المصدر الأول لاخبار اليمن

من التطبيع السري في 1996 إلى التفاوض تحت ضغط المقاومة.. خيوط الصراع تُكشف والتحالفات تتبدل

شرم الشيخ | وكالة الصحافة اليمنية

 

تُشكل قمة شرم الشيخ، التي عُقدت في مارس 1996 تحت شعار “صانعي السلام”، وبين المفاوضات الجارية في العام 2025 بخصوص غزة، نقطتي تحول مفصليتين في تاريخ الصراع مع الاحتلال الصهيوني، ورغم أن كلا الحدثين عُقد على الأراضي المصرية وتحت رعاية أمريكية، إلا أن سياقهما وأهدافهما المعلنة والخفية تكشف عن تحولات جذرية في معادلات القوة ومسارات السياسات العربية تجاه سلطات الاحتلال. لم تكن القمة الأولى مجرد تجمع لإنقاذ عملية أوسلو الهشة، بل كانت، كما كشفت الوقائع لاحقاً، غطاءً سياسياً لتدشين التنسيق السري، بينما تأتي مفاوضات 2025 تحت وطأة عسكرية فرضت المقاومة قواعدها وأجندتها.

 

شرم الشيخ 1996

شهدت قمة 1996 تحولاً جذرياً في أولويات الأطراف العربية الرسمية، من التركيز على التسوية العادلة إلى بند “محاربة الإرهاب” (في إشارة إلى المقاومة الفلسطينية)، ما أظهر تفضيلاً واضحاً لمزاعم “الأمن الإسرائيلي” على حساب الضغط الفعلي لإقامة “الدولة الفلسطينية المستقلة”.

لم تقتصر دلالة القمة على بياناتها الختامية، بل كانت بمثابة “الغطاء السياسي” لكسر الحظر غير الرسمي للتواصل المباشر مع سلطات الاحتلال. وتمثل ذلك في اللقاءات الجانبية رفيعة المستوى، وأبرزها لقاء الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي آنذاك، مع شمعون بيريز، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي.

ذلك اللقاء، الذي ظل محل تكتم لسنوات، يؤكد وجود مسار موازٍ من التواصل السري كانت تديره بعض الأطراف العربية، بعيداً عن خطاباتها العلنية المناهضة لـسلطات الاحتلال. هذا الازدواج في السياسات بين الخطاب المعلن والمسار السري، الذي تأسس في تلك المرحلة، يمثل تحدياً أخلاقياً وتاريخياً ويثير تساؤلات حول مدى الالتزام بمبادئ الوحدة العربية ومصالح الشعوب.

 

شرم الشيخ 2025

تأتي مفاوضات 2025 في سياق مختلف جذرياً؛ إذ لم تُعقد بمبادرة عربية لإنقاذ عملية سلام، بل جاءت تحت الضغط العسكري للمقاومة والضغط السياسي الأمريكي المكثف لإنجاز صفقة تبادل للمحتجزين، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.

تُظهر مفاوضات 2025 مراوغة واضحة من جانب سلطات الاحتلال، التي أوفدت وفداً “تقنياً” محدود الصلاحيات، مؤكدة أنها تريد اختبار “جدية” حركة المقاومة. هذا التكتيك، إلى جانب تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إرسال مندوبه رون ديرمر واستبداله بوفد “تقني” محدود الصلاحيات، يُفسر بأنه “بداية ألاعيب لكي يسحب وقت”، ما يشير إلى محاولة لعرقلة التقدم وكسب الوقت في مسار التفاوض الحساس.

تُشدد سلطات الاحتلال على التفاوض من “النقطة صفر” وجعل إطلاق سراح المحتجزين “أولوية قصوى”، متجاهلة المطالب الأساسية للمقاومة المتعلقة بوقف إطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي. كما أن النقاشات حول تفاصيل الصفقة، كإصرار المقاومة على إطلاق سراح أسرى المؤبدات (مثل مروان البرغوثي)، ورفض سلطات الاحتلال وصف إعادة الانتشار بـ”الخروج لجيش الاحتلال”، تُؤكد أن الطريق لا يزال محفوفاً بالعراقيل، وتُبرز شيطان التفاصيل الذي قد يعثر الصفقة.

 

المقاومة تفرض أجندتها

على النقيض من عام 1996، حيث سادت أجندة “مكافحة الإرهاب”، فإن مفاوضات 2025 تُظهر أن القضية الفلسطينية عادت إلى الصدارة بقوة، وأن المقاومة، رغم الخسائر، “واقفة على أرجلها”، ما دفع سلطات الاحتلال إلى التفاوض تحت ضغط. حتى التحليل الإسرائيلي (جدعون ليفي في “هآرتس”) يرى أن هذا الاتفاق “فرضته أمريكا على الكيان الإسرائيلي”، مشيراً إلى ضعف موقف سلطات الاحتلال أمام الإرادة الأمريكية، التي تتوافق في هذه المرحلة مع ضرورة وقف إطلاق النار لضمان التبادل.

 

 

آفاق المستقبل.. إعادة صياغة المعادلة الإقليمية

تُشير المقارنة بين سياق قمة شرم الشيخ لعام 1996 ومفاوضات 2025 إلى تحول عميق في المشهد الإقليمي وميزان القوى. لم يعد المسار مُوجهاً بشكل أحادي لخدمة مزاعم الأجندة الأمنية لـ “سلطات الاحتلال” كما كان الحال عند التأسيس لـ “التطبيع السري”، بل أصبح مُتأثراً بقوة ضاغطة جديدة فرضتها المقاومة.

سيظل الدور المحوري للمقاومة، في غزة والمنطقة، هو المُحرك الأساسي لأي عملية تفاوضية مستقبلية، حيث نجحت في إجبار سلطات الاحتلال على التفاوض وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة العالمية بقوة لا يمكن تجاهلها.

وفي المقابل، فإن فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه العسكرية الكبرى في غزة يُضعف من زخم عمليات التطبيع العلنية، ويُشكل رادعاً إضافياً للأطراف الإقليمية التي كانت تراهن على القوة العسكرية للكيان. هذا التطور يعيد النظر في جدوى التسوية من منظور أمني بحت تجاه الكيان الإسرائيلي كجزء من نهج المقاومة المتواصل.

ومع تزايد المناورات الإسرائيلية، صار من المفترض على الوسطاء والضمانات الدولية لعب دور حاسم لضمان تنفيذ شروط الانسحاب ووقف إطلاق النار وتجاوز عراقيل المماطلة التي تهدف إلى كسب الوقت.

وفي هذا السياق، تبقى ضرورة يقظة الشعوب العربية حتمية، لفهم واستيعاب حقيقة التباين بين الخطاب الرسمي ومسار التنسيق السري الذي كشفت عنه وقائع التسعينيات، وهو ما يفرض الحذر والوعي الكامل تجاه أي تحالفات إقليمية أو دولية قادمة. هذا التحول يُنذر بأن مستقبل المنطقة لن يُرسم إلا بفرض توازن قوى جديد يضمن حقوق الشعوب ويستجيب لإرادتها في التحرير.

وباختصار، انتقلت المنطقة من حقبة كانت فيها سلطات الاحتلال تعمل على دمجها سراً تحت شعار مزاعم “الأمن”، إلى حقبة جديدة تفرض فيها المقاومة التفاوض علناً من موقع القوة، في حين تواصل سلطات صنعاء عملياتها العسكرية تجاه الكيان الإسرائيلي لتؤكد استمرار نهج المقاومة على كافة المستويات، طالما استمر العدوان. وفي المقابل، وحسب قناة 24 العبرية، فإن هذه التحولات تُنذر بأن مستقبل المنطقة لن يُرسم إلا بفرض توازن قوى جديد يضمن حقوق الشعوب وتحرير أراضيها.

قد يعجبك ايضا