الوقفة، أن استهداف الصحافيين في هذا القصف، يمثل جريمة إنسانية فضيعة، تجاوزت كافة الأعراف والقوانين الدولية. فالصحافي سلاحه القلم والكاميرا، وهدفه كشف الحقيقة التي يريد الاحتلال طمسها. هذه الجريمة توازي في رمزيتها ما ارتُكب في غزة، حيث قُصفت مقرات وكالة الصحافة الفلسطينية، وقُتل المراسلون والمصورون أمام عدساتهم، ليمتزج الدم بالحبر والصورة بالنار. وما جرى في صنعاء هو ذات النهج، إسكات الصوت الحر بالقوة العارية، واعتبار الصحافة “جريمة” لأنها لا تخضع لمنطق الاحتلال. لم يكن مقر الصحيفتين في صنعاء هو المستهدف وحده؛ فالمربع السكني المحيط به حُوّل إلى مسرحٍ للدمار، وقتل السكان المدنيون، في واحدة من أبشع الجرائم الوحشية. هذا التكتيك هو ذاته الذي يُمارس في غزة، قصف الأبراج السكنية على رؤوس المدنيين بحجة استهداف بؤر إرهابية.
صوتٌ لا يُسكت
ونوه المشاركون بأن جريمة الأربعاء في صنعاء تكشف أن اليمن قد دخل بعمق في المعركة الإقليمية الكبرى. فاستهداف الصحافة اليمنية يعني أن صوت اليمن بات يقلق الاحتلال وحلفاءه، كما تقلقهم المقاومة الوطنية في غزة أو صمود جنوب لبنان. اليمن اليوم ليس جبهة مساندة فحسب، بل جزء لا يتجزأ من جبهة إقليمية ممتدة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر. لكن رغم كل هذا العنف، لم يتحقق للاحتلال وأمريكا ما يريدان. في غزة، لا تزال الكلمة الحرة تكسر الحصار الإعلامي، حتى مع سقوط أكثر من 150 صحافياً شهيداً. وفي اليمن، وُجهت آلاف الغارات، لكن الإعلام لم يُسكت، والهجمات البحرية لم تتوقف، وكل اغتيال لصحافي يولد أصواتاً أعلى، ويضاعف الغضب الشعبي. هذا الفشل يعكس مأزقاً استراتيجياً، فالقوة العسكرية وحدها لم تعد تكفي لإخماد الوعي.
شاهدٌ على الحقيقة
وأشاروا إلى أن الصحافة ليست وظيفة تقنية، بل فعلٌ إنساني وأخلاقي؛ لأنها تمنح المجتمع قدرة الرؤية، وتزرع في الوعي العام مناعة ضد الكذب الرسمي وضد الدعاية السياسية الغربية والصهيونية. عندما يخرج الصحافي الميداني من محيط مكتبه، فهو لا يقوم بعملٍ وظيفي؛ بل يؤدي واجباً إنسانياً؛ يوثق جرائم الإبادة هنا وهناك، يعري مشاريع الاستيطان والتوسع، ويسلط الضوء على المعاناة التي تحاول آلة الاحتلال طمسها. لهذا السبب بالذات يصبح القلم عدواً، ولأجل هذا السبب بالذات يستهدف الصحافي وتُستهدف مقرات الصحف بعنف وحشي، لأن صمت الجدران يساوي تمرير الخرائط الجديدة، وصوت الصحافي هو العائق أمام تحويل المصائر إلى تداول استعماري بارد.
إسكات الصوت قبل الجسد
ولفتوا إلى أن قصف مقري “26 سبتمبر” و”اليمن” وتحويل مبانيهما إلى ركام، مع سقوط شهداء وجرحى في صفوف الصحافيين، يمثل تقليصاً مقصوداً لمساحة الحق في الوجود، ساحة للعمل، للتراسل، وللمساءلة. هذه ليست أخطاء عرضية في ساحة الحرب، بل اختيار تكتيكي يهدف إلى شل قدرة المجتمع على توثيق الجرائم وقطع ربط الشهادة بمسار المحاسبة. استهداف مرافق الإعلام والمطابع والمقرات الصحفية هو تكتيك اعتادته أنظمة القمع عبر التاريخ لأنها تعلم أن إسكات الكلمة أحياناً يسبق إسكات الجسد والذاكرة، وأن هدم المبنى الإعلامي أداة لتفريغ المجتمع من قدرته على الرد والأرشفة والنضال القانوني والسياسي.
الصحفيون مدنيون محميون
وبرهنوا بأن منطق القانون الدولي يضع الصحافيين في خانة المدنيين المحميين، ففي طبيعة عملهم، فهم لا يشاركون مباشرة في الأعمال القتالية. والصحافي الذي يوثق ويحقق لا يمكن أن يُصنف مقاتلاً لمجرد أنه يكشف مجازر أو يتهم قوات احتلال بجرائم حرب، معتبرين الاعتداءات المتكررة على إعلاميين ومؤسسات إعلامية في سياق هذا الصراع تشكل انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية ومؤشرات على نمط ممنهج من الجرائم التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، مؤكدين أن المنظمات الحقوقية رصدت تصاعد استهداف الإعلاميين والإعلاميات في ميدان الصراع، وحذرت من أن هذه السياسة تقوض حق الشعوب في المعرفة وتسهم في مناخ إفلات دائم من العقاب.
كسر التضامن وتكريس السردية الأمنية
وتطرقوا إلى أن تفسير استراتيجي لهذه الأفعال يكشف أن استهداف الصحافيين، يخدم أكثر من هدف ميداني ضيق: أولاً، يحاول قاطعو الأصوات كسر رابط التضامن الإقليمي عبر حجب مشاهد المعاناة عن الرأي العام؛ ثانياً، يعمل على تعطيل قدرة الحشد الأخلاقي الدولي الذي تنقله تقارير الميدان والصور؛ ثالثاً، يسعى إلى تكريس سردية أمنية موحدة تبرر تجاوز القوانين باسم محاربة الإرهاب؛ رابعاً، يهدف إلى حماية خرائط الاستيطان وخطط إعادة ترسيم المنطقة من أي معارضة إعلامية تكشف خفايا التمويلات والتحالفات والعمليات التي تقف خلفها. هذه الأهداف ليست محلية فحسب، بل تتقاطع مع استراتيجية أكبر تعمل على تحويل سلطات الاحتلال إلى رأس حربة لحفظ مصالح امتدت عبر تحالفات سياسية عسكرية، وتبرير عمليات الهيمنة في مناطق حساسة من العالم العربي.
تضييق إعلامي كسلاح
وكالة الصحافة اليمنية، بصفتها أحد المؤسسات الإعلامية في الوقفة الاحتجاجية، تؤكد أن التضييق الإعلامي وإسكات الأقلام هما من أدوات هذا البرنامج الصهيوني وشريكته الامبريالية العالمية. وما يزيد الطين بلة هو محاولة بعض أذرع القوة العالمية تزوير الصراع وتفريغه من سياقه الاستعماري عبر تحويله إلى نزاعات جانبية لا صلة لها بعمق الجريمة، ولاسيما في معارك الهوية، والتي تسعى من خلالها الصهيونية ومن خلفها القوى الامبريالية الكبرى، أمريكا وحلفائها الغربيون إلى تشتت المقاومة وفصلها عن بوصلة التضامن القومي والإنساني.
لإسكات الشهادة وتزوير التاريخ
وأكد المنددون أن الوصف الأخلاقي والسياسي لهذا السلوك لا يتردد في وضعه في خانة الإرهاب الدولي، عندما تُوجه ضربات متعمدة ضد صحافيين ومؤسسات إعلامية تهدف إلى ترهيب المجتمع وإسكات صوت الشهادة، فإننا أمام فعل إرهابي مُرتكب ليس فقط ضد أشخاص وممتلكات، وإنما ضد حق الشعوب في المعرفة والمساءلة. في هذا السياق، ينبغي أن تُعامل هذه الجرائم باعتبارها جزءاً من سجلات تاريخية وسياسية تُقدم إلى محاكم العدالة الدولية عبر أدلة التوثيق والمقاطع والصور وشهادات الشهود. مشيرة إلى أن الوثيقة الإعلامية هنا ليست مجرد مادة تدوين؛ بقدر ما أنها تمثل دليل شرعي وأخلاقي يُدين الفاعل ويكسر طوق الإفلات من العقاب.
صمودٌ وقيمة إنسانية
على وقع الأحداث، فإن مقاومة الصحافة اليمنية ظلت قائمة بواجبها الإنساني والمهني لم تنكسر، ولن تنكسر طالما بقي الاحتلال مستمراً؛ لأن صمود الأقلام مردّه رابط إنساني عميق. الصحفي لا يختار أن يكون جندياً، بل يختار أن يكون شاهداً، وهذا الاختيار يخدم قيمة إنسانية لا تقبل الاستكانة. موقف الصحافة اليمنية اليوم إنساني قبل أن يكون سياسياً؛ إنه موقف يعلن أن نقل الحقيقة واجب إغاثي أولاً، ويمثل شكلاً من أشكال المقاومة الأخلاقية التي تحرك ضمائر الشعوب وتضع قضايا المجازر على طاولة العالم. لن ينجح من يسعى لكسر هذا الصوت طالما استمرت معاناة الشعب الفلسطيني؛ لأن كل محاولة لطمس الشهادة ستتحول إلى وقود لانتفاضات أقوى ولرصد أشد دقة ولشبكات تضامن إقليمية تزيد من عُزلة مرتكبي الانتهاكات.
إدانة واستنكار واسع
في سياق متصل، يكمن عنصر المفاجئة في هذا الحدث، عند مقارنة ردود الفعل الدولية تجاه القصف على صنعاء، مع حدث موازٍ وقع قبلها بيوم واحد فقط. ففي 9 سبتمبر 2025، شنت “إسرائيل” غارة جوية على العاصمة القطرية الدوحة، استهدفت مقراً يضم قادة سياسيين من حركة حماس، فقد تباينت ردود الفعل الدولية على الغارتين بشكل صارخ. فبينما كان الهجوم على صنعاء مجرد خبر عابر في وسائل الإعلام الغربية، أو جرى تبريره ضمن الرواية الإسرائيلية، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة طارئة لمناقشة الهجوم على الدوحة، ووصفه مسؤولون أمميون رفيعون بـ “التصعيد الخطير”.
أما على المستوى المحلي، كل الفعاليات اليمنية الرسمية والأهلية والحزبية والشعبية أدانت بشدة الجريمة المجزرة المروعة التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي بحق عدد من الصحفيين والإعلاميين يوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025م في العاصمة صنعاء، مؤكدةً أنها جريمة حرب. وأشارت إلى أن الغارات استهدفت عمداً مبنى التوجيه المعنوي، بالإضافة إلى مبنى صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن”، ما تسبب في استشهاد عدد من الصحفيين والإعلاميين. وطالبت بإجراء تحقيق دولي فوري ومستقل في جميع الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل ضد الصحفيين، ومحاسبة المسؤولين عنها.
مركز عين الإنسانية للحقوق والتنمية، من جهته، أدان المركز بشدة الجريمة المروعة التي ارتكبها الطيران الحربي للكيان الصهيوني عصر يوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025م، باستهدافه المباشر لمقر صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن” في منطقة التحرير، إلى جانب المجمع الحكومي وفرع البنك المركزي بمحافظة الجوف. وحمّل المركز المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن المسؤولية الكاملة عن صمته وتواطئه مع الكيان المجرم، داعياً إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
خلاصة القول:
الاستنتاج لا يترك مجالاً للشك، ما حصل في صنعاء، وفي عدة محافظات يمنية لتدمير البنية التحتية والاقتصادية هو فصلٌ من فصول استراتيجية أوسع قائمة على نهج التدمير، إسكات الضمائر وتطويع المشاهد. لذلك فإن استهداف مقر الصحيفتين جريمة تنتمي إلى سجل الفاشية الصهيونية الجديدة التي تستخدم أدوات عسكرية ودبلوماسية وإعلامية لإلغاء الآخر.
الرد الأخلاقي والسياسي ينبغي أن يكون مضاداً ومتعدد الوسائط: توثيق مستمر، ضغط دبلوماسي لمنع الإفلات من العقاب، تحشيد رأي عام دولي من خلال نشر الأدلة، وتضامن النقابات المحلية والعربية والدولية، باعتبار صحفيي “26 سبتمبر” و”اليمن” أعضاء في هذه النقابات، بالإضافة إلى المنظمات الحقوقية، وحشد تضامن إقليمي يقلب معادلات الصمت والتحجيم. وفي الأفق الأعم، لا خلاص من هذه السياسات إلا بإقرار العدالة لإطلاق المشروع السياسي الذي يكسر احتكار القرار الإقليمي ويضع شعوب المنطقة في موقع القدرة على تقرير مصيرها.
الصحافة اليمنية بكل تصنيفاتها الرسمية والأهلية؛ المرئية منها والمسموعة والمقروءة، بحبرها وصورها وشهداءها، تحمل اليوم مهمة الذاكرة والضمير، لكنه أيضاً البرهان الأوضح على أن الكلمة الحرة باتت ذات تأثير كبير في وجه المشروع الصهيوني-الأمريكي. أن الصحافة اليمنية نابعة من أمة يمنية لا تصمت على قتل أقلامها وصحافييها، بل تجد نفسها قادرة على الدفاع عنها وعن أرضها وكرامتها. أمة جعلت من دماء شهداء الكلمة راية للتحرير، وسلاح هو الأكثر تأثيراً وتأليماً في عمق مشروع الفاشية الجديدة، الذي لا ريب أنه سيتحطم، كما تحطمت قبله كل مشاريع الاستعمار، عاجلاً أم آجلاً.