في خطوة مفاجئة تتناقض مع خطابه السابق في الأمم المتحدة، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس، بقادة ومسؤولين من الدول العربية والإسلامية في نيويورك. هذا اللقاء، الذي أسفر عن طرح “خطة من 21 نقطة” لإنهاء الحرب في غزة، يثير تساؤلات حول حقيقة موقف ترامب، ومدى قدرته على التحول من خطاب التضليل إلى دور “الوسيط” الجاد.
بين التناقضات والواقعية
بينما كان ترامب في خطابه أمام الأمم المتحدة يتبنى خطاباً قائماً على الخداع وتزييف الحقائق، يصف فيه المساعدات الإنسانية بـ “العدوان”، ويشكك في العلم، ويروج لخطاب الكراهية، فإن لقاءه مع القادة العرب كشف عن ذهنية مختلفة تماماً. فوفقاً لموقع أكسيوس الأمريكي، أبلغ ترامب الزعماء العرب أن الحرب يجب أن تنتهي بشكل عاجل، محذراً من أن استمرارها يجعل الكيان الإسرائيلي “أكثر عزلة على المستوى الدولي”.
هذا التناقض الصارخ بين الخطابين يظهر أن ترامب، الذي كان يُنظر إليه كـ “خادم مطيع لشركات النفط والسلاح” و”شريك كامل في سياسات الاحتلال”، قد يتبنى رؤية جديدة أكثر “واقعية” في سياق الأزمة. لكن في حقيقة هذه الرؤية ليست أكثر من محاولة لامتصاص حالة “الغضب والاحتقان” لدى الدول العربية والإسلامية، والتي كان ترامب ذاته قد تجاهلها تماماً في خطابه العلني.
“سلام” أم “صفقة”؟
خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة، التي تعكس إلى حد كبير “الورقة المصرية” التي تبنتها الجامعة العربية، تتضمن مبادئ مثل الوقف الدائم لإطلاق النار، والانسحاب التدريجي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وإمكانية نشر قوة أمنية عربية. هذه البنود، التي تتسق مع مطالب القادة العرب، تثير التساؤل: هل هي محاولة جادة لتحقيق السلام، أم مجرد “صفقة” جديدة يسعى ترامب من خلالها إلى تحقيق مكاسب سياسية؟
لاسيما وأن الموقف الأمريكي يظل عرضة للتأثر بـ “الإرادة الإسرائيلية”، حيث يمثل الكيان الإسرائيلي شريكاً استراتيجياً لواشنطن، ويحظى بنفوذ كبير في الكونغرس. ورغم أن القادة العرب وضعوا شروطاً لدعمهم للخطة، مثل ضمان عدم ضم أجزاء من الضفة الغربية، إلا أن “بيع” الخطة لنتنياهو يظل هو الاحتمال الأكبر.
البحث عن المصداقية المفقودة
في المحصلة، يظل خطاب ترامب تجاه غزة محاولة للجمع بين المصالح الأمريكية والتحركات السياسية الجديدة، في سياق يبرز تحولاً محتملاً في رؤيته. فبينما كان خطابه في الأمم المتحدة يعكس ذهنية قائمة على “الكذب والدعاية العنصرية”، فإن لقاءه مع القادة العرب أظهر ذهنية أكثر مرونة واستجابة للواقع. إلا أن السؤال يظل قائماً: هل يستطيع ترامب التحرر من التناقضات التي لازمته دائماً ليصبح وسيطاً موثوقاً، أم أن هذه الخطوة ما هي إلا محاولة أخرى لـ “تضليل الرأي العام” وتسويق “أوهام لا أساس لها”؟