كشفت صحيفة “معاريف” العبرية مؤخراً، عن قيام شركة “كونتروب” “الإسرائيلية” المتخصصة في الأنظمة العسكرية والأمنية المتطورة، بافتتاح فرع لها في الإمارات.
هذه الخطوة، التي قد يصورها البعض على أنها استمرار طبيعي لاتفاقيات التطبيع، تحمل في طياتها دلالات أعمق بكثير، فهي تعبر عن تحول جوهري في طبيعة العلاقة من “التطبيع” الذي يفترض شكلاً من أشكال التكافؤ، إلى “تبعية” كاملة تبتلع سيادة الدولة وتجعلها رهينة لمصالح وأجندة الدول المحتلة .
“كونتروب” تتوج سنوات من الارتهان
الحقيقة بان قبول الإمارات تأسيس فرع لشركة “كونتروب” “الإسرائيلية” داخل أراضيها ليست خطوة غير مسبوقة كما صورتها صحيفة “معاريف ” العبرية بل هي تتويج لمسار طويل تم فيه تفريغ اتفاقيات التطبيع من مضمونها “الدبلوماسي” المعلن، لتحويله إلى علاقة تبعية شاملة ، والواضح ان النظام الاماراتي قد تجاوز فتح سفارات أو توقيع الاتفاقيات الاقتصادية، إلى مرحلة السماح للكيان المحتل بغرس أدواته الأمنية والعسكرية المباشرة في العمق الاستراتيجي للإمارات.
هذا التحول لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو نتاج تراكم لسنوات من العلاقات السرية أولاً ثم المعلنة، حيث تحولت أبوظبي من شريك مُفترض إلى دولة تابعة، تُستدرج شيئاً فشيئاً إلى وحل الأدوار المشبوهة التي تخدم المشروع “الإسرائيلي” على حساب مصالحها الوطنية الحقيقية وسيادتها .
الشراكة الوهمية
يُروج للتعاون الأمني مع “كونتروب” وكأنه “شراكة استراتيجية”، لكن الحقيقة أنه تكريس عملي للتبعية ، وجود أنظمة المراقبة الجوية والبرية والبحرية، وأنظمة الدفاع الإلكتروني التابعة لـ”كونتروب” يعني، ببساطة، أن تل أبيب تمتلك الآن “عيوناً وأذاناً” دائمة ومباشرة داخل أشد مرافق الامارات حساسية، ألا وهي البنية التحتية الأمنية.
هذه الأنظمة لا تقتصر على مراقبة الحدود، بل يمكنها جمع بيانات حيوية عن تحركات القيادات، وخطوط الاتصال، وأنماط العمل الأمني اليومي.
هذه السيطرة على المعلومة الأمنية تجرد أبوظبي من أحد أهم مقومات الدولة الحديثة: السيادة الحصرية على معلوماتها الحيوية، وتحولها إلى أداة طيعة في يد “إسرائيل” بحيث تكون قادرة على ابتزازها وتوجيه سياساتها وفقاً لما يخدم مصالحها في أي وقت .
برمجية التجسس
ما يحدث اليوم عبر “كونتروب” هو حلقة في سلسلة طويلة من ارتهان السيادة الأمنية للإمارات ، فقد سبق ذلك اعتماد السلطات الإماراتية على برامج وتقنيات تجسس “إسرائيلية” مثل برنامج “بيغاسوس” وغيره، في مراقبة معارضيها داخلياً وخارجياً. هذا يعني أن ملفات الأمن الداخلي، بيانات الشخصيات العامة والضباط، وشبكات المراقبة الحساسة، أصبحت مرهونة بالتقنيات والخبراء “الإسرائيليين”،وهذا ليس تعاوناً تقنياً بين دولتين، بل هو “ارتهان” كامل يجعل الأمن القومي الإماراتي رهينة بيد ” إسرائيل ” فالطرف الذي يتحكم في “برمجية التجسس” و”أنظمة المراقبة” يتحكم فعلياً في قرار الدولة الأمني ويوجهه وفقاً لرؤيته .
الطموح الضائع
سعى بن زايد، بعد التطبيع إلى تقديم بلاده على أنها “قوة إقليمية قائدة” ولاعب أساسي في هندسة مستقبل المنطقة ، لكن الوقائع على الأرض تكشف النتيجة العكسية تماماً. فبدلاً من أن تظهر الإمارات كقوة مستقلة، ها هي تقدم للعالم نموذجاً للدولة التابعة التي تتحول إلى “أداة قذرة” في المشروع “الإسرائيلي” يتم استخدام نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي لتطبيع العلاقات مع الكيان المحتل على المستوى الإقليمي، وتقديم خدمات لوجستية وسياسية تسهل اختراقه للمنطقة ، وبذلك، فإن الطموح الإماراتي المعلن تحطم على صخرة التبعية، لتحتل مكانة “التابع الذليل” وليس “القائد الإقليمي”.