المصدر الأول لاخبار اليمن

قرار محكمة العدل الدولية.. صفعة قانونية لـ”إسرائيل” ومقدمة لمسار محاسبة دولي متصاعد

تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية

في واحدة من أكثر القرارات القانونية حرجًا للاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، أصدرت محكمة العدل الدولية اليوم الأربعاء حكمًا مفصلًا يدين سلوك الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكدة أنها فشلت في تقديم أي مبررات قانونية لادعاءاتها بأن موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تابعون لحركة حماس أو لمنظمات أخرى.

لكن القرار، الذي بدا في ظاهره بيانًا قانونيًا أمميًا، يحمل في جوهره إدانة مؤسسية شاملة لسلوك الاحتلال في غزة والضفة والقدس، ويمهّد فعليًا لتصعيد المساءلة الدولية على أساس جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي رصدتها لجان التحقيق الأممية خلال العام الماضي.

 

المحكمة: لا سيادة للاحتلال على الأراضي الفلسطينية

أكدت المحكمة في نصها أن “إسرائيل”، بصفتها سلطة احتلال، لا تملك أي حق سيادي على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، وأنها ملزمة باحترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان حتى في ظل النزاع المسلح.

كما شددت على أن الاحتلال الإسرائيلي ملزم بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وبرامج الأمم المتحدة، وعلى رأسها الأونروا، محذّرة من أن تجويع المدنيين يُعد جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف الأربع.

وفي بند هو الأول من نوعه بهذا الوضوح، ألزمت المحكمة الاحتلال الإسرائيلي بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقلين الفلسطينيين، معتبرة أن حرمانهم من الزيارات يشكل انتهاكًا ممنهجًا لحقوق الأسرى والمحتجزين تحت الاحتلال.

 

من إدانة سياسية إلى مسؤولية جنائية

يُنظر إلى قرار محكمة العدل الدولية كأحد المفاصل القانونية الكبرى في مسار الصراع الفلسطيني العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ يمثل نقلة من الإدانة الأخلاقية إلى الإلزام القانوني الدولي.

فالمحكمة، بصفتها الذراع القضائية العليا للأمم المتحدة، لا تصدر قرارات رمزية فحسب، بل تضع أساسًا قانونيًا ملزمًا للدول والأجهزة الدولية الأخرى، ما يمكّن لاحقًا من تفعيل أدوات المساءلة الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية بحق المسؤولين “الإسرائيليين”.

ويرى خبراء القانون الدولي أن هذا القرار سيُستثمر قريبًا من قبل أطراف دولية ومنظمات حقوقية كبرى لدفع ملفات جرائم الاحتلال الإسرائيلي إلى مستويات الملاحقة الشخصية، خاصة بعد تراكم الأدلة حول استهداف المدنيين وتجويع السكان ومنع دخول الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة.

 

رد مخزٍ

رد الاحتلال الإسرائيلي لم يتأخر. فقد وصف “داني دانون، مندوب الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، قرار محكمة العدل الدولية بأنه “مخزٍ”.

بدورها سارعت خارجية كيان الاحتلال الإسرائيلي لرفض القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن الأونروا.

وقالت في بيان مقتضب: “الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية محاولة سياسية أخرى لفرض إجراءات ضدنا تحت ستار القانون الدولي”، على حد قولهه، في محاولة واضحة لتحويل النقاش من الإدانة القانونية إلى خطاب أمني وسياسي يبرر جرائم الحرب.

لكن مراقبين اعتبروا ردّ دانون وخارجية الاحتلال، انعكاسًا لحالة القلق داخل مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي السياسية والعسكرية من اتساع العزلة الدولية، خصوصًا بعدما باتت معظم مؤسسات الأمم المتحدة – من مجلس حقوق الإنسان إلى محكمة العدل – تتبنّى توصيفات صريحة تربط سياسات الاحتلال الإسرائيلي بجرائم الإبادة الجماعية.

 

ارتدادات القرار: نحو حصار قانوني شامل

يُتوقع حقوقيون ومنظمات دولية أن يفتح القرار الباب أمام سلسلة من التحركات القانونية المتتابعة في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، خصوصًا أن محكمة العدل الدولية – وإن لم تملك أدوات تنفيذ مباشرة – تفرض التزامًا قانونيًا ومعنويًا على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

ويشير خبراء القانون إلى أن القرار يخلق سندًا قانونيًا مرجعيًا يمكن الاستناد إليه في أي دعاوى أو تقارير مقبلة، سواء أمام الجنائية الدولية أو المحاكم الأوروبية، كما أنه يضيق الخناق على الدول التي تبرر دعمها العسكري للاحتلال الإسرائيلي رغم وضوح الانتهاكات.

كما يضع القرار الاحتلال الإسرائيلي في زاوية العزلة القانونية والسياسية، بعد أن أصبحت موصوفة رسميًا في وثيقة قضائية أممية بأنها قوة احتلال تمارس التجويع والعقاب الجماعي ضد المدنيين، وهو توصيف من شأنه أن يعزز المطالبات بتجميد التعاون العسكري معها.

 

مواجهة جديدة بين القانون والسياسة

بهذا القرار، تدخل المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي مرحلة قضائية صريحة، تتجاوز الإدانة الدبلوماسية إلى مساءلة قانونية تتراكم أوراقها ببطء ولكن بثبات.

فبينما تحاول حكومة الاحتلال تصوير قرارات المحكمة بأنها “منحازة”، يدرك العالم أن القانون الدولي بدأ يستعيد زمام المبادرة، وأن محكمة العدل الدولية – رغم بطئها المؤسسي – قد وضعت حجر الأساس لمسار طويل يقود نحو محاسبة مرتكبي الجرائم في غزة والضفة.

إنه قرار لا يوقف العدوان، لكنه يغيّر شكله وميدانه: من ميدان القنابل إلى ميدان الوثائق، ومن ساحات المعارك إلى قاعات العدالة الدولية، حيث بدأت مظلومية القضية الفلسطينية تترسّخ بحكم قضائي لا يمكن إنكاره أو تجاهله.

قد يعجبك ايضا