المصدر الأول لاخبار اليمن

البحث عن المفقودين بين ركام مستشفيات غزة.. حين تتحول مراكز الحفاظ على الحياة إلى مقابر جماعية

غزة/وكالة الصحافة اليمنية

مع تراجع حدة العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة، بدأت تتكشف الطبقات المخفية للأزمة الصحية والإنسانية داخل المستشفيات الكبرى، وفي مقدمتها مجمع الشفاء الطبي ومستشفى المعمداني.

حيث يعمل الدفاع المدني الفلسطيني منذ يومين على عمليات انتشال الجثامين، إلا أن هذه العمليات ليست مجرد إجراءات روتينية، بل دليل ميداني على حجم الانهيار الذي أصاب البنية الصحية، وحجم الفوضى التي رافقت اجتياحات الاحتلال الإسرائيلي، وقيامه بتدمير الأقسام الطبية والإنسانية في قطاع غزة بعد أشهر طويلة من القصف والاقتحامات.

هذا التقرير يسلّط الضوء على ما جرى داخل المستشفيات، ويرصد من خلال الوقائع والأرقام والثغرات القانونية كيف أصبحت مراكز العلاج جزءًا من مناطق الفقدان الجماعي، بعيدًا عن وظيفتها الأصلية.

 

عمليات انتشال مستمرة في مستشفى الشفاء

في أحدث عملياتها، أعلنت طواقم الدفاع المدني في محافظة غزة، اليوم الإثنين، نقل 98 جثمانًا لشهداء من داخل مجمع الشفاء الطبي، بينهم 55 مجهولي الهوية، حيث كانوا مدفونين داخل أقسام وساحات المستشفى خلال فترات العدوان الصهيوني.

وتم تسليم الجثامين إلى الطب الشرعي والجهات المختصة لاستكمال إجراءات التوثيق.

وأكدت طواقم الدفاع المدني أنه ما يزال هناك عشرات الجثامين داخل مجمع الشفاء الطبي التي سيجري استخراجها خلال الأيام المقبلة، في إطار جهود كشف مصير المفقودين وتحديد هويات الشهداء من خلال الفحوص الطبية.

تقول مصادر طبية في غزة، إن هذا الرقم جزء من الصورة فقط، لأن فريق الانتشال أكد وجود عشرات الجثامين الأخرى ما تزال داخل المجمع وسيجري العمل عليها خلال الأيام المقبلة.

 

48 جثمانًا آخر من مستشفى المعمداني

قبل ذلك بيوم واحد فقط، انتشل الدفاع المدني 48 جثمانًا من المقابر المؤقتة داخل مستشفى المعمداني في غزة، ضمن عمليات متواصلة لإفراغ ساحات المستشفيات من الدفن الاضطراري الذي لجأت إليه الطواقم الطبية خلال فترات العدوان “الإسرائيلي” على غزة .

هذه الاكتشافات المتتابعة تعيد فتح ملف المختفين قسريًا والمرضى والكوادر الطبية الذين فقد الاتصال بهم خلال الاجتياحات، وتؤكّد أن المستشفيات تحولت خلال مراحل معينة من الحرب إلى أماكن فقدان جماعي، وليس فقط لعلاج الضحايا.

وهو ما يعكس نمطًا متكررًا تحولت خلاله المستشفيات إلى مناطق دفن اضطرارية، وليست فقط منشآت طبية.

 

المشهد الصحي: بنية منهارة وعبء إنساني غير مسبوق

تعاني مستشفيات غزة اليوم من عجز حاد في الأسرّة والأقسام الحيوية، الأجهزة الطبية الأساسية، الوقود والمولدات، الطواقم المتخصصة بعد استشهاد واعتقال العشرات من الكوادر الطبية.

ونتيجة ذلك، هبطت القدرة التشغيلية في بعض المستشفيات إلى أقل من 30% من قدرتها الأصلية، وفق تقديرات منظمات دولية.

 

المقابر المؤقتة كانت خيارًا اضطراريًا

مع ازدياد أعداد الشهداء وعدم قدرة سيارات الإسعاف أو الجهات الطبية على نقلهم إلى المقابر الرسمية، اضطرت المستشفيات إلى تخصيص مناطق طارئة لدفن الجثامين مؤقتًا داخل ساحاتها.

هذا الإجراء، رغم قسوته، كان الخيار الوحيد لمنع التكدّس والحفاظ على سلامة المرضى والطواقم وسط القصف “الإسرائيلي”المستمر.

 

فقدان سجلات المرضى والمفقودين

اقتحام عدد من المستشفيات وتدمير أجزاء واسعة منها أدى إلى فقدان أرشيفات المرضى، انقطاع سجلات الدخول والخروج، ضياع بيانات هويات المصابين والمفقودين.

لذلك، بات الاعتماد على الطب الشرعي والتحليل البيولوجي ضروريًا لتحديد هويات الشهداء الذين يُعثر عليهم في المنشآت الصحية.

 

ثغرات قانونية.. مسؤولية من؟

يعتمد القانون الدولي الإنساني على مبادئ واضحة، حماية المرافق الطبية، وضمان احترام حرمة الجثامين، والسماح لفرق الإسعاف بالعمل.

لكن ما جرى في غزة يثير أسئلة مفتوحة: لماذا اختطفت قوات الاحتلال الجثامين واحتُجزتها داخل المستشفيات لأشهر دون السماح بنقلها؟

هل وثّقت المنظمات الدولية خروقات واضحة لهذه المبادئ؟ ما هو دور الصليب الأحمر في متابعة حالات المفقودين؟ هذه الأسئلة ما تزال بلا إجابات كافية.

 

أثر إنساني يفوق حدود الطب

المشهد في المستشفيات لا يتعلّق فقط بانتشال الجثامين، بل بمعاناة آلاف الأسر التي ما تزال تبحث عن ذويها منذ شهور، بين من فُقد داخل المستشفيات ومن اختطفته قوات الاحتلال خلال عمليات الاقتحام.

بين 98 جثمانًا من الشفاء و48 من المعمداني، تقف عشرات العائلات أمام احتمالين فقط العثور على جثمان فقيدهم، أو استمرار رحلة البحث المؤلمة.

ما يحدث اليوم داخل المستشفيات ليس مجرد عمل تقني، بل استعادة جزء من الكرامة الإنسانية في وسط فوضى العدوان الصهيوني.

عمليات انتشال الجثامين من مستشفيات غزة – سواء في الشفاء أو المعمداني – تكشف بوضوح أن المستشفيات في غزة تحولت خلال عامين من العدوان الغاشم من “خط الدفاع الأول عن الحياة” إلى “مواقع فقدان جماعي”.

وفي الوقت الذي تتواصل فيه عمليات التوثيق والتحقيق، تبقى مستشفيات قطاع غزة رمزًا مزدوجًا، مركزًا للعلاج، وشاهدًا على واحدة من أكثر جرائم الإبادة الجماعية التي عرفتها الإنسانية.

قد يعجبك ايضا