المصدر الأول لاخبار اليمن

“حماس” و”خطة ترامب”: مهلة للرد والمناورة أمام “الخط الأحمر”!

فلسطين المحتلة | وكالة الصحافة اليمنية

 

في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تبرز ملامح “خطة اليوم التالي في غزة”، التي يروج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوصفها لا تمثل أي صيغة باتجاه سلام عادل، بل تبدو في جوهرها، كما يراها محللون سياسيون، “خدعة صهيونية واضحة” هدفها الأساسي تهجير غالبية الفلسطينيين من القطاع وتصفية قضيتهم الوطنية. هذا التحليل يأتي متسقاً مع مسار الخطة التي تعد نسخة مطورة ومعدلة من “صفقة القرن” التي طُرحت سابقاً.

 

تفاصيل الخطة

تثير الخطة الجدل لكونها لا تتضمن أي ضمانات قاطعة لوقف إطلاق النار أو لانسحاب كامل لـ جيش الاحتلال الإسرائيلي. على العكس، تتحدث الخطة عن انسحاب “تدريجي”، وهو ما يرى فيه المراقبون باباً مفتوحاً لتحويل الأشهر المذكورة في الجداول الزمنية إلى سنوات طويلة من التواجد والسيطرة، خاصة وأن سلطات الاحتلال “خبراء في موضوع الانسحاب التدريجي” حسب مصادر مطلعة.

هذا التصور يتأكد من تصريح رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن بوضوح أن “هذه الخطة تحقق لنا كل أهدافنا”، الأمر الذي يُسقط المصداقية عن أي حديث يتناول عناوين من قبيل “نتنياهو تعرض للضغط”، ويضعها في خانة “البروباجندا” غير ذات الصلة. إن هذا التوافق الصريح يؤكد أن الخطة “صُممت لترفض” من قبل الطرف الفلسطيني، لكنها تحقق الطموحات الأمريكية والكيان الإسرائيلي بالكامل.

 

عودة “صفقة القرن”

لعل أبرز ما يثير الانتباه هو إزالة بند محوري من الخطة المؤلفة من 21 نقطة، كان يتحدث عن “التزام ترامب بمنع الكيان الإسرائيلي من ضم الضفة الغربية”. شطب البند يطرح تساؤلات قوية حول وجود خديعة أمريكية جديدة، وحول مستقبل أي مشروع وطني فلسطيني لا يضع القدس في صلب الصراع السياسي والتفاوضي، وهو ما يهدف إلى إخراج أهم ركائز الصراع من طاولة المفاوضات.

كما تؤكد الخطة أنها “نسخة جديدة من صفقة القرن”؛ حيث ينص البند التاسع فيها صراحة على الالتزام بـ “خطة السلام والازدهار” أو “مبادرة السلام والازدهار خطة القرن 2020″، وهي الخطة التي رُفضت سابقاً من جميع الفصائل والشعب الفلسطيني كونها تعني “لا دولة فلسطينية” و”لا وحدة للأراضي الفلسطينية”، وتعمل على تحويل الضفة الغربية إلى مجرد “مجموعة كبيرة من الكنتونات” بلا سيادة حقيقية.

 

“حماس” ومهلة ترامب

في خضم هذا التوتر، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الجمعة، بتصريحات شديدة توعد فيها حركة المقاومة الإسلامية بالجحيم إذا لم تقبل بخطته في مهلة أخيرة أقصاها مساء الأحد المقبل، مؤكداً توافق الدول “العظيمة” في المنطقة على “السلام” بعد 3000 عام من الصراع.

وفي المقابل، أبلغت حركة المقاومة “حماس” الوسطاء حاجتها إلى “بعض الوقت” لدراسة المقترح، في خطوة تعكس إدارة استراتيجية للمفاوضات. وقد أفاد قيادي في الحركة لوكالة “فرانس برس” (أ ف ب) أن المشاورات “ما زالت مستمرة” وأن الحركة تسعى إلى تعديل بنود رئيسية، أهمها:

  1. بند نزع سلاح حركة “حماس” وتجريد ذراعها العسكري، كتائب القسام.
  2. خروج مقاتليها من القطاع إلى دول أخرى.

وتطالب الحركة بـ “توفير ضمانات دولية للانسحاب الإسرائيلي الكامل” من قطاع غزة ولعدم خرق الكيان الاسرائيلي لوقف إطلاق النار، وهو ما يشير إلى أن الرد الفلسطيني ليس خياراً بين “استسلام كامل” أو “حرب نهاية”، بل مناورة ضرورية لتثبيت وزن المقاومة على طاولة المفاوضات وتأكيد الحقوق المشروعة.

 

رهان على الوصاية الدولية

كشفت بنود الخطة، وفقاً لوكالة “فرانس برس”، عن مقترح لإدارة قطاع غزة بعد الحرب من خلال “لجنة فلسطينية من التكنوقراط والخبراء الدوليين”، بإشراف “مجلس يترأسه ترامب نفسه” ومن أعضائه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.

إقحام شخصية بلير، الذي يعتبر مثيراً للجدل في العالم العربي بسبب إرثه الثقيل المتمثل في دعمه لغزو العراق عام 2003، يثير تساؤلات جدية حول مصداقية هذه الهيئة، ويعكس “مخاوف من أن تتحول غزة إلى مختبر دولي لتجارب سياسية جديدة”، كما أشار الكاتب حمزة علي. هذا الترتيب يضمن للإدارة الأمريكية وسلطات الاحتلال الإشراف الكامل على مستقبل القطاع، ويؤكد أن الخطة تهدف إلى تنفيذ أجندة خارجية لا تأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي للمأساة الفلسطينية، بل تخدم فكرة “التحول” بعيداً عن مسار المقاومة.

 

عقيدة المقاومة “شواهد الغدر”

تؤكد قوى المقاومة أن هذا المخطط لن يمر، وأن خيارها في التعامل مع الخطة سيكون “استراتيجياً وليس مرحلياً”. هذا التمسك ليس عناداً سياسياً، وإنما عقيدة راسخة ترى في بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه وعودة قضيته إلى الحياة انتصاراً للحق.

الهدف الحقيقي لهذه الخطة يتجاوز إرادة الحلفاء في “إفشال حركة حماس”، إلى غاية تحويل ما يراد بالمقاومة إلى “النموذج الأولي” الذي سيتم استنساخه لتفكيك أي قوى مقاومة أو وطنية في دول المنطقة الأخرى. ويحذر المراقبون من “شواهد الغدر” التاريخية، مُذكّرين بأن التاريخ لم يسجل حتى اللحظة مشهداً واحداً يحكي أن عدواً مستعمراً قدَّم لعملائه أو لمن خضعوا لشروطه حماية أو وفاء، وأن التفريط بقوة المقاومة هو القشة التي ستقصم ظهر القوة العربية والإسلامية بأكملها، لتصبح بقية دول المنطقة أهدافاً سهلة لمشروع “إعادة التشكيل”.

 

الخديعة الكبرى

التسليم بالرؤية الأمريكية الإسرائيلية لحكم غزة، وتفويض شخصيات مثل توني بلير (صاحب الإرث الثقيل في غزو العراق) لإدارة “اليوم التالي”، يرسخ مبدأ التدخل والوصاية الدولية على الأراضي العربية.

كما ان الاعتقاد بأن فلسطين هي الهدف النهائي لأطماع مشروع “إعادة التشكيل” هو وهم كبير. الحقائق تشير إلى أن تفكيك غزة والضفة، عبر “الكنتونات” و”الإدارة الدولية”، هو مجرد نقطة انطلاق لفرض واقع إقليمي جديد يعيد ترتيب خريطة الدول وفقاً للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، مما يجعل المنطقة بأسرها رهينة لهذا المشروع التوسعي.

 

شواهد الغدر

إلى كل المسارعين إلى أحضان العدو، والمتخيلين أن الانصياع لشروط “اليوم التالي” يضمن لهم الحماية أو الاستقرار، فإن التفريط بحركة المقاومة حماس ليس مجرد خطأ تكتيكي، بل هو القشة التي ستقصم ظهر القوة العربية والإسلامية بأكملها. فما بعد القضاء على حماس لن يكون أصعب على الكيان الإسرائيلي وأمريكا، بل سيكون التفكيك أسهل وأسرع.

يجب تذكر أن التاريخ لم يسجل حتى اللحظة مشهداً واحداً يحكي أن عدواً مستعمراً قدَّم لعملائه أو لمن خضعوا لشروطه حماية أو وفاء بما التزم به من تعهدات.

ولعب شواهد الغدر، كانت جلية في قصة البوسنة والهرسك وكيف تُركوا لمصيرهم، وتذكروا،أيضا، ما حدث عندما سلمت منظمة التحرير سلاحها مقابل تعهدات لم تتحقق.

 

عبرة رام الله

أقوى صورة تعبيرية عن هشاشة أوهام الحماية الأمريكية تكمن فيما آلت إليه السلطة الفلسطينية في رام الله، التي تجردت من كرامتها الوطنية حتى تحولت، عملياً، إلى مجرد قسم شرطة متقدم في إدارة أمن الاحتلال.

قوة المقاومة هي آخر خط دفاع عن الكرامة والسيادة العربية. وبالتفريط بها تصبح بقية دول المنطقة أهدافاً سهلة لمشروع “إعادة التشكيل”، ولن تجد حامياً لها سوى أوهام لن تمنع جرافات التاريخ من هدم كل ما بنت.

 

قد يعجبك ايضا