المصدر الأول لاخبار اليمن

الطفل الذي ينام جائعًا.. غزة تحتضن فناء الطفولة بصمتٍ عالمي

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية

في زاويةٍ ضيّقة من أحد ملاجئ غزة، ينام الطفل “آدم” ابن الثلاثة أعوام على بطانيةٍ ممزقةٍ تفوح منها رائحة الدخان والرطوبة. عظامه البارزة من تحت جلده النحيل تفضح حربًا لا يعرف سببها، سوى أنها سرقت منه الحليب، والأمان، ودفء الأم التي كانت تهدهده قبل أن يغيب صوتها في غارةٍ ليليةٍ على بيتهم في مخيم النصيرات.

يقول الطبيب المشرف على علاجه في جمعية العودة الصحية إن حالة آدم ليست استثناءً، بل وجهٌ مصغّرٌ لمأساة الآلاف.

ويضيف: لدينا أكثر من 51 ألف طفل يعانون من أمراض مرتبطة بسوء التغذية، و154 طفلًا فقدوا حياتهم لأننا لم نملك ما يكفي من الغذاء والدواء لإنقاذهم.

 

أطفال بلا حليب ولا مدارس

منذ السابع من أكتوبر 2023، تغيّر وجه الطفولة في غزة. 40 ألف طفل بحاجة إلى الحليب يوميًا، لكن ما يصل لا يكفي سوى القليل منهم. أمهاتٌ يحاولن إذابة الأرز والماء كبديلٍ للحليب، وأطباءٌ يحقنون الأطفال بمحاليل الملح بدل الغذاء.

وفي المدارس المهدّمة، لم يعد هناك جرس يُقرع. نصف مليون طفل حُرموا من التعليم للعام الثاني على التوالي، بعدما تحولت الفصول إلى ملاجئ أو أنقاض. بعض الأطفال يجلسون فوق الركام ويمسكون دفاترهم المحترقة، كما لو أنهم يحاولون إنقاذ ذاكرةٍ منسية أكثر من إنقاذ دروسهم.

 

الأمومة تحت القصف

تقول الممرضة نجلاء، وهي تعمل في أحد مراكز الولادة شمال القطاع: نستقبل يوميًا حالات إجهاضٍ بسبب الجوع والخوف. هناك 16 امرأة تفقد جنينها كل يوم، وبعض الأجنة يموتون قبل أن يولدوا لأن الكهرباء انقطعت عن الحاضنات.

وتتابع بصوتٍ يرتجف: منذ بداية العدوان، استُشهد أكثر من 1,000 رضيع، وتوفي 450 جنينًا في بطون أمهاتهم.. أمهاتٌ يغادرن الحياة وعيونهن مفتوحة على أطفال لم يصرخوا بعد.

 

أوجاع بلا صوت

في أحد المستشفيات، يجلس طفلٌ يُدعى “يحيى” على كرسي بلا أطراف، ينظر إلى الخارج عبر نافذةٍ بلا زجاج. أصيب في غارة، فقد ساقيه ووالده في اليوم نفسه.

يقول الطبيب: يحيى واحد من 5,200 طفل جريح يحتاجون إلى إجلاء طبي عاجل. لكن الأبواب مغلقة، والمعابر صامتة.

الناجون من الموت لا ينجون من الخوف. تشير تقارير جمعية العودة إلى أن الآلاف من الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية حادة بسبب مشاهد القتل والدمار، في ظل غياب أي مراكز دعم نفسي أو أماكن إيواء آمنة.

 

تحذيرات في وجه الصمت

تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل أو أصاب أكثر من 64 ألف طفل، بينما يعيش مليون طفل في ظروف غير إنسانية.

أما منظمة الصحة العالمية فتؤكد أن أكثر من 700 مريض توفوا أثناء انتظار الإجلاء الطبي، مؤكدة أن فتح الممرات الطبية بشكل دائم قد يُغيّر مصير آلاف الأطفال.

 

الفناء الإنساني

يقول رأفت المجدلاوي، مدير جمعية العودة الصحية: “الأطفال في غزة لا يحتاجون الشفقة، بل حقهم في الحياة. إنهم يعيشون على حافة الفناء الإنساني، وإذا استمر العالم في تجاهلهم، فلن نكون أمام مأساة، بل أمام جريمة ضد جيلٍ بأكمله”.

 

وبين جدران الملاجئ، ينام آدم، كما ينام آلاف الأطفال على أملٍ مكسور، ينتظرون فجرًا لا يحمل صوت طائرة.. فقط صوت أمٍّ تغني: نم يا صغيري نام.. فالعدوان لا ينتهي اليوم.

قد يعجبك ايضا