المصدر الأول لاخبار اليمن

تجفيف اقتصاد المجتمع الغزاوي.. تكتيك إفقار للإجبار  على التهجير

اقتصاد | وكالة الصحافة اليمنية

تتوالى فصول المأساة في قطاع غزة، حيث لم تقتصر جرائم الاحتلال الإسرائيلي على القتل والتدمير فحسب، بل امتدت لتطال النسيج الاقتصادي والمجتمعي، في مسعى واضح لتجفيف مصادر الحياة وإخضاع السكان. وبناءً على الوقائع الميدانية والمعلومات الصادرة عن مكتب الإعلام الحكومي في غزة، يتضح أن هناك استراتيجية ممنهجة تهدف إلى إفقار وتجويع الشعب الفلسطيني، وهو ما يؤدي إلى تحويل حياته اليومية إلى صراع من أجل البقاء، ويدفع باتجاه التهجير القسري.

 

استهداف البنية التحتية والاقتصاد

لقد كان استهداف القطاع الاقتصادي في غزة من أولويات جيش الاحتلال الإسرائيلي، بهدف شل حركة السوق وتعطيل سبل العيش. حيث تم تدمير آلاف الأبراج السكنية والبنايات متعددة الطوابق التي كانت تشكل عصب الحياة التجارية والاقتصادية في القطاع. ووفقاً لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، تم تدمير أكثر من 1600 برج وبناية بشكل كامل، بالإضافة إلى تدمير جزئي أو بليغ لأكثر من 2000 مبنى آخر. هذه الأبنية لم تكن مخصصة كمساكن فحسب، بل كانت تضم محال تجارية، مكاتب، وعيادات، مما أدى إلى تدمير عشرات الآلاف من فرص العمل ومصادر الدخل. هذا التدمير الشامل يمثل ضربة قاضية للاقتصاد المجتمعي، ويحول دون أي إمكانية للتعافي السريع.

تحويل الحياة اليومية إلى كابوس

نتيجة لهذا التدمير، تحولت حياة المواطنين الغزاويين إلى حالة من المعاناة اليومية المستمرة. فمع تدمير المنازل وتهجير السكان، ارتفعت تكاليف الإيواء والنقل بشكل غير مسبوق. وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة السفر للنازحين قد تصل إلى 600-700 دولار، في حين يبلغ سعر الخيمة الواحدة حوالي 1200 دولار، وهو مبلغ يتجاوز قدرة الغالبية العظمى من السكان على توفيره. هذا الارتفاع الجنوني في التكاليف يأتي في وقت فقد فيه معظم السكان مصادر دخلهم، مما يجعل من مجرد الانتقال أو إيجاد مأوى مؤقت تحدياً كبيراً.

هذه التكاليف الباهظة تفرض على العائلات أولويات جديدة، حيث يصبح البحث عن مأوى وطعام هو الشغل الشاغل، على حساب التعليم، والصحة، وأي أنشطة أخرى يمكن أن تسهم في بناء مستقبلهم. هذا التحول في الاهتمامات يصب مباشرة في مصلحة سلطات الاحتلال التي تسعى إلى تشتيت جهود المقاومة وإشغال الناس بالهموم اليومية البسيطة.

 

تداعيات التهجير القسري

لقد أدى الهجوم البري الذي بدأ في أغسطس إلى تهجير 350 ألف شخص قسراً من شرق مدينة غزة إلى مناطق وسطها وغربها، مما أدى إلى اكتظاظ شديد في مناطق مثل المواصي ومخيمات الوسطى. هذا الاكتظاظ يتفاقم مع تدمير أكثر من 13 ألف خيمة كانت تأوي ما يزيد عن 52 ألف نازح. ومع نقص المأوى والمياه والخدمات الصحية، يواجه النازحون ظروفاً إنسانية كارثية، تزيد من معاناتهم وتضعهم تحت ضغط نفسي وجسدي لا يطاق. هذا التهجير لا يهدف فقط إلى إخلاء المناطق المستهدفة عسكرياً، بل يهدف أيضاً إلى تفكيك الروابط الاجتماعية وإضعاف النسيج المجتمعي، وهو ما يخدم الأهداف الصهيونية المتمثلة في إخلاء الأرض من سكانها الأصليين.

 

إفقار ثم تهجير

إن ما يحدث في غزة لم يكن فعلاً عسكرياً بدافع عشوائي، بل هو عملية إفقار وتجويع ممنهجة تهدف إلى دفع السكان نحو الهجرة القسرية. فمن خلال تدمير البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية، وشل حركة السوق، ورفع تكاليف الحياة بشكل غير مقبول، تخلق سلطات الاحتلال بيئة طاردة لا يمكن العيش فيها. هذا التكتيك يندرج ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف الشعب الفلسطيني واستنزافه، وصولاً إلى إجباره على ترك أرضه ووطنه.

في الختام، يظهر هذا التقرير أن العدوان على غزة يتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة، ليتعمق في تدمير مقومات الصمود والبقاء، مستهدفاً الاقتصاد والمجتمع بشكل مباشر، بهدف إحداث حالة من اليأس تدفع إلى التهجير. إن هذا التكتيك، الذي يستند إلى مبدأ “الإفقار أولاً ثم التهجير”، يكشف عن الأهداف الحقيقية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي في فرض التهجير قسراً.

قد يعجبك ايضا