تحتفي صنعاء سنويًا بذكرى الشهيد، باعتبارها محطة وطنية في تاريخ اليمن الحديث؛ تخليدًا لتضحيات وعطاء الشهداء، غير أنها اليوم – بعد عامين من معركة الإسناد لغزة – تحيي هذه الذكرى وفي رصيدها كوكبة من القادة المدنيين والعسكريين.
فعاليات ذكرى الشهيد يحييها اليمنيون في المناطق التي يديرها المجلس السياسي الأعلى بزخمٍ شعبي ورسمي، تجسِّدها فعاليات مركزية في الوزارات والمؤسسات والمحافظات، وعروض تأبينية وندوات رسمية وشعبية، وتمتد لزيارات روضات الشهداء، لقاءات مع أسر الشهداء، وبرامج في المدارس لتعريف الطلاب بقيمة التضحية ومكانة الشهادة في الذاكرة الوطنية، وتتضمن الفعاليات وضع أكاليل الزهور وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء.
الزيارات والمواساة لأسر الشهداء تُعدّ عنصرًا أساسيًا في الفعالية السنوية، والدعم المعنوي والاجتماعي يعبّر عن امتنان المجتمع ويوطد روابط التضامن.
اغتيال القادة
قوافل الشهداء التي قدمها اليمن منذ بدء حرب التحالف في مارس 2015 وحتى وقف العدوان على غزة في أكتوبر 2025، جسدت صدق الموقف الرسمي والشعبي واللحمة الوطنية وتوج اليمن معها صموده بأسمى معاني التضحية التي عبرت من الداخل اليمني إلى المنطقة والعالم في نصرة غزة، كونها ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي محراب الأُمَّـة ومحور عزتها.
باغتيال الاحتلال الإسرائيلي لرئيس الحكومة في صنعاء أحمد الروهوي ورفاقه الوزراء ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن محمد الغماري وغيرهم من القادة، عمدت صنعاء صدق موقفها الاستثنائي بهذه الكوكبة من القادة “شهداء على طريق القدس” ليخطّوا بأرواحهم نصًا جديدًا في سجل تضحيات اليمن المقاوم.
وتُظهر التجربة اليمنية أن استهداف القادة البارزين لم يؤدِّ إلى إضعاف البنية الداخلية كما كان متوقعًا، بل تحوّل إلى عامل يعزّز التماسك الوطني والدافع نحو تطوير الأداء المؤسسي والعسكري.
فغياب شخصيات قيادية بارزة كان يخلّف أثرًا شعبيًا واضحًا يتمثّل في الالتفاف حول المشروع الوطني وتقوية الإرادة العامة على مواصلة مسار الصمود.
وقد برزت، عبر السنوات، ظاهرة لافتة تؤكد أن كل عملية اغتيال كانت تُترجم في الداخل إلى مراجعة للخطط وإعادة بناء القدرات التنظيمية، وتعزيز العمل المؤسساتي والسياسي، بما يعكس قدرة المجتمع اليمني على تحويل الأزمات إلى فرص للتطوير.
استراتيجية بناء
ومثال على ما سبق، تحول اليمن بعد اغتيال الولايات المتحدة الأميركية في حرب التحالف السعودي الإماراتي لرئيس المجلس السياسي الأعلى السابق صالح الصماد في أبريل من العام 2018، إلى قوة ردع استراتيجية حقيقية، إذ استمرت عملية بناء مؤسسات الدولة القوية، وتقوية القدرات الدفاعية لليمن.
استراتيجية الصماد في بناء الدولة اليمنية الحديثة لم تتوقف بعد اغتياله بل استمرت بأثر فاعل، ولم تقتصر على ردع دول التحالف فقط بل أصبحت تهدد أميركا والاحتلال الإسرائيلي، وقد ظهر هذا واضحًا خلال معركة طوفان الأقصى التي انخرطت فيها صنعاء إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة في مواجهة أميركا وبريطانيا و”إسرائيل” ، وانتهت بنصر كبير لصنعاء، التي أصبحت قوة لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يخشاها ويرى فيها تهديدًا وجوديًا له، كما عبر عن ذلك رئيس وزراء الكيان “بنيامين نتنياهو”.
وكان السيد عبد الملك الحوثي قال في كلمته الأخيرة إن اليمن خرج بعد جولة الصراع الحالية مع الاحتلال الإسرائيلي والولايات الأميركية أقوى من أي مرحلة سابقة، مؤكدًا أن اليمن اليوم أصبح أقوى دولة في الإنتاج الحربيفي المنطقة.
وبهذه الصورة، أصبح اغتيال القادة رغم قسوته، محطة تُبرز مدى قدرة اليمنيين على تجاوز الصدمات، وتحويل الخسارة إلى قوة إضافية تدفع نحو الثبات والعمل من أجل المستقبل.