المصدر الأول لاخبار اليمن

قراءة في المشهد بعد عامين من طوفان الأقصى.. هل انتصرت “إسرائيل”؟

القدس المحتلة | وكالة الصحافة اليمنية

 

بعد مرور عامين على عملية طوفان الأقصى، تبدو الصورة للوهلة الأولى وكأنّ “إسرائيل” حققت إنجازات ميدانية وسياسية في معركتها مع المقاومة الفلسطينية ومعها محور المقاومة، غير أنّ القراءة العميقة للمشهد تُظهر ملامح هزيمة استراتيجية كبرى، لم تقتصر على الميدان فحسب، بل طالت الركائز التي قامت عليها دولة الإحتلال منذ تأسيسها.

 

انهيار أسطورة القوة الإسرائيلية

قبل السابع من أكتوبر 2023، لم يكن أحد يتوقع أن تتمكن المقاومة الفلسطينية، بإمكانياتها المحدودة، من تنفيذ عملية بحجم “طوفان الأقصى”، أو أن تصمد في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن ما حدث قلب المعادلات، إذ عجز جيش الاحتلال الإسرائيلي — الذي لطالما وُصف بأنه “لا يُقهر” — أمام مجموعات مقاتلة صغيرة تمتلك تسليحًا متواضعًا مقارنة بترسانة الاحتلال. بهذا، انهارت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وتراجعت نظرية الردع التي سعت “إسرائيل” لترسيخها لعقود،  فقدت “تل أبيب”  هيبتها في الإقليم، وتبددت صورة القوة التي كانت تُرهب بها دول وشعوب المنطقة، الأمر الذي يُعدّ في ذاته هزيمة استراتيجية قد تترك آثارًا بعيدة المدى على طبيعة الصراع العربي-  “الإسرائيلي “، والصراع في المنطقة ككل.

والحقيقة أن نظرة شعوب المنطقة إلى “إسرائيل” قد تغيرت إذ باتت تُرى ككيان ضعيف يعتمد بالكامل على الدعم الأميركي، بينما أثبتت التجربة أن هذا الدعم نفسه ليس ثابتًا أو مضمونًا إلى الأبد، وما حدث في اليمن من تخلٍ أميركي عن “إسرائيل”،  عكس تحوّلًا استراتيجيًا في موازين القوة الإقليمية، وكشف بان بقاء الولايات المتحدة كقوة إقليمية تتحكم بالمنطقة بات مستحيلاً.

 

الانعكاسات المستقبلية

حققت “إسرائيل” بعض المكاسب في لبنان أو سوريا أو حتى إيران، لكن تلك النجاحات التكتيكية لا تبدو كافية لاستعادة نظرية الردع أو لإحياء صورة الجيش الذي لا يُقهر؛ فمحور المقاومة، وفق المؤشرات الحالية، يعيد ترتيب أوراقه بثبات، بينما تجد “إسرائيل” نفسها أمام واقع استراتيجي جديد تآكلت فيه هيبتها العسكرية والسياسية، وتزايدت فيه التحديات الوجودية التي تهدد استمرارها على المدى البعيد.

وفيما يرى البعض أن الموقف العربي الرسمي  يقول بغير ذلك، إلا أن قراءة أعمق للمشهد الإقليمي تكشف أن هذه المواقف لا يمكن البناء عليها أو اعتبارها تعبيرًا حقيقيًا عن موقف الشعوب، بل هي مواقف أنظمة عميلة قد تسقط في أي لحظة، بل إنّ ما تواجهه واشنطن من إخفاقات في ملفات مثل اليمن وإيران، يشير إلى تحوّلٍ تدريجي في موازين القوى على المستويين الإقليمي والدولي، واستمرار هذه التحولات، مقترنًا بقدرة محور المقاومة على تجاوز أزماته الداخلية واستعادة توازنه الميداني، قد يدفع حتى بعض الأنظمة  إلى إعادة حساباتها والوقوف على مسافة مختلفة من “تل أبيب” في المستقبل القريب.

وهكذا، لا يمكن قراءة مواقف هذه الأنظمة بمعزل عن تغير ميزان القوة في المنطقة؛ فالثابت الوحيد في المنطقة هو التحول، وليس الإستقرار.

 

تغير صورة “إسرائيل” في العالم 

مع اندلاع حرب غزة وما رافقها من جرائم إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة، تهاوت السردية “الإسرائيلية” التي رُوّجت لعقود في وسائل الإعلام  العالمية، والغربية خصوصًا، لتحل محلها السردية الفلسطينية التي نجحت في كشف حقيقة الاحتلال ومعاناة المدنيين الفلسطينيين تحت القصف والحصار .

ولأول مرة منذ قيام “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية باتت صورتها في الوعي العالمي مرتبطة بالقوة المفرطة والعدوان، لا بـ”الحق في الدفاع عن النفس” كما كانت تُقدّم نفسها؛ فقد تحوّلت المشاهد الخارجة من غزة إلى شهادة دامغة على أن “إسرائيل” تمارس سياسة تدمير شامل بحق شعبٍ أعزل، ما جعلها في نظر قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي كيانًا إجراميًا يجب محاسبته، بل وصل الأمر إلى أن بعض الدول دعت من على منبر الأمم المتحدة إلى تشكيل جيش لتحرير فلسطين، في سابقة سياسية غير معهودة في الخطاب الدولي.

ومع كل هذا من الملاحظ أن القناعات في الغرب وحتى في الولايات المتحدة الأميركية نفسها باتت تتغير تجاه “إسرائيل” ودائرة الكارهين لـ “الصهيونية” والمناصرين للقضية الفلسطينية تتسع، والأكثر دلالة تلك المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني، والتي تؤكد أن صوت الجيل الغربي الشاب أكثر جرأة في انتقاد “إسرائيل” وتجريمها وأكثر استعدادًا للضغط على حكوماته باتجاه التخلي عن دعمها غير المشروط لـ “تل أبيب “.

وهذا التحوّل في القناعات لا يُعد مجرد رأي عابر، بل هو الخطوة الأولى في مسار الانفصال التدريجي عن “إسرائيل”، بما يحمله ذلك من انعكاسات سياسية واستراتيجية على مستقبل العلاقة بين الغرب و”تل أبيب”، وعلى مستقبل وجودها في المنطقة.

 

تحول عميق

بعد عامين على عملية طوفان الأقصى، يتضح أن ما جرى لم يكن مجرد معركة عسكرية محدودة، بل تحوّل استراتيجي عميق في مسار الصراع العربي–”الإسرائيلي” وفي صورة “إسرائيل”  أمام نفسها والعالم؛ فقد كشفت التطورات الميدانية عن تآكل الردع “الإسرائيلي” وانهيار أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، كما أظهرت التحولات في الرأي العام الدولي أن “إسرائيل” خسرت أهم ما كانت تملكه طوال عقود، وهو التفوق المعنوي والإعلامي الذي مكّنها من تبرير عدوانها وتلميع صورتها كـ “ضحية تدافع عن شعبها بقوة”.

اليوم، باتت “إسرائيل”  تواجه هزيمتين متزامنتين: هزيمة عسكرية نفسية داخل المنطقة مع فقدان هيبتها وردعها التقليدي، وهزيمة سياسية أخلاقية على الساحة الدولية بعد أن أصبحت تُرى ككيان يمارس الإبادة والتطهير العرقي، وفي المقابل، استعادت القضية الفلسطينية مكانتها وألقها وحضورها المركزي عالميًا، وارتفعت الأصوات المنادية بالعدالة للشعب الفلسطيني.

إنها لحظة مفصلية في تاريخ الصراع، حيث تتبدل فيها المفاهيم والموازين، ويتراجع فيها المشروع الصهيوني أمام تنامي وعي شعوب العالم، وإصرار محور المقاومة على إعادة صياغة معادلة القوة في المنطقة، وبالتأكيد فان ما بعد طوفان الأقصى لن يكون كما قبله، حتى وإن حاولت “إسرائيل” ومعها الولايات المتحدة الأميركية إثبات عكس ذلك.

قد يعجبك ايضا