المصدر الأول لاخبار اليمن

دلالات الرسالة السياسية من إعلان استشهاد قادة سرايا القدس

غزة/وكالة الصحافة اليمنية

أعلن أبو حمزة، الناطق الجديد باسم سرايا القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين – في خطاب اتّسم بالجرأة والشفافية النادرة في زمن العدوان، استشهاد المئات من مقاتلي وقادة السرايا، بينهم أعضاء المجلس العسكري والمجلس الركني، الذين ارتقوا خلال معركة طوفان الأقصى.

لكن هذا الإعلان، الذي جاء بعد عامين كاملين على اندلاع المعركة، لم يكن مجرّد بيان نعي داخلي في سجل المقاومة، بل يمكن قراءته كوثيقة سياسية–عسكرية تهدف إلى تثبيت سردية الانتصار رغم الفقد، وإعادة رسم صورة المقاومة المنظمة التي صمدت في وجه أعتى آلة حرب في المنطقة.

كما أكد البيان، أن العبور التاريخي إلى داخل الأراضي المحتلة لم يكن لحظة ميدانية عابرة، بل تحوّلًا في معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

 

عبور تاريخي

حين قال أبو حمزة إن مقاتلي السرايا “عبروا إلى أراضينا المحتلة”، لم يكن يستعيد لحظة ميدانية فقط، بل كان يُذكّر من جهة بأن المقاومة تعتبر كل شبر في فلسطين مناطق محتلة لا بقاء للمحتل فيها، ومن جهة أخرى يذكر بأن التحول المفصلي في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي: لحظة تحوّل المقاومة من حالة ردّ الفعل إلى المبادرة والهجوم داخل المستعمرات “الإسرائيلية” في “غلاف غزة”.

ذلك العبور التاريخي، ليس مجرد مصطلح عسكري، بل عنوان سياسي جديد يعبّر عن انتقال الفصائل من حدود الحصار إلى حدود الاشتباك الوجودي، حيث صار الاحتلال يرى في كل متر داخل “غلاف غزة” جبهة قتال محتملة، وفي كل مقاتل فلسطيني مشروع عملية نوعية.

 

فقدان القادة.. تثبيت للهوية لا انكسار

إعلان أسماء القادة الذين استشهدوا – من محمد إسماعيل أبو سخيل إلى ناجي ماهر أبو سيف المتحدث العسكري السابق – جاء كرسالة مزدوجة:

الأولى، اعتراف صريح بحجم التحيات التي تقدمها سرايا القدس، والثانية، تأكيد على أن الحركة لم تستأصل رغم استهداف بنيتها القيادية.

ففي العرف العسكري للمقاومة، يُعتبر الإعلان عن استشهاد قادة الصف الأول رسالة صمود لا ضعف، تؤكد أن الحركة ما تزال تمتلك القدرة على التعاقب القيادي وإعادة التشكّل، رغم حرب الإبادة الشاملة التي شنها الاحتلال ضد قطاع غزة.

 

الوحشية الممنهجة

اتهم أبو حمزة الاحتلال الإسرائيلي بشنّ حرب همجية مدروسة، لا تمثّل ردة فعل على عملية طوفان الأقصى، بل خطة إبادة مسبقة ضد المدنيين.

في جوهر هذا الخطاب، ثمة محاولة واضحة لإعادة صياغة الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي حول العدوان، بحيث لا تُرى كاشتباك عسكري محدود، بل كمشروع تصفية شامل لشعب بأكمله، بدعم أميركي سياسي ولوجستي غير محدود.

أن اللغة الإعلامية التي برزت في البيان الذي تلاه أبو حمزة تسعى إلى إزاحة خطاب الاحتلال الإسرائيلي من موقع الضحية وتظهره في صورته الحقيقة في موقع الجلاد، في إطار معركة رواية لا تقل شراسة عن المعركة الميدانية.

فبينما يزعم الاحتلال عن تدمير قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية، تؤكد سرايا القدس أن العدو فقد إنسانيته وأخلاقه في مقابل مقاومة تصوغ تضحيتها بلغة الشرف والموقف.

 

تماسك محور المقاومة وتنسيق الفصائل

أكثر النقاط اللافتة في خطاب أبو حمزة كانت تأكيده أن العلاقة بين سرايا القدس وكتائب القسام لم تنقطع يوماً، وأن الجهاد الإسلامي ملتزمة باتفاق وقف النار مع مراقبة دقيقة لسلوك الاحتلال.

هذه الإشارة ليست تفصيلًا عابرًا، بل رسالة سياسية إلى الداخل والخارج:

 

إلى الداخل الفلسطيني، لتأكيد أن وحدة الميدان لم تتأثر بالضربات.

وإلى الخارج، لتطمين الوسطاء بأن المقاومة ليست في طور التصعيد، لكنها في حالة استعداد دائمة للردّ.

 

بهذا المعنى، فإن الحركة أرادت أن تقول إنها رغم فقدان المئات من خيرة قادتها، لم تفقد توازنها الاستراتيجي ولا موقعها في معادلة الردع الجماعي لمحور المقاومة.

 

ما وراء الخطاب

من الناحية الرمزية، قد يكون خطاب أبو حمزة جزءًا من عملية ترميم للوعي الجمعي المقاوم، في مواجهة رواية الاحتلال التي تحاول إظهار الفصائل كجماعات منهارة.

لكن، في العمق، هو إعلان بقاء أكثر منه نعي غياب. فحين يقرأ الجمهور الفلسطيني والعربي أسماء القادة الشهداء، لا يسمع نهاية مرحلة، بل يشهد بداية مرحلة جديدة قوامها الوراثة الميدانية والاستمرار العقائدي.

إن سردية “الاستشهاد الجماعي” التي قدّمتها سرايا القدس بهذا الشكل المنظّم، تُعيد إنتاج الوعي المقاوم بلغة التضحية والبطولة، لا بلغة الخسارة. وهي في الوقت ذاته توجّه رسالة لخصومها بأن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن من عبروا الغلاف قادرون على العبور مجددًا.

خطاب أبو حمزة ليس مجرد إعلان ميداني، بل بيان استراتيجي يرسم ملامح ما بعد العدوان على غزة:

مقاومة متماسكة، فقدت قادتها لكنها لم تفقد رسالتها، تواجه جيشًا فقد إنسانيته لكنها لم تفقد بوصلتها الأخلاقية.

وما بين العبور التاريخي والمجزرة المفتوحة، يكتب الفلسطينيون فصلًا جديدًا في معركة الإرادة، حيث تتحوّل التضحيات إلى معنى، والدم إلى ذاكرة، والغياب إلى وعدٍ بالعودة.

 

قد يعجبك ايضا