في تطور غير مسبوق داخل العائلة الحاكمة في دولة الإمارات، كشفت تقارير أوروبية عن نزاع حاد بين أفراد من آل نهيان حول ملكية عقارات بمليارات الدولارات في أوروبا، خاصة في فرنسا وبريطانيا.
وأورد موقع “إنتلجنس أونلاين” الفرنسي أن هذه العقارات التي كانت تُعد جزءًا من الإمبراطورية المالية الواسعة للرئيس الراحل خليفة بن زايد آل نهيان، أصبحت اليوم محور صراع شرس بين ورثته وبين شقيقه الحاكم الحالي محمد بن زايد آل نهيان.
وبحسب الموقع، فإن النزاع بدأ بعد صفقة أبرمت عام 2016 نقلت بموجبها ملكية مليارات الدولارات من العقارات التابعة لخليفة إلى “مكتب حكومي خاص”، مما حرم أبناءه من السيطرة المباشرة عليها، وأثار خلافات داخلية متصاعدة حول الميراث.
وأشار التقرير إلى أن هناك محاولات داخل العائلة لإصلاح الوضع سراً، في ظل قلق من أن يتحول الخلاف إلى أزمة علنية تهز صورة تماسك الحكم في أبوظبي.
وفي مايو 2022، أي بعد وفاة خليفة بن زايد، كشفت مصادر مطلعة لموقع “إمارات ليكس” أن محمد بن زايد أمر بتجميد جميع ثروات شقيقه الراحل إلى حين البت في طريقة توزيعها.
وأضافت المصادر أن الحاكم الجديد في حينه “أصر على وضع يده على كافة ثروات وعقارات خليفة، ومنح ما يشاء منها لأبنائه هو، دون الالتزام بأحكام الميراث الشرعية”، وهو ما أثار استياء أبناء خليفة المقيمين خارج البلاد منذ سنوات.
وكشفت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير استقصائي سابق عن “إمبراطورية عقارية خفية” يملكها خليفة في العاصمة لندن وحدها، تقدر قيمتها بنحو 5.5 مليارات جنيه إسترليني.
وتشمل هذه الإمبراطورية أكثر من 170 عقاراً، تتنوع بين قصور ومبانٍ فاخرة ومجمعات سكنية في أحياء راقية مثل نايتسبريدج وريتشموند وماي فير. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن الدخل السنوي من إيجارات هذه العقارات يتجاوز 160 مليون جنيه إسترليني.
وتوضح الغارديان أن محفظة خليفة تم إنشاؤها عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية المسجلة في ملاذات ضريبية خارجية، بإشراف مكاتب محاماة بريطانية كبرى.
ورغم أن امتلاك العقارات عبر شركات خارجية أمر قانوني في بريطانيا، إلا أن الحكومة البريطانية كانت قد أعلنت نيتها إنشاء سجل شفاف للملكية الأجنبية بهدف مكافحة الفساد وغسل الأموال، وهو ما زاد من الاهتمام بملف ثروة آل نهيان العقارية.
لكن الأزمة العائلية دخلت منعطفاً حاداً حين كشفت وثائق محكمة بريطانية أن السيطرة على المحفظة العقارية لخليفة تم نقلها سراً عام 2015 إلى لجنة خاصة يرأسها منصور بن زايد آل نهيان، الأخ غير الشقيق للرئيس الراحل.
وتضمنت الوثائق توقيعاً منسوباً إلى خليفة، إلا أن محامين أشاروا إلى أن التوقيع يعود في الواقع إلى محمد بن زايد، في خطوة وُصفت بأنها “استحواذ ناعم” على أصول شقيقه المريض آنذاك.
وتؤكد الوثائق، التي نشرتها منصة ساراواك ريبورت الاستقصائية، أن هذه اللجنة الحكومية تولت إدارة العقارات باسم الدولة، بينما نفى ممثلو خليفة أن يكون قد تنازل طوعاً عن السيطرة عليها.
وتعتقد مصادر قانونية أن هذا الخلاف يقف وراء دعاوى قضائية سرية أمام المحكمة العليا البريطانية، حيث يتنازع ورثة خليفة ومحامو الحكومة الإماراتية على حق إدارة الأصول العقارية.
وتشير تقارير أخرى إلى أن النزاع لا يقتصر على
بريطانيا وحدها، بل يمتد إلى عقارات في فرنسا وسويسرا تُقدر قيمتها بمليارات اليوروهات.
وتقول مصادر مقربة من العائلة إن أبناء خليفة يعتبرون أن “ما يجري هو مصادرة متعمدة لثروة والدهم”، فيما يسعى محمد بن زايد إلى توحيد إدارة هذه الأصول ضمن “محفظة سيادية واحدة” تحت إشراف مؤسسات الدولة، بهدف إحكام السيطرة المالية على إرث العائلة.
ورغم التكتم الشديد الذي تفرضه أبوظبي على تفاصيل الخلاف، إلا أن المراقبين يرون أن هذه القضية تكشف عن تصدعات داخل بيت الحكم الإماراتي، خاصة بين جناح محمد بن زايد وأبناء إخوته.
ويعتقد محللون أن هذه الصراعات، التي تدور خلف الأبواب المغلقة، قد تكون مؤشراً على “تحول في موازين القوة والثروة داخل النظام الإماراتي”، بعد عقدين من حكم العائلة بقبضة أمنية واقتصادية محكمة.
ويختم تقرير إنتلجنس أونلاين بالإشارة إلى أن أموال أبوظبي لا تزال تتدفق إلى أسواق العقارات “الفائقة الفخامة” في لندن وباريس، لكن حالة الغموض التي تحيط بملكية أصول خليفة بن زايد، والنزاع القائم حولها، باتت تثير قلق الوسط المالي الأوروبي.