المصدر الأول لاخبار اليمن

سيناريوهات أعمق من حرب الوكلاء.. من يدير الصراع في الشرق اليمني؟

عدن | وكالة الصحافة اليمنية

 

على مدى الأشهر الماضية، شهدت المحافظات اليمنية الشرقية — من حضرموت إلى المهرة — سلسلة تحولات عسكرية وأمنية متسارعة تمثلت بانهيارات مفاجئة في بنية الفصائل التابعة للتحالف وتبدّل موازين القوة لصالح قوى تتبع الإمارات إلى جانب اشتباكات متقطعة، وانقضاض متسارع على الموارد والمنافذ الحيوية.

غير أن قراءة هذه المشهدية من زاوية صراع الفصائة التابعة للقوى الخارجية لا تقدّم سوى سطح الأزمة؛ فالخلفية الحقيقية تتجاوز الحدود اليمنية إلى خارطة أوسع بكثير يتمثل أبرزها في الصراع دولي على ممرات البحر العربي وباب المندب وثروات الشرق اليمني، في إطار ترتيبات إقليمية تخدم قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي.

لا تتعامل القوى الدولية مع مناطق سيطرة التحالف في اليمن بوصفها ملفًا محليًا، بل باعتبارها نقطة استراتيجية ذات تأثير على أهم الموانئ المطلة على البحر العربي، إضافة إلى التحكم بخطوط ملاحة دولية قريبة من باب المندب، إلى جانب مساعي الاستحواذ على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز في حضرموت والمهرة وشبوة.

هذه المعطيات جعلت شرق اليمن ساحة تتقاطع عندها مصالح الولايات المتحدة، والكيان الإسرائيلي، وبريطانيا، وفرنسا، وصولًا إلى الصين والإمارات والسعودية، وهذه القوى ترى في أي دولة يمنية موحدة وقوية تهديدًا مباشرًا للنفوذ الدولي في الممرات البحرية، ولذلك يجري العمل على إنتاج بيئة دائمة من الانقسام والولاءات المتشابكة.

 

أدوات إقليمية لمشروع دولي أكبر

بعد اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي، تحولت أبو ظبي إلى شريك بحري وأمني مباشر للكيان، وامتد ذلك إلى السيطرة على الموانئ الحيوية، وكذا النفوذ المتصاعد في أرخبيل سقطرى، بالاضافة إلى تعاون استخباراتي ولوجستي بحري.

وبحسب مصادر سياسية، فإن الوجود الإماراتي في السواحل والجزر اليمنية ليس مشروعًا إماراتيًا خالصًا، بل جزء من ترتيبات تضمن لإسرائيل حرية الحركة في الممرات البحرية وخطوط الملاحة الاستراتيجية.

من جانبها تتحرك الرياض تاريخيًا ضمن الإطار الأميركي، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وهو ما يجعل تدخلها في شرق وجنوب اليمن منسجمًا مع أهداف واشنطن قبل أن يكون نابعًا من رؤية سعودية مستقلة.

ومن خلال ذلك يأتي الصراع الذي اندلع مؤخرًا بين فصائل موالية للإمارات وأخرى تدعمها السعودية في حضرموت والمهرة، بدا ظاهريًا كصراع نفوذ محلي، إلا أن القراءة الأمنية تقول إن الإمارات تعمل على إعادة رسم السيطرة على الموانئ وخطوط الملاحة البحرية، فيما تحاول السعودية قطع الامتداد الإماراتي نحو المهرة ومنع احتكارها للموارد الشرقيّة.

وما حدث من انهيار سريع للفصائل المرتبطة بحزب الإصلاح في المحافظتين، أعاد تشكيل الخريطة لصالح القوى الموالية للإمارات.

 

كيف ترى صنعاء المشهد؟

في تصريح لوكالة الصحافة اليمنية، قال مستشار وزارة الدفاع في صنعاء، العميد محمد الشريف، إن ما يحدث في المحافظات الشرقية والجنوبية “لا يمكن قراءته كاشتباكات محدودة بين مرتزقة، بل هو جزء من سياقات أكبر تهدف إلى تمزيق اليمن عبر صراعات داخلية تخدم أجندات خارجية”.

وأضاف الشريف أن التطورات الأخيرة تأتي في إطار “تصريحات عدائية سابقة أطلقها مسؤولون في كيان الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، في سياق محاولات الضغط لمنع صنعاء من دعم الشعب الفلسطيني في غزة”.

وحذّر الشريف من أي خطوات تمسّ أمن اليمن واستقراره، موجهًا رسائل تحذيرية إلى السعودية والإمارات بعدم التورط في تغذية صراعات داخلية استجابة لضغوط أميركية وبريطانية وإسرائيلية، مؤكدًا أن اليمن أصبح قوة عسكرية إقليمية لا يُستهان بها.

كما أكد، أن فشل الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وفشل الكيان الإسرائيلي في الحد من دعم صنعاء لغزة، دفع “الأعداء لتحريك أدواتهم الإقليمية والفصائل المحلية لضرب اليمن وثرواته”.

 

ما وراء السيطرة على حضرموت والمهرة

تأتي سيطرة الفصائل الموالية للإمارات على حضرموت والمهرة — وطرد الفصائل المحسوبة على حزب الإصلاح — كحلقة جديدة في سلسلة ترتيبات دولية لإعادة تشكيل النفوذ في مناطق سيطرة التحالف جنوب وشرق اليمن.

ووفق تقديرات خبراء عسكريين، فإن هذه التحولات ليست سوى مقدمة لمرحلة قادمة تهدف إلى تثبيت وجود طويل الأمد للإمارات والكيان الإسرائيلي في السواحل والجزر اليمنية، إضافة إلى محاولات ضمان التحكم بخطوط الملاحة لصالح القوى الغربية، وإبقاء اليمن في وضعية الانقسام المستدام.

ووفق ذلك يتضح أن ما يحدث في جنوب وشرق اليمن اليوم ليس صراعًا بين فصائل متناحرة فحسب، بل فصل جديد من صراع دولي على الممرات البحرية والثروة وقرار اليمن السيادي.

وفيما تدير  القوى الدولية المشهد عبر وكلاء إقليميين ومحليين، يبقى جنوب وشرق اليمن — بثرواته ومناطقه الحساسة — محورًا تتقاطع عنده مصالح تتجاوز الخرائط اليمنية كلها، فيما يبقى التساؤل: هل يقف الشعب اليمني متفرجًا على تمزيق وطنه أم يكون له رأي يقلب الموازين؟!

قد يعجبك ايضا